الحبيب الأسود
ما كنت أتمنى للداعية المصري الشيخ خالد الجندي أن يورط نفسه في معركة غير متكافئة مع الراقصة لوسي التي هددته بكشف الكثير من “البلاوي” المتعلقة به.
البداية كانت عندما ظهرت الراقصة في برنامج تلفزيوني على قناة “المشهد” لترى أن “الرقص ليس حراما” ولتؤكد أن الله هو الذي اختار لها تلك الطريق لتمشي فيها، وبالتالي فهي تنفذ إرادته، وأن الإنسان بالنسبة إليها مسيّر وليس مخيّرا، وإذا كان مخلوقا للرقص، فما عليه إلا أن يرقص… وهي لم تفعل غير ذلك.
الشيخ الجندي رد عليها من خلال برنامجه التلفزيوني بالحديث عن راقصة لم يسمّها، قال إنها “تتحدث بالنيابة عن الله” وتقول “الله هو الذي أراد أن أكون راقصة، وبالتالي فهو من اختار لي هذا المجال”.
ومن الطبيعي أن يطيل الداعية الشهير الحديث في الموضوع، مستحضرا مواقف الدين وغوايات الشيطان، وناعتا موقف لوسي بالكارثة، مع الاستناد إلى مقولة “إذا بليتم فاستتروا”، تأكيدا على أن الرقص بلوى، ووسيلة لنشر الفاحشة والفسق.
وفي تعقيبها الذي لم يتأخر، حذرت الراقصة الشيخ الداعية من أنها ستكشف الكثير مما تعرفه عنه، وهي تعرف عنه الكثير، بل إنها “ماسكة عليه بلاوي” لتنتهي المعركة بإسداء الستار على فصل قد لا يكون الأخير من “الراقصة والداعية”.
في أبريل 1990 تم طرح فيلم “الراقصة والسياسي” الذي يعد من أهم الأفلام السينمائية ومن أحد روائع إحسان عبدالقدوس، وسيناريو وحيد حامد، ومن بطولة نبيلة عبيد وصلاح قابيل ومصطفى متولي ورشدي المهدي وإخراج سمير سيف.
يروي الفيلم قصة الراقصة الشهيرة سونيا سليم، التي تشاهد أحد الوزراء وهو يتحدث على شاشة التلفزيون بثقة كبيرة في النفس.
تتذكر خالد مدكور الذي تعرفت عليه منذ 10 سنوات في الملهى الذي كانت ترقص فيه وطلب منها آنذاك إحياء حفل خاص لأحد المسؤولين العرب خلال نزوله ضيفا على القاهرة مقابل 3 آلاف جنيه ثم تستضيفه في فراشها ليلة كاملة لكنه لا يعطيها حقها المالي كاملا ويختفي تماما من حياتها حتى تراه وزيرا فتقرر كشف حقيقته للرأي العام واستغلال مركزه في الحصول على بعض التسهيلات.
تشهد الأحداث إيقاعا تصاعديا من داخل منظومة الأزمة التي يصورها الكاتب، عندما تقرر الراقصة بناء دار للأيتام تعوض بها حرمانها من الزواج والإنجاب، لكن رد الوزير يكون عاصفا وجارحا: “كيف للمجتمع أن يأتمن راقصة تهز جسدها أمام الجمهور على أطفاله؟”، وكان ردها: “أنا أعبر عن نفسي بهزات جسدي وأنت تعبر عن نفسك بهزات لسانك”.
كان ذلك الفيلم وكأنه يسبق عصره في التنبؤ بما حصل لاحقا من فضح ملفات الفساد التي تورط فيها أدعياء الفضيلة والأمانة والوطنية والأخلاق.
ما كان للشيخ الجندي أن يورط نفسه في ذلك الموقف، لاسيما أنه عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ويتحدث في وسائل إعلام حكومية، وكان عليه أن يحترم المصريين والمصريات جميعا، وأن يدرك قبل كل شيء أن الرقص حرفة معترف بها في بلاده، وتجد احتراما كبيرا على مستوى العالم المتحضر، والراقصات يدفعن الضرائب والأداءات للدولة، ويشاركن في الانتخابات، ويتسترن على أسرار الليل وخفاياه.
أما لوسي فلا شك أن الشيخ شاهدها في أعمالها السينمائية وخاصة فيلم “كيد العوالم”، إنتاج 1991، والذي ظهر بعد عام واحد من “الراقصة والسياسي”.
الحبيب الأسود
كاتب تونسي
نقلآ عن صحيفة العرب