ماريا قبارة
كاتبة سورية
في إحدى الأبرشيات، وُضعت على طاولة صاحب السيادة مطران الأبرشية (…) قضية طلاق مؤلمة، حيث تقدّمت امرأة بطلب الطلاق بعد معاناتها لأعوام من الإساءة الجسدية والنفسية من زوجها. وبدلاً من أن يتعاطف المطران معها ويدعمها في محنتها، قام بسؤالها بسخرية عن عدد المرات التي يسيء إليها زوجها فيها أو يضربها يومياً. وعندما أصرّت على طلبها، قرر إغلاق الملف بشكل نهائي قائلاً: “الملف أُغلق، فأنا المطران، ولا أرى سبباً يستدعي الاستمرار في هذا الطلب. تحملي، فهذا صليبك، وهذا ما أوصى به الله. هي مشيئة آدم على حواء”.
ملف آخر من الأبرشية نفسها
وفي حالة أُخرى داخل الأبرشية نفسها، تقدّمت امرأة بطلب طلاق إلى المطران، بعد اكتشافها أنّ زوجها كان يخونها لأعوام عديدة. وعلى الرغم من وضوح السبب الذي قدّمته المرأة، لم يسهّل المطران عملية الطلاق، بل على العكس، جعلها معقدة ومكلفة. وبدلاً من الاستجابة بسرعة لمطالبها المشروعة، أخذ يطالبها بأدلة تعجيزية تثبت الخيانة، ممّا جعل من الصعب عليها الحصول على حقها في الطلاق.
هذا المطران، هو الذي اختير ليكون ضمن اللجنة المجمعيّة المكلفة بدراسة وتعديل القوانين التمييزية في الأحوال الشخصية، في الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية.
إنّ مثل هذه التحديات، وغيرها من القضايا، هي التي تواجهها النساء المسيحيات في المطرانيات والكنائس التقليدية الأرثوذكسية. وما تزال عدّة كنائس، بما فيها الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية، تحتفظ بقوانين وممارسات تمييزية ضدّ المرأة وحقوقها.
إنّ تشكيل لجنة بطريركية تتألف من مطارنة غير متخصصين في قضايا المرأة والأسرة وحقوق الإنسان، يثير جدلاً واسعاً، وتساؤلات كبيرة حول مدى الجديّة في معالجة هذه القضايا، ومن ثمّ تحقيق العدالة والمساواة داخل الكنيسة.
لجنة من الرجال فقط
يمكن القول إنّ تشكيل لجنة تتألف من الرجال فقط، دون إشراك النساء، يعكس افتقاراً إلى التنوع والشمولية في عملية اتخاذ القرارات. ذلك أنّ هذه اللجنة مكلفة بدراسة القوانين التي تؤثر بشكل مباشر على حياة النساء. ومع ذلك، فإنّ غياب التمثيل النسائي فيها يعني بالضرورة أنّ التوصيات الصادرة عنها ستكون غير متوازنة وغير عادلة، حيث إنّها تعكس وجهة نظر واحدة فقط، وهي الرؤية الذكورية. وهذا النهج يعيق عملية الإصلاح وتطوير القوانين، ويظهر كذلك عدم احترام كرامة الإنسان، ويوضح عدم التزام الكنيسة بالمساواة بين جميع أبنائها وبناتها.
أدعوكم، صاحب الغبطة، إلى إعادة النظر في تشكيل هذه اللجنة، من خلال الخطوات التالية:
• تعيين النساء كجزء من عملية اتخاذ القرار؛ لضمان أن تكون وجهات نظر النساء وخبراتهن حاضرة في المناقشات والتوصيات، ممّا يعزز من توازن القرارات ويعكس التنوع في الرؤية داخل الكنيسة.
• دعوة متخصصين ومتخصصات في مجالات متعددة؛ ذلك أنّه من المهم إشراك خبراء وخبيرات في القانون، وحقوق الإنسان، وعلم الاجتماع، واللّاهوت، الذين لديهم خبرة واسعة في قضايا التنوع الاجتماعي والمساواة، للمساهمة بخبراتهم ومعرفتهم في هذه الدراسة؛ ممّا يسهم في الوصول إلى قرارات عادلة وشاملة تعكس قيم الكنيسة وتعاليمها القائمة على احترام كرامة الإنسان.
يجب أن تكون كنيستنا، بصفتها مؤسسة روحية، مثالاً يُحتذى في تعزيز العدالة والمساواة. لذا، فإنّ إعادة النظر في تشكيل هذه اللجنة، واعتماد نهج أكثر شمولاً وتخصّصاً، يمكن أن يسهم في تحقيق التغيير المنشود، وضمان تحقيق العدالة، كما علّمنا يسوع المسيح له المجد.
نقلآ حفريات