أوس أبوعطا
في الثامن من يوليو أحيا الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين الذكرى الثانية والخمسين لرحيل الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي اغتالته إسرائيل بتفجير مركبته في منطقة الحازمية قرب العاصمة اللبنانية بيروت، نصف قرن مر ولا تزال ذكرى الكاتب والمناضل حاضرة في الساحة الأدبية العربية، في تأكيد على قدرة الكلمة على الصمود رغم محاولات الطمس.
تمرّ علينا الذكرى الثانية والخمسون على اغتيال المناضل والصحافي والقاص والروائي غسان كنفاني، لم يكن غسان مناضلا وصحافيا وقاصا وروائيا فقط، بل كان عاشقا وإنسانا نبيلا ومحبا للحياة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
درس الشهيد كنفاني الأدب العبري بكل جد، وكتب عنه وتبحر في ثقافة الأعداء، ونال العديد من الجوائز العالمية، وترجمت إبداعاته إلى كل لغات الكون، كما كان غسان ناطقا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومتكلما بارعا باللغة الإنجليزية، ويذكر الجميع حواره الشهير مع الصحافي الأسترالي ريتشارد كارلتون بالإنجليزية في العام 1970 حيث طلب منه الأخير بدء حوار مع الإسرائيليين فأجابه غسان بطريقة صاعقة “هو كحوار السيف والرقبة”.
قامة أدبية
حركة حماس حاولت تعويض اسم غسان كنفاني باسم تركي في مدرسة حكومية، وهذا اعتداء على رمز وطني
كان غسان رساما عظيما تفنن في رسم الكثير من اللوحات الفاتنة.
أشعر أن شخصية غسان كنفاني العبقرية تحمل تشابها كبيرا مع الشاعر والرسام اللبناني العظيم جبران خليل جبران، وبالأخص في ما يتعلق بأدب الرسائل، رسائل غسان مع مي، ورسائل جبران مع ماري.
فعل غسان كنفاني ما فعله وحفر اسمه في سجل الخالدين واغتيل وهو في عامه السادس والثلاثين فقط، ماذا لو حالفنا الحظ قليلا وامتد عمر غسان أكثر، لأصبحت لدينا قامة كبرى في الرواية والقصة، يضاهي في الشعر محمود درويش.
وفي سياق متصل أذكر أن الشاعر الفلسطيني المعروف موسى حوامدة أخبرني في أحد محادثاتي معه بأن اليهود يستكثرون علينا غسان كنفاني ومحمود درويش وإدوارد سعيد، وذلك لأنهم يقدرون قيمة الأدب والفن، وباعتقادي أنها ملاحظة مهمة؛ ذلك أنه عندما يبزغ فجر مبدع فلسطيني فهذا يؤكد أن الشعب الفلسطيني شعب حي ومبدع ويستحق أن تكون له دولته كسائر شعوب الأرض.
وباعتقادي أنه من المفيد أن نتذكر حادثة وقعت قبل سبع سنوات، حين أثارت وزارة التربية والتعليم التي تديرها حركة حماس في غزة حالة من الاستياء في الساحة الفلسطينية، بعد قرارها استبدال اسم مدرسة “غسان كنفاني الأساسية للبنات”، الواقعة في مدينة رفح جنوب القطاع، باسم جديد هو “مرمرة الأساسية للبنات”.
الرموز والأسماء التركية هي أهمّ وأجدى من الرموز والأسماء الوطنية الفلسطينية عند من أصدروا هذا القرار، وعلى الطلاب أن يهتموا أيما اهتمام بالثقافة التركية ويدعوا الثقافة الوطنية الفلسطينية جانبا.
اسم خالد
الكاتب تحدث عن سرقة المساعدات في قصته “القميص المسروق” وعن الفساد والجشع، وهو ما نجده ماثلا اليوم
لأنّ غسان حي وثقافته حيّة بيننا وكتاباته يتداولها الأدباء والنقاد، فأفضل إحياء لذكراه يكون بعودة النقاد والكتاب إلى كتابات غسان كنفاني وإسقاطها على واقع الشعب الفلسطيني الأليم في ظلّ حرب الإبادة التي يتعرض لها.
تحدث غسان كنفاني عن سرقة المساعدات في قصته “القميص المسروق”، تلك القصة التي فازت بمسابقة أدبية في الكويت، وما أكثر السرقات والفساد والجشع والاستغلال في قطاع غزّة اليوم وما أكثر التغاضي عنها من قبل سلطة الأمر الواقع.
كما تحدث عن طمع المهرّبين في قصته الشهيرة “رجال في الشّمس” وما أكثر من هذا الطمع واستغلال تجار الأعمال له ولحاجة الفلسطينيين إلى النجاة بجلودهم من المحرقة الإسرائيلية هناك، وقد ذكرت صحيفة التايمز أن
على كل شخص يرغب في مغادرة القطاع دفع مبلغ 5 آلاف دولار ويخفّض إلى النصف في حال كان عمره أقل من 15 عاما. كما لغسان “أم سعد” وحديثه عن الخيام والحياة فيها والمعاناة اليومية التي لا تنتهي.
سيظل غسان حيّا بيننا وبين مراجعات النقاد والكتاب ونقاشاتهم، وسيعلو اسمه فوق كل اسم غير عربي، تركيّا كان أم فارسيا، لأنّه المتعمد بدم فلسطين وشقائق نعمانها القانية، وسيظل رحيق أوراقه يعطّر خطابات المناضلين ورسائل العاشقين حتى قيام السّاعة.
نقلاً عن العرب اللندنية