فتحي أحمد
بدأت العلاقات بين إيران وحركة حماس منذ تسعينات القرن الماضي، وتمتعت حماس بدعم إيراني هائل، شمل ذلك الأموال والأسلحة والتكنولوجيا وغيرها.
وحين وصلت حماس إلى السلطة في قطاع غزة عام 2007 زادت طهران وحزب الله الدعم الممنوح للحركة لكي تكون حماس ضمن الحركات التي تدور في الفلك الإيراني في المنطقة، بجانب العصا التي تلوح بها في وجه إسرائيل الضاغطة باتجاه عدم حصول طهران على سلاح نووي متطور.
لقد عبر خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس في ذلك العام عن قوة العلاقة مع طهران بقوله إن حماس هي “الابن الروحي للخميني”.
ما بين الحمائم والصقور فجوة كبيرة، ولا بد من نبذة بسيطة عن المفهوم السياسي لمصطلح الصقور والحمائم، وقد ظهر في الساحة السياسية خلال أزمة الصواريخ في كوبا في عهد الرئيس الأميركي جون كينيدي سنة 1962، لكن المصطلح تم تطويره للتعبير عن موقف الأحزاب السياسية من المخصصات العسكرية لميزانية الحكومة الأميركية بين زيادة دعمها أو تقليلها.
بعد ذلك انتشر مصطلح الصقور والحمائم في دول العالم للتعبير عن سياسة القوة المباشرة في تحقيق الأهداف وسياسة تجنب استخدام القوة، كما انتشر هذا المصطلح لدى معظم الأحزاب والفصائل والجماعات حتى المتطرفين.
لهذا أخذت كل شعوب العالم التي على درجة عالية من الوعي السياسي تميز بين هذين المصطلحين، كما أن الدول والأحزاب السياسية تستخدم هذين المصطلحين لتميز نفسها وتسوّقها.
إيران مثلا تقسم حركة حماس، حليفتها الإستراتيجية وإحدى أذرعها في المنطقة، بين حمائم وصقور رغم عدم التصريحات العلنية. ولكنْ هنالك تياران في حماس، تيار مع التمسك بعلاقات طيبة مع طهران الداعمة للحركة على جميع الأصعدة، وتيار ضمن إطار الحمائم الذي يمثله مشعل، وهو الانفتاح على العالم بكل قوة. وفعلا هذا ما حدث، والدليل على ذلك نسخة فكر حماس المنقحة قبل عقد من الزمان، وجاءت الوثيقة لتسوق حماس نفسها كفصيل تحرري من أجل دولة فلسطينية على حدود 1967 بعدما كانت الدولة في نظر حماس على كل التراب الفلسطيني.
وفي ظل الثورة السورية بدأت طهران تنأى عن خالد مشعل بعد قراره الخروج من سوريا إثر نشوب الثورة السورية، هذا السبب الذي جعل كوادر حماس أيضا تبتعد رويدا رويدا عن مشعل.
اليوم بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران وقع الاختيار على مشعل ليكون هو خليفة إسماعيل هنية إلى حين إجراء انتخابات للمكتب السياسي لحماس، غير أنه حتى هذه اللحظة لم يتم تأكيد خبر ترشيح مشعل خلفا لهنية مؤقتا، ولكن سوف يكون هنالك رأي مختلف لطهران.
قال مشعل في مقابلة مع قناة “فرنسا 24” الاثنين الماضي إن الأزمة بين حماس والأسد أثرت على العلاقة مع إيران التي ردت بمراجعة الدعم المالي للحركة بشكل كبير بعد أن كانت أحد الداعمين الأساسيين لها.
والحقيقة التي لا يجب أن يغفل عنها خالد مشعل هي أنه يواجه مشكلة كبيرة في مواصلة التعاون مع إيران حتى هذه اللحظة.
من هذا المنطلق تكون العلاقة بين حماس وإيران علاقة متبادلة؛ حماس تريد من علاقتها مع طهران مد يد العون والمساعدة، بالإضافة إلى الدعم السياسي، وهذا ما ينقص حماس لأنها مشروع الإخوان المسلمين، وهذا هو السبب الرئيسي في الاختلاف بين من يحمل فكر البنا ومن لا يحمله.
وقد رفع التنظيم منذ تأسيسه عام 1987 شعار تحرير فلسطين والقدس وغير ذلك، إلا أنه سرعان ما تبين أنه يسخّر جميع عناصره البشرية وقدراته لخدمة أجندة النظام الإيراني، وسرعان ما انكشفت الخيوط والحبال التي تربط أعلى كوادر التنظيم بالمرشد الأعلى الإيراني وحرسه الثوري.
هذه هي الحال لِما يمكن اعتباره الحالة الغرامية السياسية الإيرانية مع حركة الإخوان، فهدف كليهما هو السيطرة والهيمنة على العالم الإسلامي والعربي.
ولكن حسب التباين الفكري بين الشيعة والسنة أكاد أجزم بعودة ضبابية المشهد والخصومة والتناحر المذهبي بينهما.
ومع استمرار شحذ السكاكين بالتأكيد تتطلع إيران إلى أن تكون حماس من ضمن الصقور في هذا الوقت بالتحديد.
إيران مازال العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية يفرض عليها حصارا سياسيا واقتصاديا بسبب برنامجها النووي، وتستخدم طهران أذرعها للتخفيف من حدة الضغوط المفروضة عليها.
وفي الوقت الذي تريد فيه طهران أن تجعل من حماس حمائم ببساطة يحدث ذلك.
نقلاً عن العرب اللندنية