ترجمة: مدني قصري
منذ أعوام عديدة، والرموز والأماكن المقدّسة التابعة لمختلف الطرق الصوفية، من باكستان إلى مصر إلى مالي، مستهدفة من قبل المتطرفين الدينيين.
في القاهرة، في الأوّل من كانون الأول (ديسمبر) العام 2017، يحتفل أتباع الصوفية بعيد المولد الذي يُحيي ذكرى مولد النبي محمد، صلّى الله عليه وسلّم.
أثار الهجوم الذي أودى بحياة أكثر من 300 شخص في مسجدٍ صوفي خلال صلاة الجمعة، في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 1917، في سيناء، العديد من الأسئلة حول هذا التيار الباطني للإسلام؛ إذ لم تتبنَّ أيّة جهة عملية القتل هذه؛ فإنّ الخبراء يوجّهون أصابع الاتهام إلى تنظيم داعش.
في ذلك اليوم؛ لقِي 235 من المصلين حتفهم خلال الهجوم على مسجدٍ يتردّد عليه الصوفيون، وهم مسلمون ملتزمون بتيار باطني يمقُته الجهاديون في داعش، أليس غريباً أنّ جماعة تدعو إلى الإسلام، مثل داعش، تنقلب ضدّ نفسها، وتهاجم جماعة أخرى تدّعي نفس الإخلاص للإسلام؟ ومع ذلك، فقد وقعت مثل هذه الهجمات في مصر، وكذلك في باكستان؛ حيث تعرّض العشرات من الصوفيين كانوا مجتمعين حول ضريح القديس لال شهباز قلندار، للهجوم من قِبل الجهاديين، عام 2016، وقد تضاعفت هذه الهجمات منذ عام 2010؛ تفجير قبر داتا جانج بخش، واغتيال المطرب أمجد صبري، مثالان آخران على الأعمال البغيضة التي ارتكبها داعش ضدّ الصوفية؛ فمن هُم هؤلاء الصوفيون؟ ولماذا هم مستهدفون من داعش؟
في الأعوام الأخيرة؛ أصبح مجتمع الصوفية مستهدفاً من قبل الفرع المحلي لداعش في هذه المنطقة من مصر، في قبضة العنف الإسلاموي المتطرف، لكن ليس هذا فقط؛ لقد ضاعفت الجماعات الجهادية في الأعوام الأخيرة هجماتها ضد المقدّسات، وأتباع المجالس الصوفية في باكستان وأفغانستان وسوريا، وكذلك في إفريقيا؛ حيث التيار الصوفي منتشرعلى نطاق واسع.
ما هي الصوفية؟
التصوف نهج روحي، يعدّ طريقة باطنية داخل الإسلام؛ يقول إريك جيفروي، عالم الإسلام، والأخصائي في التصوف: “الصوفية أوّلاً وقبل كل شيء، تأمّلٌ باطني، في هذا التأمل لا يوجد مكان للإيجو، أي النفس (الأنا)، الطريقة الصوفية، التي ظهرت منذ فجر الإسلام، تمّت هيكلتها في شكل ما يسمى بالطريقة، منذ القرن الحادي عشر، من قِبل شيوخ روحيّين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، من آسيا الوسطى إلى المغرب العربي، مروراً بالهند وتركيا والقارة الإفريقية، ووفق البلدان والثقافات، يمارس أتباع التيار الصوفي، المجتمعون في زوايا (المباني الدينية)، جلسات الذكر، وحلقات الصلاة، والأغاني (السماع)، والرقصات (الحضرة)، من أجل الوصول إلى حالة أعلى من السموّ الروحي، والسير نحو الله. ومن بين هذه الطقوس؛ عيد المولد، الذي يحتفل بذكرى مولد النبي محمد، صلّى الله عليه وسلّم، وهو من أهم الشعائر عند الصوفية.
الصوفية، التي تُعدّ تياراً هادئاً وكتوماً، وغير سياسي مبدئياً، بعض الطرق الكبرى أصبحت مسيّسة مع مرور الوقت، من الصعب فكّ كلّ أسرارها الباطنية، وحتى إن لم يكونوا أعضاءً في الطرق؛ فإنّ الكثير من المسلمين متأثرون إلى حدّ كبير بالثقافة الصوفية التي تتّخذ أشكالاً مختلفة جداً.
في إفريقيا؛ أين ترسّخت الصوفية؟
شهدت الطرق الصوفية تطوراً مهمّاً في جميع أنحاء إفريقيا المسلمة: في مصر، وفي المغرب الكبير، وفي إفريقيا السودانية الساحلية، يقول جان لويس تريود، مؤرخ الإسلام: “في السنغال، في شمال نيجيريا، وكذلك في دول شرق إفريقيا، مثل؛ السودان والصومال وإثيوبيا وكينيا، تتهيكل الصوفية على أخويات متفاوتة في القوة”، “فيما في بقية دول إفريقيا جنوب الصحراء، يوجد المزيد من المجتمعات والجمعيات التي تلتف حول إمام المسجد”.
رهان رمزي للدبلوماسية الروحية
هناك اثنتان من الطرق القوية ساهمت في انتشار الصوفية في القارة الإفريقية: القادرية، المولودة في بغداد في القرن الحادي عشر، وقد انتشرت عبر الصحراء إلى مالي، والتيجانية منذ القرن الثامن عشر، وقد نشرت هذه الأخيرة، دعوتَها من المغرب إلى السودان، ويشير السيد تريود إلى أنّ الطريقة التيجانية التي حظيت باهتمام كبير من قبل السياسيين تتمتع بثقل كبير في السنغال؛ حيث خلقت الصوفية “دولة في داخل الدولة”، لكن في فاس بالمغرب يقع قبر مؤسسها أحمد تيجاني، وبعد أن أصبح هذا الضريح مكاناً للحج، الذي يتردّد عليه المؤمنون من جنوب الصحراء الكبرى، يرى المغرب الصوفية بمثابة رهان رمزي للدبلوماسية الروحية في القارة ولمكافحة التعصّب الديني.
هجمات أخرى ضدّ الصوفيين في إفريقيا
عام 2012؛ دمّر أعضاء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ضريح القدّيسِين الصوفيين المسلمين في تمبكتو بمالي، تُعرف مدينة مالي باسم مدينة القديسين الـ 333، وهي مركز فكري كبير للإسلام، كما تمّ تدمير عشرات الآلاف من المخطوطات التي يعود بعضها إلى القرن الثاني عشر، وبعضها الآخر إلى عصر ما قبل الإسلام.
وهناك هجمات أخرى لم تحظ بتغطية إعلامية واسعة، وهي الهجمات التي استهدفت شرق إفريقيا؛ ففي الصومال، دمّر شباب إسلاميون صوماليون العديد من أضرحة الصوفيين الذين ظلّ السكان المحليون يُبجّلون ذكراهم عبر العصور.
الصوفية بين التسامح والمعارضة
السياسيون وخبراء الفكر ووسائل الإعلام غالباً ما يصورون الصوفية على أنّها نسخة سلمية ومتسامحة ومستقلة ذاتياً وثقافية، للإسلام، وهي النسخة التي ترى حكوماتُ المجتمعات الإسلامية، أو التي لديها أقليات مسلمة، أنه تجب تغذيتها وتعزيزها، فإذا لم يكن هذا التصور خاطئاً بالضرورة، خاصةً في هذه الأيام، فإنّه يجب مع ذلك توخي الحذر، صحيح أنّ الصوفية اليوم أكثر سلمية وتسامحاً من الأصوليين المسلمين (السلفيين).
السلفيين ومضايقات حماس بـ”وحدة الوجود”
لكن ليس هذا هو الحال دائماً؛ لطالما فضّل الصوفيون الجهاد الداخلي أو الروحي؛ أي الجهاد الذي يهدف إلى تطهير الروح من دوافعها وأفكارها الخاطئة، على الجهاد العسكري ضد الأعداء الخارجيين للإسلام، وضد المجتمع المسلم (الأمة)، ولكن -كما ورد في كتاب “التصوف الإسلامي: تاريخ قصير”/ ( Islamic Mysticism: A short history (2010)” للكاتب ألكسندر كنيش (KMYSH ALEANDRE)؛ فقد كانت الصوفية أيضاً بمثابة مصدر للحافز والبنية المؤسسية لحركات المعارضة طوال العصر الحديث، لقد انخرطت حركات صوفية من حين لآخر في الجهاد “الساخن” ضد ما كانت تعدّه انحرافات عن “الإسلام الصحيح” أو تعديات أوروبية استعمارية على الأراضي الإسلامية.
تفاعل الصوفية بعوامل محلية
يتم تحديد تفاعلات الصوفيين مع بيئتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من خلال مجموعة واسعة من العوامل المحلية، بما في ذلك الحسابات العملية، والافتراضات العسكرية والسوقية، والديمغرافية والجيوسياسية. كما تلعب شخصيات القادة الصوفيين أيضاً دوراً مُهماً في مواجهة التحديات أو التهديدات المماثلة، كان ردّ فعل الشيوخ في المجتمعات الصوفية في الماضي، بطريقة مختلفة تماماً؛ لقد انضم بعضهم إلى سلطات الدولة، بما في ذلك السلطات الاستعمارية، في حين دعا آخرون إلى استخدام أسلحة ضدّ ما يرون أنه تهديد لأسلوب حياتهم ومعتقداتهم، على سبيل المثال؛ ففي إطار الأخوية التيجانية في المغرب الكبير، تعاونت هذه الأخيرة مع الفرنسيين، بينما في شمال القوقاز عارض أتباع الأخوية النقشبادية الروس، وينطبق الشيء نفسه في أجزاء أخرى من العالم الإسلامي، من غرب إفريقيا إلى الصين، كان السلوك السياسي للقادة والمؤسسات الصوفية في القرنين التاسع عشر والعشرين غير متجانس للغاية، ويجعل أي تعميم على التشدد أو الهدوء المتأصل في الصوفية، غير صحيح.
ولادة الخصم الرئيس للصوفية
يقول مارشال هودجسون، المؤرخ الأمريكي الشهير، للمجتمعات الإسلامية: إنّ الصوفية كانت في زمنِ ما قبل الحداثة، وأوائل العصر الحديث “ديناً جماعياً مؤسّسياً”، و”ركيزة النظام الاجتماعي” الدولي”؛ كان للحركات الاجتماعية أو السياسية في ذلك الوقت روابط مع التعاليم والممارسات الصوفية، وغالباً ما تطورت في إطار مؤسسة صوفية (“الأخوية” أو “الطريقة)، وعلى مدى قرون عديدة، كانت الصوفية جزءاً أساسياً من نسيج الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمعات الإسلامية.
لكن في القرن التاسع عشر، أطلقت مجموعةٌ صغيرة نسبياً، ولكنها قوية، من المثقفين المسلمين، حركةً لإصلاحٍ كاملٍ للحياة الإسلامية؛ عندئذ أصبحت الصوفية هدفاً واضحاً لانتقادات هذه الحركة: كانت الصوفية رمزاً قوياً وموجوداً وجوداً كاملاً في النظام القديم، ووفق معتقداتهم الدينية والسياسية، سعى الإصلاحيون إلى استبدالها إمّا بإسلام إصلاحي حديث (غربي) أو بالإسلام المشار إليه جماعياً بإسلام “الأسلاف الأتقياء” (السلف الصالح)، الذي ادعى إعادة إنتاج السلوك المثالي للمسلمين في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، وهكذا وُلد الخصم الرئيس للصوفية: السلفية.
التشابه بين السلفيين والبروتستانت
إدانة السلفية العنيفة لجميع أشكال الوسطاء بين البشر والله، سواء تعلّق الأمر بالصوفيين الأحياء، أو بملاذاتهم، تمثل تشابُهاً لافتاً للنظر، مع قبل قرون، برفضِ البروتستانت للعبادات المقدسة، والآثار المقدسة، والرهبنة، في المسيحية الغربية، أضف إلى ذلك الأهمية التي يوليها السلفيون للفهم الحَرفي للكتاب المقدس، بدلاً من القراءة المجازية والباطنية، والتي تعدّ سمة من سمات التفسير الصوفي للقرآن.
نجد هذا الصراع بين الإسلاميين الصوفيين والسلفيين في المجتمعات الإسلامية حول العالم. في كل واحد منهم، يتم تغذية الصراع بعددٍ لا يحصى من السخط المحلي، ويأخذ أشكالاً مختلفة، ولكن النمط العام يظل ملحوظاً، لأسباب مختلفة، أصبحت النسخة المتشددة للسلفية، والمعروفة باسم “الجهادية”، الأيديولوجيا والممارسة المفضلة للأفراد الساخطين في المجتمعات الإسلامية، في العالم الإسلامي، وبين مجتمعات الأقليات المسلمة على السواء.
السلفية تغري الشباب ببساطتها الظاهرية
السلفية تغوي وتستقطب العديد من المسلمين الذين غالباً ما يكونون صغار السنّ، ومتحمّسين لبساطتها الظاهرية؛ فالسلفية تشرح المصير الحالي للعالم الإسلامي بعبارات دينية بحتة، وتدعو المسلمين إلى استعادة أمجاد الإسلام السابقة، من خلال قيادة الجهاد ضدّ أعدائه، وباختيارهم لأهداف “مشروعة” للجهاد، سواء أكانت مسلمة أم لا، يستخدم السلفيون، الذين يختارون الجهاد معايير خارجية بحتة (الظواهر)، أي مظهر الأعداء وسلوكهم الخارجي. أما التركيز الذي تضعه الصوفية على الجانب الخفي (الباطني) لممارسة بعينها، أو مفهوم أو شخص بعينه؛ فهو مرفوض من قبل السلفية، فهذا التركيز الباطني عند الصوفية تراه السلفية جدلاً عقيماً يحجُب التقسيم الأساسي للعالم بين مؤمنين حقيقيين وخصومهم “الكفار”.
الصوفيون يرفضون القراءة الحَرْفيّة للنصّ القرآني
الصوفية، التي تشتهر بممارستها للإسلام المتسامح، تُعارض تقليدياً التيارات الحَرفية (التي تفسّر النص القرآني حَرْفيًا)، يقول عالم الأنثروبولوجيا المغربي، فوزي الصقلي، أحد أشهر المتخصصين في الصوفية “نموذج الأيديولوجية المتطرفة، الوهابي أساساً، هو شكل من أشكال عولمة الدين، والمتطرفون لديهم السلوك نفسه، والأزياء نفسها: يربّون اللحية، ويفرضون ارتداء الحجاب، …إلخ، كلّ هذا، في رأيهم، يجب أن يكون مُبرمجاً في أذهان الناس ونفوسهم، لأنهم يرون أنّ الإسلام هو نفسه في كلّ مكان وزمان، لكنّ الصوفية تتكيف مع كلّ مكان، ومع كل ثقافة، وكل زمان أيضاً، الصوفية ليست جامدة، على عكس الأيديولوجية الحَرفية، التي لديها هاجس العيش كما كان العيش في زمن النبي”.
لماذا يهاجم الجهاديون الصوفيين؟
بحكم قراءتهم الحَرفيّة للقرآن الكريم، يرى المتطرفون، في التعاليم الصوفية انجرافات وانحرافات وثنية؛ يرى المتطرفون طقوسَ المتصوفين للاقتراب من الله، بما في ذلك عيد المولد، بمثابة “ابتكارات هرطقة” (بِدع)، ويضيف فوزي الصقلي: “ربما تبلورت الكراهية في لحظة تاريخية: وصولُ الوهابية في القرن الثامن عشر، والتي انتهى بها الأمر إلى قراءة حَرفية وحصرية للإسلام، إننا نتحدث عن السلفية والجهادية، ولكن الجذور ليست سوى الوهابية، وقد أدت هذه الحَرْفِية المتفاقمة في النهاية إلى ظهور أيديولوجية “تكفيرية”، أي إنّ كل من ليسوا على هذا الخط يُعدّون خارج الإسلام”.
داعش والسلفية
يتشبّث الجهاديون في داعش بنسخة متطرفة من السلفية، تيار صارم من تيارات الإسلام، يمارس في بعض البلدان، ويرى الصوفيين زنادقة؛ إنهم يتّهمونهم بارتكاب أكبر خطيئة في حقّ الإسلام، وبالشرك، بسبب لجوئهم إلى شفاعة القديسين الذين ماتوا منذ فترة طويلة، ويُدين السلفيون كلّ ما يصفونه “بالبدع”، سيما الطقوس التي يمارسها الصوفيون، والتي، بحسب اعتقادهم، لم يفرضها النبيّ محمد، صلى الله عليه وسلم، بنفسه؛ “هدفنا الأوّل هو الحرب ضد الشرك والردّة، والصوفية، والسحر والعرافة”، هكذا أطلق، في عام 2016، زعيم ديني في المنظمة الإسلاموية.
إنّ عدم أرثوذكسية الصوفية وشعبيتها الكبيرة، في مقابل صعود الجماعات المسلحة الإسلامية المتطرفة التي تهدف إلى “تطهير” وتوحيد الممارسات الدينية، هي السبب في العديد من الاشتباكات في مجتمعنا الحالي.
حرب أيديولوجية
إذا كان الصراع الأيديولوجي يعود لعدة قرون؛ فإنّ الهجمات ضد أتباع الصوفية ورموزها قد ميّزت السنوات الأخيرة بشكل خاص؛ ففي هذا السياق يأسف السيد الصقلي، قائلاً: “كانت الوهابية محدودة نسبياً، لكن اتفاقية كوينسي الموقّعة بين فرانكلين روزفلت والملك ابن سعود، عام 1945، والتي تضمنت حماية المملكة العربية السعودية، سمحت للوهابية بالتوسع، بما في ذلك في إفريقيا التي كانت حتى ذلك الحين قد عرفت إسلاماً مسالماً، من خلال الأخوية الصوفية، في النهاية؛ نجد أنفسنا في نوع من الحرب ضد تراث الإسلام التقليدي نفسه، يقال إنّ المسلمين هم أوّل ضحايا الإرهاب، ولكن ليس فقط في شكل هجمات: إنها حرب أيديولوجية تضرب الدين في قلبه دور السياق المحلي.
رهانات سياسية ضدّ الصوفية
فيما وراء الصراع الديني، ترتبط الهجمات ضدّ الصوفيين بِرهانات سياسية واقتصادية، خاصة بكل بلد، في سيناء، جماعة الطريقة الجريرية، التي استُهدِفت في هجوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 1917، مُعترَف بها من قبل المجلس الصوفي الأعلى المصري، ويوضح ذلك المختص إريك جيفوري، قائلاً: “إنّها (أي مصر) الدولة الوحيدة التي لديها مجلس كهذا، مرتبط بشكل وثيق بالسلطة المصرية؛ لذلك، فباعتدائهم على الصوفيين، فإنهم يعتدُون على السلطة المركزية”.
الصوفية الهدف الأسهل للجهاديين
أما بالنسبة إلى مالي؛ حيث تدخّلت فرنسا عسكرياً، منذ عام 2013، فإنّ الخبراء يفسّرون هدمَ الرموز الصوفية في البلاد على أنّها رغبة في شنّ حرب ضدّ الغرب، فيما يعتمد هذا الأخير (الغرب) على بعض الأخويات المحلية لمحاربة الإسلام الراديكالي. يؤكد جوفروي؛ أنّه “في هذه البلدان، يُنظر إلى الصوفيين في بعض الأحيان على أنّهم عملاء للسلطات الغربية التي جاءت إلى هناك لتدمير الإسلام”.
إنّ تدمير أضرحة وكنوز تمبكتو، التي كانت مملوكة سابقاً للعائلات الكبيرة في المدينة، هو الذي أتاح للجهاديين فرضَ قوّتهم وهيمنتهم، ويقول رولاند مارشال، الباحث في مركز “ساينس بو للدراسات والبحوث الدولية” (CERI): “الصوفية هي الهدف الأسهل، لأنه بمجرد هزيمة الطرق تصبح ممارسة هيمنة الجهاديين أسهل بكثير. في الصومال، على سبيل المثال، عندما يستولي جهاديو حركة الشباب على منطقة ما، فإنهم يدّمرون فيها أماكن العبادة، ويغيّرون طريقة عمل المدارس القرآنية”.
علاقات معقَّدة
وعلى هذا النحو؛ تظلّ الهجمات مرتبطة بقوة بعلاقات القوة المحلية، ويستنتج المؤرخ جان لويس تريود أنّ “كلّ هذا يتوقف على السياق، إذا كانت هناك انتخابات جارية، على سبيل المثال، وهناك أيضاً بُعدٌ اقتصادي: في السنغال، نعلم أنّ طريقة المريدين الصوفية تسعى إلى توسيع قوتها الاقتصادية؛ لذا، فالأمر أكثر تعقيداً من مجرد كونه صراعاً بين الصوفية والسلفية”.
مدني قصري
كاتب ومترجم جزائري
المصدر: lemonde.fr/afrique ، fellows.rfiea.fr