كريتر نت – متابعات
ترتبط الصين بعلاقات شراكة إستراتيجية قوية مع دول شرق أفريقيا، ولاسيما تنزانيا وموزمبيق، تمتد إلى ستة عقود مع الأولى، وما يقرب من خمسة عقود مع الثانية، ويُعد التعاون في المجال العسكري، وخاصة إجراء تدريبات ومناورات برية وبحرية مُشتركة، أحد الأبعاد المُهمّة لتلك العلاقات.
وفي إطار الأولوية الكبرى التي تُبديها الصين لمنطقة شرق أفريقيا، في سياق إستراتيجيتها الأوسع تجاه القارة الأفريقية، بدأت القوات المسلحة الصينية، تدريبات عسكرية مشتركة مع نظيرتيها في تنزانيا وموزمبيق، الواقعتين في شرق أفريقيا، تحت شعار “وحدة السلام – 2024″، في الفترة من 28 يوليو حتى 15 أغسطس 2024؛ بهدف تعزيز قدرات قوات الدول الثلاث على تنفيذ عمليات برية وبحرية لمكافحة الإرهاب، وتعميق الثقة المتبادلة والتعاون العملي في المجال العسكري، للحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين في منطقة شرق أفريقيا.
وتشمل مُناورة “وحدة السلام – 2024” إجراء تدريبات في البر والبحر بمشاركة وحدات من القوات البرية والبحرية للدول الثلاث؛ إذ تتألف القوات الصينية في هذه المناورة من مجموعتين من الوحدات: الأولى، وحدات برية تابعة لقيادة المسرح المركزي لجيش التحرير الشعبي الصيني، تتكون من قوات المجموعة 82، وفوج المعلومات والاتصالات، ومستشفى عسكري، فضلاً عن عناصر الهجوم والاستطلاع والاستخبارات والعمليات الخاصة ودعم المعلومات والخدمات اللوجستية.
وأما الثانية، فهي وحدات بحرية تابعة لقيادة المسرح الجنوبي لجيش التحرير الشعبي؛ إذ أرسلت البحرية الصينية سفينتيْ إنزال شامل من طراز 071، ومدمرة صواريخ موجهة من طراز 025D، إلى تنزانيا. ويتضمن الجانب البحري من المناورة إجراء تدريبات تشمل الدفاع المشترك عن الموانئ وتكتيكات مكافحة الإرهاب وعمليات الصعود والمصادرة ومكافحة القرصنة ومهام الدوريات البحرية المشتركة.
◙ الصين نجحت في تعزيز دورها ونفوذها في منطقة شرق أفريقيا من خلال الجمع بين دفع نموذج التنمية الصيني وإبراز القوة العسكرية
ونظّمت الصين عملية نقل مُتعددة الأبعاد عبر الحدود لإرسال القوات المشاركة في المناورة إلى تنزانيا عبر الجو والبحر؛ إذ جرى نقل أفراد هذه الوحدات بواسطة طائرة نقل إستراتيجي صينية من طراز Y-20، وذلك في سابقة تُعد الأولى من نوعها التي تُرسل فيها القوات المسلحة الصينية وحدات كاملة إلى مناورة في أفريقيا بطائرات النقل الإستراتيجية Y-20؛ وهو ما يشير إلى ما تمتلكه هذه القوات من قدرات وإمكانات كبيرة في مجال النقل الجوي لمسافات طويلة. كما أنها المرة الأولى أيضاً التي يُرسل فيها جيش التحرير الشعبي الصيني سفن الإنزال الشاملة من طراز 071 إلى التدريبات العسكرية التي يُجريها في أفريقيا؛ إذ تتميز هذه السفن الكبيرة بالقدرة على نقل القوات وكذلك المعدات الثقيلة.
ويُشير خبراء إلى أن قيام جيش التحرير الشعبي الصيني بالمزج بين إرسال الأفراد عبر طائرات النقل الإستراتيجية السريعة والمريحة، وكذلك إرسال معدات ثقيلة على متن السفن الكبيرة، يُمثل نهجاً نموذجياً لإرسال القوات والمعدات العسكرية إلى مسارح بعيدة من جانب دولة كبرى. وجاء في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن هناك العديد من الأهداف التي تسعى الصين إلى تحقيقها من وراء إجراء مناورة “وحدة السلام – 2024” مع تنزانيا وموزمبيق.
وتواجه منطقة شرق أفريقيا بيئة أمنية يشوبها الاضطراب وعدم الاستقرار، وذلك بالنظر إلى معاناة بعض دولها، مثل تنزانيا وموزمبيق، من الإرهاب والتطرف، وتؤكد الصين الأهمية الإستراتيجية لتعميق التعاون العسكري الثنائي مع دول المنطقة في تحقيق التنمية المشتركة والحفاظ على الاستقرار الإقليمي؛ ومن ثم، فإن أحد الدوافع المهمة التي تكمن وراء حرص بكين على إجراء هذه المناورة يتمثل في المساهمة في الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين في شرق أفريقيا، بما يترتب عليه تحقيق المصالح المشتركة للصين ولشركائها في المنطقة؛ وهو ما يُتيح للصين توطيد أقدامها في تلك المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية للمصالح الصينية في القارة الأفريقية.
وتعمل الصين من خلال هذه التدريبات على تعميق علاقات التعاون العسكري مع تنزانيا وموزمبيق؛ إذ تتمثل استفادة تنزانيا ليس فقط في تعزيز قدراتها العسكرية، وإنما أيضاً في تعزيز الخبرة العسكرية والجاهزية العملياتية لقواتها، فضلاً عن أن إدراج جميع فروع القوات المسلحة التنزانية في التدريبات يُشير إلى رغبة تنزانيا في الاستفادة من شراكتها العسكرية مع الصين لبناء قوة عسكرية أكثر تنوعاً وقدرة.
وبدورها، ترغب موزمبيق في تعميق التعاون العسكري مع الصين في دعم موقفها في مُحاربة الجماعات الإرهابية في مقاطعة كابو ديلغادو الشمالية. وهو ما قد يُفسر تأكيد وزير الدفاع الصيني دونغ جون خلال لقائه مع نظيره الموزمبيقي كريستوفاو تشومي، ببكين في أواخر يونيو 2024، الأهمية الإستراتيجية لتعميق التعاون العسكري مع موزمبيق في تحقيق التنمية المشتركة والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
◙ التحركات العسكرية الصينية في منطقة شرق أفريقيا تؤثر على النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة لاسيما وأن واشنطن يُنظر إليها على أنها شريك مفضل
وحدّدت الصين التعاون والتدريب العسكريين كمجالين رئيسيين في تعاونها مع أفريقيا؛ إذ يساعد التدريب العسكري الاحترافي على تعزيز العلاقات بين الصين والدول الأفريقية؛ وهو ما يؤدي بدوره إلى توسيع نفوذ بكين.
وتُعد الصين من أبرز الشركاء العسكريين للقارة الأفريقية، ومن أبرز ملامح تلك الشراكة قيام بكين بتزويد الدول الأفريقية بالمعدات والأسلحة العسكرية؛ إذ أعقب افتتاح المناورة قيام الجانب الصيني بعرض نماذج للمعدات والأسلحة الصينية، شملت الأسلحة الخفيفة، وأنواعاً متعددة من مركبات المشاة القتالية، ومركبات الهجوم، ومركبات القيادة، ومركبات الاتصالات، ومركبات التخلص من الذخائر المُتفجرة، فضلاً عن الطائرات من دون طيار.
ونجحت الصين في تعزيز دورها ونفوذها في منطقة شرق أفريقيا، من خلال الجمع بين دفع نموذج التنمية الصيني وإبراز القوة العسكرية؛ وهو الأمر الذي يتوقع أن يستمر بدرجة كبيرة في المستقبل، في ضوء مُناورات “وحدة السلام”، رغم ما قد يترتب على ذلك من مخاوف أميركية.
وتؤثر التحركات العسكرية الصينية في منطقة شرق أفريقيا على النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة في المنطقة، ولاسيما وأن واشنطن يُنظر إليها على أنها الشريك الأمني المفضل، في الوقت الذي أصبحت فيه الصين الشريك الاقتصادي المفضل في شرق أفريقيا، وتحاول في ذات الوقت أن تصبح الشريك الأمني المفضل لدول شرق أفريقيا؛ وهو ما يُثير قلق الولايات المتحدة التي لا تريد التنازل عن مكانتها ودورها الأمني في المنطقة؛ إذ نجحت الصين خلال العقد الماضي، في إظهار قوتها الاقتصادية والعسكرية في شرق أفريقيا. أما اقتصادياً؛ فمن خلال استيراد النفط، وتقديم القروض، وإقامة مشروعات ضخمة في إطار مبادرة الحزام والطريق. ومن الناحية العسكرية فمن خلال إرسال قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، وزيادة التعاون الأمني في جميع أنحاء المنطقة، وإجراء عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن، وتدشين أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي في عام 2017.