علي الكرملي
منذ أن تم طرح فيديو الإعلان الرسمي عنه، والجدل حول فيلم “الملحد” لم ينته في مصر، وأصبح مثل كرة الثلج، حتى وصل به الحال إلى محاكم القضاء، بعد دخوله دهاليز الدين، وتجاوزه سلطات الرقابة التي أعطته إجازة العرض، ومع ذلك فإن عرض الفيلم من عدمه هو الموضوع الشائك.
عمليا، كان من المفترض عرض فيلم “الملحد” في 14 آب/ أغسطس الجاري، لكن وقبل موعد العرض تم الإعلان عن تأجيله إلى أواخر هذا الشهر، ثم أُعلن عن تأجيل العرض إلى إشعار آخر، ورغم كل ذلك، فإن منتج الفيلم أكد أن الفيلم لم يمنع عن العرض أبدا.
المنتج أحمد السبكي، نفى ما أُشيع حول منع فيلم “الملحد”، مبيّنا بأن العمل لم يُمنع من العرض نهائيا، وأكد أنه حصل على التصريح الرقابي، وقال في تصريحات صحفية، إن “مصر بلد مستنير، ولم يتدخل أي طرف أو جهة لمنع عرض الفيلم، والتأجيل سببه الانتهاء من بعض أعمال المكساج الخاصة بالصوت”.
تصريحات السبكي كانت قبل أسبوع، وجاءت حينها ردّا على منشور اعتذر فيه مخرج العمل محمد العدل من أصدقائه الذين دعاهم إلى العرض الخاص للفيلم، قبل إعلان التأجيل، وهو ما زاد التكهنات حول منع الفيلم، ومع ذلك، فإن تصريحات السبكي أدهي الأخرى أُجهضت قيمتها عندما جرى تأجيل العرض لإشعار آخر.
الفيلم مُجاز.. والأزهر يدخل على الخط!
مخرج العمل، محمد العدل أكد أن الرقابة أصدرت تصريحا بعرض الفيلم بعد شهور من المشاهدات وتصوير مشهد إضافي، مما زاد الكلفة الإنتاجية على منتج العمل الذي تحمّل تكلفة الدعاية للفيلم ثم إزالتها بعد التأجيل، ونشر صورة الترخيص وإجازة الرقابة، وكشف عن تعليق الرقابة على العمل، والتي ذكرت فيه أن “الفيلم لا يشوّه الدين الإسلامي قط، بل يكشف الحجاب عن بعض الذين يفسّرون الإسلام على أهوائهم”.
وأثار الإعلان الدعائي للفيلم قبل نحو شهر، الجدل الذي اشعل منصات التواصل الاجتماعي في مصر، ما بين من اعتبر العمل يروّج لأفكار تتعارض مع الدين، ويشجّع على الإلحاد، وبين مَن يرى بأنه ينطوي تحت حرية الرأي والتعبير.
في جديد الجدل الدائر، فإن عرض الفيلم تم وقفه لمراجعته من “الأزهر” بعد انتشار دعوات تطالب بوقفه، حيث اتُهم صُنّاعه بـ “الترويج للكفر”، رغم أن منتج الفيلم أحمد السبكي صرّح سابقا، بأنّه عرض قصته على أحد مشايخ الأزهر ولم يتلقَ أي اعتراض،
الآن، يتم انتظار انتهاء الأزهر من مراجعة قصة الفيلم والتأكد من عدم وجود ما يُسيء للعقيدة الإسلامية، وإن كان الأمر كذلك، فإنه من المتوقع أن يُجاز عرض فيلم “الملحد” في الفترة المقبلة، أما إذا ثبت العكس عند الأزهر، فسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، والتي غالبا تتمثل بمنع عرض الفيلم.
“فيلم الملحد” أمام القضاء المصري!
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى القضاء، إذ قضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري، تأجيل نظر دعوى تقدم بها المستشار والمحامي مرتضى منصور، يطالب خلالها بوقف وسحب ترخيص فيلم “الملحد”، إلى تاريخ 24 أيلول/ سبتمبر المقبل لتقديم المستندات.
منصور كان قد أعلن عن اتخاذ إجراءات قضائية ضد فريق عمل فيلم “الملحد”، مشيرا إلى أنه رفع دعوى قضائية ضد أحمد فؤاد وزير الثقافة، ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية خالد عبد الجليل، والكاتب إبراهيم عيسى، والمنتج أحمد السبكي.
وأوضح مرتضى منصور في دعواه، أن شعب مصر فوجئ بالترويج وعرض “تتر” لفيلم سينمائي تمهيدا لطرحه في دور العرض تحت مسمى “الملحد”، تأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي، معتبرا أن “العمل يحمل العديد من الرسائل السلبية لهدم كل القيم في المجتمع”، على حد تعبيره.
من جانب آخر، أقام المحامي هاني سامح دعوى في مجلس الدولة تنظرها الدائرة الأولى للحقوق والحريات برقم 89012 لسنة 78 تطالب بإلغاء القرار السلبي الصادر، بالامتناع عن عرض “الملحد” في دور السينما.
واستند المحامي، إلى أن الفيلم تمت إجازته رقابيا بترخيص الرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية رقم 121 لسنة 2023، تأليف وسيناريو الكاتب إبراهيم عيسى، مطالبا بإلزام وزارة الثقافة بإحالة كل من تعدى على تخصصات “الرقابة على المصنفات” إلى النيابة العامة.
ما يمكن قوله، إن وقف عرض فيلم “الملحد” أثار استياء المثقفين في مصر، إذ اعتبروا أن هذا القرار يعكس غياب الجرأة والأفكار الإبداعية في السينما المصرية، إذ يقتصر الإنتاج على الأفلام التجارية فقط، على حد وصفهم.
لماذا الاعتراض؟
السؤال الأبرز، هو لماذا كل هذا القلق والجدل حول الفيلم؟ والجواب يعود لطبيعة المجتمع المصري بدرجة كبيرة، إذ أن الكثير من أبناء المجتمع المصري هم من المحافظين وينظرون إلى هكذا نوع من الأفلام بأنها إساءة صريحة ومساس للدين، بل ومحاولة لترويج أفكار تحط من قدر الإسلام، ويخشون من أن هذا الفيلم وما على شاكلته قد يتلاعب بأدمغة الناس ويجعلهم يتركون الدين والخالق ويشككون بوجوده، ومن هنا بدأ الجدل.
في طبيعة الحال، وكما هو معروف، فإن السلطات باتت تتأثر كثيرا بما يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي، وتحاول إرضاء المجتمع، وفي ظل ذروة الثورة الرقمية التي تسمح لمن هب ودب بالنشر والنقد والتعليق، فإن العقل الجمعي غالبا ما يسير نحو اتجاه واحد، وهنا فإن الاتجاه السائد بأن الفيلم ضد الله والدين كونهما خط أحمر يمكن جلب تعاطف الناس بشكل كبير عند الترويج بأن الفيلم يسيء للدين والرب، لتتأثر الحكومة وتماطل في منح تذكرة عبور الفيلم وعرضه.
هذا هو الاتجاه السائد مجتمعيا ودينيا أيضا، إذ أن هذا المجتمع المحافظ لا يمكنه الاعتراض، لو لا أن رجالات الدين هي من تقوم بتأجيج الموضوع وبثه في نقاشات السوشيال ميديا أولا، لتجلب أكبر مساحة من الجمهور ترفض فكرة عرض الفيلم، بينما هناك اتجاه آخر يفسره البعض بأنه يقف وراء عدم عرض الفيلم حاليا، فما هو؟
مشكلة هذا الاتجاه تكمن في شخص إبراهيم عيسى، مؤلف الفيلم، وذلك بسبب آرائه التي تخالف ما ثبت في الوعي الجمعي، ناهيك عن مشاركته في إنشاء مركز “تكوين” الذي أشيع أنه مُعدّ لنشر الإلحاد وهدم الثوابت، دون وجود دلائل دامغة على ذلك، ورغم ذلك تعرض المركز وعيسى لسيل من الانتقادات والاتهامات طيلة الأشهر المنصرمة، وجاء تأليف عيسى إلى فيلم “الملحد” بمثابة فرصة لهم ليتخذونه كدليل يأيدون به قولهم بأن المؤلف يحث على الإلحاد وتحريف المجتمع.
في النهاية، لا يمكن توقع السيناريو الأخير بشأن عرض أو منع فيلم “الملحد”، لكن التاريخ يخبرنا بأن هذا الفيلم ليس الأول من نوعه الذي يتناول فكرة الدين والإلحاد في السينما المصرية، إذ سبقته أفلام أخرى وأُجيز عرضها، ومنها فيلمي “الشحات” و”الإخوة الأعداء”، وبالتالي فإن منح الفيلم إجازة العرض من عدمها ستحسم بعد النظر بالدعوى القضائية المقامة ضده وبعد مراجعة الأزهر له، وإن أفتى الأزهر بعرضه فإن الجمهور لن يعترض؛ لأن الرأي عنده هو ما يقوله الأزهر.
المصدر الحل نت