قراءة : فضل صالح
السياسي الإعلامي الأستاذ “أحمد حرمل” متعدد المواهب، فهو يتمتع بحس سياسي دقيق لالتقاط أدق القضايا، والعمل على قراءتها، وتفصيلها، وهو المثقف الشامل، وصاحب الفكاهة العفوية، والهادفة، كما أنه يتمع بحب واحترام المجتمع الجنوبي في الضالع، ومختلف المحافظات الجنوبية، وتمتد علاقاته ليحظى بحب واحترام الأشقاء على المستوى اليمني والعربي بشكل عام.
ومما لا يعرفه الكثيرون عن الأستاذ أحمد حرمل بأنه كاتب مبدع يخوض غمار الكتابة بمختلف اتجاهاتها، وقضاياها بكل ثقة،
ومهنية، ومنها الكاتبة الأدبية وبحس مرهف في هذا الاتجاه، ولديه قدرة على التقاط، أدق تفاصيل الحياة، بمختلف نواحيها، السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والعاطفية.
والنص الذي بين أيدينا موضوع القراءة يقدم لنا من خلاله الأستاذ الشاعر “أحمد حرمل” الوضع التي تعيشه الأمة العربية، من أحزان،ومشاكل وصراعات، فمن خلاله يتساءل الشاعر عن السبب الذي أدى بالأمة العربية إلى السقوط في هذه الحالة المزرية، ويستعرض أمثلة من الأماكن العربية التي تعيش هذه الظروف الصعبة، والمعقدة.
هذا النص الإبداعي من شعر حرمل يحمل العديد من الأنساق المضمرة سواء أكانت السياسية، أو الثقافية، أو الاجتماعية التي تتعلق بالصراع العربي ، اليهودي والقضايا السياسية والاجتماعية في العالم العربي، فالنص يعبر عن مشاعر الألم، والحزن التي تعصر فؤاد الشاعر نتيجة للأحداث السياسية، والاجتماعية الصعبة التي يمر بها الوطن العربي أجمع، ولكنه في نفس الوقت يحمّل النص حبه وتعلقه بالثقافة العربية، وتراثها، والرموز العربية والإسلامية.
وكي لا أطيل عليك عزيزي القارئ دعنا نستكشف معا دلالة الأنساق السياسية، والاجتماعية، والثقافية المضمرة في نص “لماذا هكذا صرنا؟” .
١- الأنساق السياسية
ينقل الشاعر من خلال النص القضايا السياسية التي أصبحت تثقل كاهل الشعوب العربية، ومن أهم تلك القضايا النزاع الفلسطيني اليهودي، والقتل والتدمير المستمران من قبل آلة الخرب اليهودية التي أصبحت لا تفرق بين المسن، والمرأة، والطفل، والمقاتل، والقائد، والشاب، فهناك تواطئ غربي على الجرائم التي يرتكبها اليهود ضد الفلسطينين، وصمت مطبق ومخزي من الدول العربية، بل أن الصراع في سوريا واليمن والعراق ولبنان والسودان والصومال وليبيا، يؤلم الشاعر، وكل العرب ويعبر عن الشعور بالألم والصدمة بسبب الحروب والنزاعات التي تجري في هذه البلدان.
ومما حمله النص في هذا الاتجا، قول الشاعر:
– “ظَنَنَّا أنَّكُم مَعَنَا وإنَّ القُدْسَ يَجْمَعُنَا”
وقوله: ” غَزْةُ جُرْحُنَا النَّازِفُ وسُورِيَّا هِيَ الأُخْرَى”
و”وَصَنْعَاءُ لَمْ تَعُدْ صَنْعَاءَ وبَغْدَادُ وَبَعْقُوْبَةُ وَسَامِرْاءُ”
وقوله: “وبيروت عارية”
“بلا ربان أو مرفأ”
الدلالة المضمرة في القول السابق “بيروت عارية” يشير هنا إلى الدمار والتدهور الذي أصاب العاصمة اللبنانية بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية، وهذا السياق يشير إلى أن لبنان بلا رئيس منذ العام 2022م مما يعكس الفراغ السياسي وغياب الحكومة، وبلا مرفأ يشير إلى الانفجار الكبير الذي دمر ميناء بيروت في العام 2020 واسفر عن خسائر مادية وبشرية فادحة.
٢- الأنساق الثقافية
من خلال النص يستخدم الشاعر مجموعة من الرموز الثقافية المألوفة للمتلقي العربي ليشركة في التفاعل مع النص، فيشير الشاعر إلى الرموز الثقافية والدينية الهامة في الثقافة العربية والإسلامية، مثل القدس والأقصى وكنيسة المهد والنيل والدجلة والخيل والصحراء، كل هذه الرموز تحمل معانٍ كبيرة ومعقدة تتعلق بالهوية والتاريخ والدين.
ومما جاء في النص معبرا عن هذه الألم، والحزن الثقافي قول الشاعر:
” وإنَّ التِّيْنَ والزِّيتُونَ لَهَا فِيْ دِينِنَا مَعْنَى”
وقوله: “وإنّ كَنِيسَةَ المهد دَلِيلٌ عَلَى تَلاحُمِنَا”
“وبيروت عارية”
“بلا أخوان رحباني”
“بلا فيروز أو نجوى”
فبيروت العاصمة اللبنانية لا تشكو فقط من من الدمار والتدهور السياسي والاقتصادي، بل والركود الثقافي
“بلا أخوان رحباني
بلا فيروز اونجوى”
يشير إلى غياب الفن والثقافة، والروح اللبنانية الأصيلة التي تجسدت في أعمال الأخوان رحباني، وفيروز، ونجوى كرم، هذا الغياب قد يكون ناتج عن الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية التي تعصف بالبلاد والتي أثرت سلبا على الحياة الثقافية والفنية فيها
٣- الأنساق الاجتماعية
ومن خلال النص نستطيع قراءة الانساق الاجتماعية بكل وضوح، إذ يتناول الشاعر القضايا الاجتماعية مثل الصراع الأخوي والظلم والفقد والحزن، ويظهر الشعور باليأس والحزن نتيجة للصراعات الداخلية والخارجية التي تمزق الأمة العربية.
ويمكن أن نلمح الأنساق الاجتماعية المضمرة التي حملها النص، في قول الشاعر: “صِرَاعُ الإِخْوَةِ الأَعْدَاءِ فِي الخُرْطُومِ فِي كَسْلَا” وقول الشاعر: “تَشْكُو ظُلْمَ ذَوِي القُرْبَى”
ويمكننا أن نقرأ هذه الأنساق المضمرة في النص من خلال الصور التي يتوسل من خلالها الشاعر للثأثير على المتلقي العربي مما يجذب انتباه المتلقي للتفاعل مع النص والاتصال به على مستوى عاطفي، إذ يحس المتلقي بالألم والحزن، والأمل الذي يشعر به الشاعر، وهذا يخلق تواصلا قويا بين النص والمتلقي.
ومن تلك الصور :
استخدام الشاعر لصورة “غزة جرحنا النازف” للتعبير عن الألم والعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، فيتألم معه الشاعر، والمتلقي العربي، لأنه ألم عميق، والمعاناة ما زالت مستمرة.
كما استخدم الشاعر صورة صنعاء للتعبير السلبي والدمار الذي أصاب اليمن *”صنعاء لم تعد صنعاء”*
واستخدم الشاعر صورة “بيروت عارية” ليصور الحالة المزرية التي وصل إليها لبنان بعد الانفجار الكبير الذي أصابها.
ومن خلال صورة
” الأخوة الأعداء” يصور لنا الشاعر الصراعات الداخلية التي باتت تعصف بالأمة العربية، وتشتت شملها، لتدمرها من الداخل.
ويبدع الشاعر في تصوير تمزق الأمة “تمزقت أمتي أشلاء” مما يصور لنا التمزق والتفكك التي وصلت إليه الأمة العربية، بسبب الحروب والصراعات.
كل هذه الأنساق الدلالية المضمرة تعكس مشاعر للشاعر الحزينة، والمتألمة، معبرة عن تالم الشاعر من الوضع الحالي للأمة العربية.
نص “لماذا هكذا صرنا؟” محمل بالألم والحزن واليأس الذي يشعر به الشاعر نتيجة للأحداث السياسية والاجتماعية الصعبة في العالم العربي، ولكنّه في الوقت نفسه يعبر عن الحب والتّعلق بالثقافة والرموز العربية والإسلامية.
ساترككم مع النص ليكون مسك الختام لقراتنا هذه .
لِمَاذا هَكَذَا صِرْنَا؟
أحمد حرمل
ظَنَنَّا أنَّكُم مَعَنَا
وإنَّ القُدْسَ يَجْمَعُنَا
وإنَّ التِّيْنَ والزِّيتُونَ
لَهَا فِيْ دِينِنَا مَعْنَى
وإنّ كَنِيسَةَ المَهْدِ
دَلِيلٌ عَلَى تَلاحُمِنَا
لِمَاذَا هَكَذَا صِرْنَا؟
وَنَحْنُ الأُمَّةُ الوُسْطَى
ونَحْنُ النِّيْلُ والدَّجْلَا
ونَحْنُ الخِيْلُ وَالصَّحْرَاءُ
غَزْةُ جُرْحُنَا النَّازِفُ
وسُورِيَّا هِيَ الأُخْرَى
تَشْكُوا ظُلْمَ ذَوِي القُرْبَى
وَصَنْعَاءُ لَمْ تَعُدْ صَنْعَاءَ
وبَغْدَادُ وَبَعْقُوْبَةُ وَسَامِرْاءُ
حَزِينَةً شَاحِبَةً ثَكْلاءَ
وَبِيْرُوتُ عَارِيَةً
بِلَا رُبَّانٍ أو مَرْفَأ
بِلَا أَخَوَانِ رَحْبَانِي
بِلَا فِيْرُوزَ أَوْ نَجْوَى
صِرَاعُ الإِخْوَةِ الأَعْدَاءِ
فِي الخُرْطُومِ فِي كَسْلَا
فِي الصُّومَالِ فِي لِيْبِيَا
تُمَزِّقُ أُمَّتِي أَشْلَاء
لَقَدْ ضَاعَتْ عُرُوبَتُنَا
بِعَامِ النَّكْبَةِ الكُبْرَى
حَمَاكِ اللهُ يَا قُدْسُ
حَمَاكَ اللهُ يَا أَقْصَى
سَلَاماً قَبَّةَ الصَّخْرَةِ
سَلاماً قِبْلَتِيَ الأُوْلَى
27 مايو 2024 عدن