لينا مظلوم
أي عاقل يفكر فى بيع عقله وضميره، فالأجدى له أن يسبق ذلك بالرجوع إلى حقائق التاريخ لاختبار ما يُعرض عليه فى الحاضر. جماعة الإخوان الإرهابية عمدت منذ أسابيع إلى طرح اختبار تعبير «المصالحة وطلب العفو»، مجرد كلمات تضاف إلى مئات الشعارات الجوفاء التى برعوا فى المتاجرة بها وتسويقها بهتاناً وزوراً «اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا»!.. وقد سمع ورأى الشعب ما يكفيه من جرائمهم وإراقتهم للدماء.
«سلميتنا»!.. وهى فعلاً كانت سلمية مدججة بالأسلحة المختلفة فى اعتصامات ميدانى رابعة العدوية والنهضة «نحمل الخير»!.. وقد حملوا الفوضى والخراب ودفع الوطن إلى التقسيم والاستقطاب.
عام 1928 بدا حسن البنا الترويج لفكرة جمعية دعوية بعيدة عن أى نشاط أو صفة سياسية، لكن الأطماع سريعاً ما كشفت عن وجهها القبيح مع اقتحام الجماعة العمل السياسى، وكانت نتيجة إسقاط الشعب عام 1945 لحسن البنا فى انتخابات الدائرة بالإسماعيلية أن جاء الانتقام باغتيال رئيس وزراء مصر آنذاك أحمد ماهر، والتى تلتها سلسلة كبيرة من الاغتيالات السياسية والتفجيرات الإرهابية.
حين بدأت الحكومات المختلفة فى عهد الملكية تفقد السيطرة الأمنية مع تزايد إرهاب جماعة الإخوان، أفاض «البنا» فى إعطاء تعهداته إلى وزراء ومسئولين عن نبذ العنف دون أى دلائل على أرض الواقع لتوقف جرائم الإخوان، إذ تكفى مراجعة سريعة للتاريخ لتؤكد عدم وجود أى واقعة صحيحة على التزام جماعة الإخوان الإرهابية بأى عهد أو ميثاق مع أى طرف أو طبيعة حكم مرت على مصر.
نقلة سريعة من تاريخ الإنشاء إلى عام 2012 تؤكد أن كل ما روجوا له من أكاذيب بعد يناير 2011 هى مجرد مراوغات عن المناصب السياسية التى يسعون للمنافسة عليها، والتى أكدوا أنهم لن يقتربوا منها.
أغلب الظن أن الأزمات الداخلية التى تضرب جماعة الإخوان الإرهابية -ليس فقط بين فرعى تركيا وبريطانيا بل داخل الفرع الواحد – أفقدتها أدنى قدر من تقييم المشهد الشعبى المصرى خصوصاً أن الشعب دائماً يحتل مكانة ثانوية هامشية فى حساباتهم التى تعتبر أعضاء الإخوان هم فقط الفئة المسلمة المميزة.
منطقياً، فإن أى مصالحة تفرض قبول الطرف الآخر، أى القاعدة الشعبية، بينما تلوثت أيدى أعضاء وقادة الجماعة الإرهابية بدماء مئات من الشهداء الأبرياء واستباحت أرواحاً بريئة، سواء من المدنيين أو رجال عرفوا معنى شرف الدفاع عن أرض وشعب مصر من رجال الجيش والشرطة، فكيف يقبل الشعب «الدية» ثمناً لقيم التضحية والشرف وهى أسمى من أى تقييم مادى. كان من البديهى أن يأتى رد الفعل الشعبى على جرائم الإخوان من خلال نفور جميع طوائف الشارع المصرى تجاه كل ما يصدر عن الجماعة التى أصبحت منبوذة.
هل المطلوب أن يتحمل الشعب تكرار ذات الكذبة التى طلع بها مؤسس الجماعة كونها دعوية ليصدق بعد مائة عام عرضهم بالتخلى عن ممارسة أى عمل سياسى ونبذ الإرهاب. الموقف ذاته يسرى على القوى السياسية الفاعلة الآن فى مصر، حتى تلك التى تشكل تياراً معارضاً وطنياً يمارس حقوقه فى العمل السياسى داخل مصر فى إطار الاتفاق العام على صالح الوطن، خصوصاً أن النداءات التى حملتها رسائل نائب القائم بأعمال مرشدهم لم تخل من المراوغة والتلاعب بالألفاظ حتى عند طلب المصالحة، إذ تدور صياغتها حول ممارسة العمل السياسى.. تارة تنفى عزمها عليه وأخرى تصر على التمسك به.
الحقيقة المؤكدة وراء هذه الرسائل المسمومة من جبهة الإخوان المقيمة فى بريطانيا أنها تسعى إلى الثأر من شعب أقصاها عبر العودة التى ستمكّنها من استئناف مخططات كادت تهدد استقرار وأمن مصر بل وصلت خطورتها إلى محاولة دفع البلاد نحو حرب أهلية بهدف تقويض أمن واستقرار مصر التى دفعت ثمناً باهظاً من أرواح الشهداء لتحقيقه.
الرئيس عبدالفتاح السيسى فوّض الأمر والقرار للشعب المصرى فى موضوع المصالحة وقد جاء الرد واضحاً وقاطعاً مع اتخاذ الموقف الشعبى أبلغ مظاهر الرفض والتجاهل والاستنكار وهو دليل آخر على جهل الإخوان بطبيعة الشخصية المصرية الرافضة للتلاعب على وتر صدق مشاعرها الدينية والمؤكد أيضاً عبر التاريخ العريق لهذه الشخصية أنها لم تنزلق إلى تكرار ممارسة الخداع عليها مرتين.
نقلآ عن الوطن