سوسن مهنا
جرت اغتيالات إسرائيلية لشخصيات بارزة على مر التاريخ، وتعد جزءاً من استراتيجية تل أبيب الأمنية التي تتضمن ضربات محددة تهدف إلى إضعاف الخصوم وتقليل التهديدات الموجهة ضدها، لكن ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية من استهدافات طاولت شخصيات بارزة كرئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، وقائد “كتائب القسام” الجناح العسكري التابع للحركة محمد الضيف، والرجل الثاني في “حزب الله” فؤاد شكر، طرح تساؤلات عن هذه الموجة الواسعة من الاغتيالات وهل تستمر من دون رد واضح من فصائل الممانعة؟
يشير متابعون إلى أنه من غير المرجح أن تمر تلك الاغتيالات دون تداعيات، وقد تتعامل إسرائيل مع ردود فعل عنيفة وموقتة، لكن التأثيرات طويلة الأمد تعتمد على مجموعة من العوامل بما في ذلك الاستعدادات الإسرائيلية، واستراتيجية “حماس” للرد على خسارة قياداتها، علماً أنه تاريخياً، لم تغير اغتيالات كهذه من ديناميكيات الصراع بصورة جذرية، لكنها أضافت تعقيدات جديدة، وأحياناً تصعيدات خطرة.
سوابق الاغتيالات الإسرائيلية
سابقاً أقدمت تل أبيب على اغتيال شخصيات مهمة كأحمد ياسين مؤسس “حماس”، الذي اغتيل في الـ22 من مارس (آذار) 2004، في غزة.
وتسببت هذه العملية في تصعيد كبير للعنف بين الحركة وإسرائيل، لكنها لم تؤد إلى تغيرات استراتيجية كبيرة على الأرض. أيضاً عماد مغنية القائد العسكري البارز في “حزب الله” والذي اغتيل في دمشق نهار الـ12 من فبراير (شباط) 2008، مما أدى إلى ارتفاع حدة التوترات، لكنها لم تتسبب في حرب شاملة بين الحزب وإسرائيل.
ومن الأمثلة البارزة أيضاً بهاء أبو العطا القيادي في حركة “الجهاد الإسلامي” الذي اغتيل في غزة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وأدت تلك العملية إلى تصعيد موقت للعنف، لكنها لم تغير في المعادلة الاستراتيجية بصورة كبيرة.
ويرى متابعون أن عملية اغتيال هنية، كما في حالات سابقة، ستؤدي إلى تصعيد موقت للعنف، مع إطلاق صواريخ من غزة وردود فعل إسرائيلية قوية.
ومع ذلك، فإن هذا النوع من التصعيد غالباً ما يكون محدود الأثر على المدى الطويل، أضف إلى ذلك أن اغتيال هنية سيؤثر حتماً في التنظيم الداخلي لـ”حماس”، لأنها ستكون مضطرة لتعيين قيادة جديدة بسرعة، ومع أنها تمتلك نظاماً داخلياً يسمح لها بالتكيف مع فقدان قياداتها، لكن تعيين قيادات جديدة يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في الاستراتيجية والتكتيكات.
ما تداعيات الرد من عدمه؟
اغتيال شخصيات مثل إسماعيل هنية ومحمد الضيف وفؤاد شكر لن يمر مرور الكرام، وسيؤدي إلى سلسلة من التداعيات المعقدة والمتشابكة، لكن الآثار طويلة الأمد تعتمد على كيفية استجابة الأطراف المختلفة، بما في ذلك “حماس” وإسرائيل والمجتمع الدولي.
وقد يحصل إطلاق صواريخ مكثف من قطاع غزة باتجاه المدن الإسرائيلية، أو عمليات انتقامية مثل هجمات على الجنود الإسرائيليين أو عمليات في الداخل الإسرائيلي، علماً أن مثل تلك العمليات ترفع من معنويات المناصرين على المدى القصير نتيجة الرغبة في الانتقام، لكنها قد تؤثر سلباً في المعنويات على المدى البعيد إذا استمرت الخسائر دون تحقيق أهداف ملموسة. كما أن الرد سيقابله تصعيد عسكري من قبل إسرائيل، وردود فعل عنيفة تشمل ضربات جوية مكثفة على غزة، أو معاقل “حماس”، مما سيزيد من حدة المعاناة الإنسانية، إضافة إلى الخسائر البشرية، ومضاعفة تدمير البنى التحتية، وتفاقم الأوضاع المعيشية في غزة.
في المقابل، وإذا كان هناك من نقاط إيجابية في بعض الأحيان، فإن مثل هذه الأحداث تدفع إلى توحيد الفصائل الفلسطينية على رغم خلافاتها، إذ تتوحد الجهود ضد العدو المشترك. أما عن ردود فعل “حزب الله” والفصائل المدعومة من إيران، فإنه من الممكن أن تتفاعل مع الاغتيالات بعمليات ضد المصالح الإسرائيلية في المنطقة، مما قد يوسع دائرة الصراع، ويصعد في التوترات الإقليمية، كما في لبنان وسوريا.
رد مدروس
وقوبل خطاب أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله أول من أمس الخميس بعلامات استفهام عديدة، إذ كان سقف التوقعات مرتفعاً عند أنصار الحزب وجمهوره، وصل إلى حد الجزم بأن نصرالله سيعلن الحرب على إسرائيل.
وما جاء في خطابه أنه “نحن سنرد وعليهم أن ينتظروا”، متابعاً أنه “نحن نبحث عن رد حقيقي وليس عن رد شكلي، وعن فرص حقيقية ورد مدروس جداً”، لكنه فتح باباً للدبلوماسية حين قال “وإذا كان هناك من يهتم في عدم ذهاب المنطقة إلى ما هو أسوأ وأكبر يجب أن يضغط على إسرائيل لوقف حربها على غزة، وهذا الطريق الوحيد لوقف الحرب، ولن يكون هناك حل إلا بوقف الحرب على غزة”.
فهل تطوى هذه الصفحة دون ثمن؟
يقول المتخصص في الحركات الإسلامية الأكاديمي قاسم قصير إن “عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل سواء في لبنان أو فلسطين أو دول أخرى، أدت في كثير من الأحيان إلى ردود فعل، كثير منها كانت عبر عديد من العمليات الانتحارية واستهداف للمصالح الإسرائيلية”.
ويضيف أن عمل “المقاومة” تنامى منذ حوادث استهداف القادة في “حزب الله” راغب حرب وعباس الموسوي وفي “حماس” أحمد ياسين وفتحي الشقاقي مؤسس حركة “الجهاد” في فلسطين، والذي اغتاله “الموساد” الإسرائيلي في مالطا، متابعاً أن “المقاومة أصبحت أقوى وتمتلك صواريخ تصيب الكيان الإسرائيلي بقوة”.
ردود غير متكافئة
في حين يشير الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب إلى أن “هناك عديداً من الاغتيالات الإسرائيلية التي مرت ولم يتم الرد عليها بمستوى الجريمة المرتكبة، كعماد مغنية وابنه جهاد، وحسن اللقيس، ومصطفى بدر الدين، وسمير القنطار، وغيرهم، مستدركاً “هناك جرائم تم الرد عليها دون شك، لكن ليس على المستوى نفسه الخسارة، وذلك مرده لسببين، الأول أن التفوق الاستخباراتي والاستعلامي عند إسرائيل أكبر بكثير مما تمتلكه قوى الممانعة، وأيضاً التقنيات الفنية والسلاح الجوي الذي تنفذ إسرائيل من خلاله عمليات الاغتيال بتلك الدقة، ليس موجوداً عند (حزب الله) و(حماس)، إضافة إلى أن الاستعداد الإسرائيلي للتدخل عند أي رد فعل لعملياته، هو أكبر بكثير من قدرة الفريق الآخر”.
ومنذ أن انخرط “حزب الله” في حرب المشاغلة أو المساندة ضد إسرائيل نهار الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، سقط منه 350 عنصراً تقريباً ومنهم 25 من النخبة أو يتبعون لـ”فرقة الرضوان”.
وعملياً فإن عمليات الاغتيال التي تستهدف قيادات الحزب هي جزء من الصراع المستمر في المنطقة، لكن لم لا يتم الرد الفوري من قبله، ومن قبل غيره من فصائل الممانعة؟
في رأي عديد من المتابعين لحركة تلك الفصائل، فإنه قد يكون لديها استراتيجية معينة تتطلب عدم الرد الفوري، وذلك لتحليل الوضع وتحديد الرد المناسب الذي يمكن أن يكون أكثر فاعلية على المدى البعيد، كما أن التوقيت المناسب للرد لا يكون متاحاً بصورة فورية، بالتالي يكون التأجيل حتى تتوفر الظروف المناسبة لضرب أهداف معادية بطريقة تكبدها خسائر أكبر.
أما بالنسبة لـ”حزب الله” فإن الرد حالاً قد يؤدي إلى إثارة بلبلة على صعيد الوضع الداخلي للبنان، كما في مناطق سيطرته، لأن الرد الفوري قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة يمكن أن تضر بالمدنيين وتؤدي إلى زيادة التوتر. أضف إلى ذلك أنه في بعض الأحيان، قد تكون هناك تفاهمات ضمنية أو اتفاقات غير معلنة مع أطراف إقليمية أو دولية، تمنع هذه الفصائل أو تدفعها لتجنب الرد المباشر للحد من التصعيد.
وكانت أوساط صحافية تداولت اجتماع نصرالله مع قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني في أبريل (نيسان) الماضي، والذي أبلغ فيه الأخير أن توجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي بألا يتم الرد على التصعيد الإسرائيلي مهما كان قاسياً، وبأن إيران لا مصلحة لها من حرب إقليمية قد يشعلها رد من “حزب الله” في الجنوب.
أيضاً كانت وكالة “رويترز” وفي تقرير لها مارس (آذار) الماضي، نقلت عن ثلاثة مصادر إيرانيين، ومن داخل الدائرة الداخلية للسلطة، أنه إضافة إلى الأضرار بـ”حزب الله”، فإن أي تصعيد بينه وبين إسرائيل قد يضغط على إيران للرد بقوة أكبر مما فعلت حتى الآن منذ السابع من أكتوبر، وأنه ووفقاً لجميع المصادر، طمأن نصرالله قاآني بأنه لا يريد أن تنجر إيران إلى حرب مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. أضف إلى ذلك أن لكل عملية اغتيال سياقها الخاص الذي قد يؤثر في قرار الرد وطريقة تنفيذه.
العجز عن مجاراة إسرائيل
ويعتبر المحلل السياسي يوسف دياب أن “تلك العمليات تأتي ضمن مسار طويل من الحرب الباردة بين الفريقين، أو عمليات الاغتيال الممنهجة، لأنه من النوادر أن يتم الرد على إسرائيل، وذلك ما يشجعها على التمادي باغتيالاتها، على رغم كل التهديدات التي تطلق من بعد كل عملية، من قبل قيادات ‘حماس’ و’حزب الله'”.
ويتابع دياب أن “التفوق الإسرائيلي أكبر ولديها عملاء وخلايا أمنية تزودها بالإحداثيات في كل الساحات، وهذا غير موجود عند الفريق الآخر، فلا يوجد لديهم عملاء داخل الأراضي الإسرائيلية وإذا وجدوا فبقدرات محدودة جداً، فلا يوجد تكافؤ بين الفريقين”.
نقلاً عن أندبندنت عربية