كتب .. أ/عادل الزريقي
مسجد الطيار بمدينة التربة ، بمديرية الشمايتين محافظة تعز ، يعد من أبرز المعالم الأثرية في هذه المدينة ، تم بنائه قبل (850) عاما ، من قبل الشيخ العارف بالله عمر بن محمد بن عبد الله الطيار ، وسمي بإسمه هو والمقبرة التي بجواره البالغ مساحتها (12) هكتار تقريبا ، حيث قبر الطيار فيها ، ويوجد ضريحه على الجهة الجنوبية من المقبرة إلى اليوم ، وكما يقول المؤرخون بأن مدينة (التربة ) سميت بهذا الاسم نسبة إلى وجود القبة أو الضريح الواضح المعالم لقبر ( الطيار ).
يحتوي هذا المسجد على العديد من المرافق والاروقة التي تم تصميمها بأساليب معمارية فنية رائعة ، مثل المنارة والقبة ، والمحراب والأبواب والنوافذ ، والارفف والعقود ، حيث شكل المسجد بمجمل مكوناته لوحة فنية غاية في الروعة والجمال ، تعبر بجلاء ووضوح عن عبق التاريخ ، وعن أصالة الإنسان اليمني الضاربة جذورها في أعماق التاريخ ، وعلى قدرته على تطويع مكونات الطبيعة ، واستغلالها لمصلحته حينذاك ، وبإمكانيات متواضعة وبسيطة إن لم نقل مفقودة تماما ، وبدون تدخل لأي تقنيات حديثة ، مثل استخدام مادة القضاض أو النورة ، والأخشاب المحلية المحلية الصنع ، والأحجار في إنشاء العقود ، لبعض المداخل والأبواب والنوافذ والارفف .
لم يكن المسجد دارا لإقامة الشعائر الدينية فحسب ، كالصلاة والاعتكاف ، بل توجد به قاعات لتعليم أصول الشريعة الإسلامية ، كالقرآن الكريم والفقه والحديث واللغة العربية ، تحت مسمى رباط ( ابن علوان ) حيث يرتاده الطلاب من مختلف المناطق لتعلم مثل هذه العلوم على أيدي مدرسين مختصين الذين يتكفل برواتبهم بعض رجال الخير وذلك أغلب أيام السنة ، للتسهيلات التي يقدمها المسجد مثل السكن الداخلي للطلاب ، والمدرسين والتغذية اليومية للثلاث الوجبات التي تقدم أيضا على نفقة بعض الخيرين.
أما في شهر رمضان المبارك ، فتقدم سفرة متكاملة عامرة بأنواع المأكولات للصائمين طيلة أيام الشهر الكريم على نفقة الخيرين والسكان المجاورين للمسجد .
يقع المسجد في مكان مزدحم بالسكان وقريبا من سوق المدينة ، ويرتاده الكثير من المصليين ، ويقدم خدماته للناس في أوقات الصلاة وفي غير أوقات الصلاة ، إذ يظل بابه الرسمي وجزء من حماماته مفتوحة أربع وعشرين ساعة ، خلافا للمساجد الأخرى في المدينة التي تغلق أبوابها أمام المصلين بمجرد إنتهاء أوقات الصلاة المفروضة ، إلا أنه يعاني الكثير من الإهمال والتسيب سواء من قبل الدولة ممثلة بوزارة الأوقاف والإرشاد ، أو من قبل رجال الخير والأعمال ، أو من قبل المنظمات .
ففي موسم الأمطار تتسرب المياه إلى داخله ، فيضطر القائمون عليه إلى لف السجاد إثر المياه المتسربة إلى داخله من السطح مما يؤدي بالمصلين على عدم استطاعتهم على تأدية الصلاة جماعة بنفس الطريقة المعتادة ، ضف إلى ذلك تآكل بعض اجزائه بفعل الزمن وهدم جزء منه بسبب رصف الطريق المحاذي له رغبة من المقاول بتوسعة الطريق على حساب المسجد ناهيكم إلى أنه لم يعيد بناء الجزء الذي تم هدمه رغم مرور أكثر من عام من عملية الهدم .
وعلى الرغم من أننا نلاحظ أن هناك مساجد تبنى من قبل رجال الخير في أماكن غير مناسبة لوجود مساجد مجاورة أو لوجود عدد قليل من السكان ، ونرى أيضا أن هناك مبالغة في تكلفة وزخرفة هذه المساجد ، غير أنه لم نر أي إلتفاتة لبعض المساجد الأثرية القديمة مثل مسجد الطيار ، بالقيام بترميمها وإصلاح ماينتج فيها من خراب نتيجة مرور الزمن ، فالترقيع الجزئي الذي أجري في أكثر من مكان للمسجد لا يجدي نفعا وغير ذات جدوى ، ضف إلى ذلك أن هذه العملية تتم بصورة عشوائية وشخصية من قبل البعض وليس لها أي صلة بالنمط المعماري العام الذي بني به المسجد منذ البداية ، الأمر الذي نتج عن ذلك محو الطابع الاثري والتاريخي ، وتشويه اللمسات الجمالية الموجودة فيه .
نأمل من رجال الخير وكذا الدولة ممثلة بوزارة الاوقاف والإرشاد الإلتفات إلى هذا المسجد التاريخي والأثري عن طريق ترميمه بصورة كاملة ، وإصلاح الخلل الواقع فيه بطريقة تعيد له المجد والاعتبار ، وتحافظ على الطابع الاثري والتاريخي له عبر مختصين في علم الآثار حتى لا يفقد عبقه وأصالته التاريخية .