البراق شادي عبدالسلام
تَصَلُّف زعيم ميليشيا أنصارالله الحوثية على المملكة المغربية واختياراتها الإستراتيجية لا يمكن فصله عن المخطط الإقليمي التوسعي الإيراني، خاصة في ظل الوضع الجيوسياسي والعسكري الحرج الذي تعيشه إيران وأدواتها الإقليمية في الشرق الأوسط نتيجة الهزائم العسكرية القاسية التي تتكبدها في مختلف المسارح الإقليمية، وبشكل خاص بعد وصول الدبابات الإسرائيلية إلى محور فيلادلفيا في غزة وبدء عملية عسكرية موسعة في الضفة الغربية وقصف المقاتلات الإسرائيلية ميناء الحديدة وقنص المسيّرات الإسرائيلية لأهم قيادات الصف الأول في حزب الله في لبنان، وكذلك الاغتيال الغامض لإسماعيل هنية رجل إيران في حماس الخارج في العمق الاستخباراتي الإيراني بأحد المنازل الآمنة التابعة للحرس الثوري في قلب طهران، حيث بات الطرف الإسرائيلي يفرض شروطه السياسية والعسكرية على حركة حماس التي باتت تستجدي بعض الدول الإقليمية وقف إطلاق النار لإنهاء هذه الحرب التي أدى ثمنها الباهظ المدنيون الأبرياء في فظائع إنسانية أدمت قلوب العالم.
والواضح أن تصريحات زعيم ميليشيا أنصارالله عبدالملك الحوثي المسيئة للمملكة المغربية هي تدخل سافر في اختيارات الدولة المغربية الإستراتيجية، وتجرؤه على مؤسساتها الإستراتيجية يندرج في سعي إيران لتنفيذ أجنداتها العابرة للشعوب العربية والإسلامية باستخدام أدواتها الوظيفية من الجماعات والميليشيات المسلحة في العراق واليمن وفلسطين وسوريا ولبنان لتمرير رسائلها ومواقفها عن طريق استغلال الارتباط الوجداني للشعب المغربي بالقضية الفلسطينية وحالة التعاطف الإنساني مع المدنيين ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع، حيث أن ذات التصريحات المسيئة للمغرب يمكن إدراجها في إطار المهام القذرة التي تنفذها الميليشيات العميلة للنظام الإيراني إقليمياً ودولياً من أجل فرض أجندة الحرب الإيرانية، حيث لا تتوانى هذه التنظيمات عن اتخاذ خطوات عدائية ضد كل الأنظمة التي تتعارض سياساتها الوطنية والإقليمية مع الأجندة الإيرانية في العالم.
فهذه التصريحات غير المسؤولة يمكن اعتبارها تصعيداً إيرانياً جديداً ضد المملكة المغربية ومحاولة يائسة للتشويش على الأدوار الطلائعية التي تقوم بها المملكة في نصرة القضايا العادلة في الملف الفلسطيني من منظور واقعي بعيداً عن المواقف الشعبوية للنظام الإيراني وأدواته المسلحة في المنطقة التي حوّلت الدم الفلسطيني المسفوك في غزة إلى وقود لتحريك صواريخها ومسيّراتها خدمة لمخططات الحرس الثوري الإيراني وطموحاته الصفوية، وبشكل خاص بعد الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 25 لعيد العرش حيث طرح العاهل المغربي بكل المسؤولية المعهودة في الرئيس الدائم للجنة القدس والتي تعكس التزام المملكة المغربية بالدفاع عن القضايا العادلة في الملف الفلسطيني خارطة طريق من ثلاثة محاور تبدأ بمحاصرة الأزمة وإسكات البنادق وإطلاق حوار سياسي ينتهي باتفاق سلام دائم في منطقة تعج بالمخاطر ويشكل تصاعد مسببات الصراع فيها تحولها إلى برميل بارود قد يحرق الأخضر واليابس.
تصريحات زعيم ميليشيا الحوثي هي أيضاً جزء من السياسة الدعائية التي تنتهجها الميليشيا إقليمياً في محاولة لفرض وجودها كلاعب أساسي في التوازنات الأمنية والسياسية في المنطقة بعيداً عن حقيقتها كـ”بندقية إقليمية مأجورة” فاقدة لاستقلالية قرارها الوطني، تستخدم من طرف حكام طهران لتدعيم الموقف الإيراني في بحثه عن تسوية إقليمية على مقاسات الطموحات النووية لطهران في أيّ مفاوضات مقبلة مع الغرب.
فالمؤكد أن عبدالملك الحوثي هو صناعة إيرانية صرفة وقيادته لميليشيا الحوثي في سن الثامنة عشرة كانت بدعم إيراني كبير عبر ضباط ارتباط من حزب الله نظموا انقلاباً ناعماً داخل الميليشيا بعد مقتل مؤسس الجناح العسكري للميليشيا حسين بدرالدين الحوثي، حيث تم إقصاء كل من عبدالله الرزامي ويوسف المداني (حالياً يتولى قيادة المنطقة العسكرية الخامسة) اللذين كانا في قيادة الحرب الثانية في مايو 2005. كما أن المعاون الجهادي لعبدالملك الحوثي والذي يعتبر القائد الأعلى للعمليات الخاصة في اليمن، ويعدّ المدير التنفيذي لمكتب التنسيق بين محور المقاومة – الحرس الثوري الإيراني وجماعة الحوثي (عملياً هو القائد العام لمنطقة العمليات) والمعاون العسكري حسب تقارير تؤكد أنه العميد عبدالرضا شهلائي قائد فرقة اليمن من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، حيث يمتلك صلاحيات واسعة في التخطيط الإستراتيجي والتنفيذ العملياتي ويتولى الإشراف على تعزيز القدرات القتالية والاستخباراتية للميليشيا واستقدام الخبراء الإيرانيين وتطوير البنية التشغيلية والهيكلية للميليشيا بتنسيق مع الجنرال محمود باقري كاظم آباد قائد وحدة صواريخ “غدير” في القوة الجوفضائية للحرس الثوري الإيراني والذي قام بإرسال صواريخ للحوثيين، والعميد محمد آقا جعفري وهو عضو بارز في وحدة صواريخ “غدير” في الحرس الثوري الإيراني، والعميد جواد بُردبار شيرامين من قادة القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني، ومهدي آذر بيشه عضو فيلق القدس، ومحمد علي حداد نجاد تهراني عضو منظمة “جهاد الأبحاث والاكتفاء الذاتي” في الحرس الثوري الإيراني.
المعاون الجهادي لعبدالملك الحوثي له نائب ينتمي لحزب الله اللبناني الملقب بـ”أبوزينب” يشتغل كضابط ارتباط بين جماعة الحوثي وميليشيا حزب الله، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الضباط المنتمين لحزب الله والحرس الثوري الإيراني، وبشكل خاص أعضاء من فرقة اليمن في الحرس الثوري يشاركون بانتظام في اجتماعات المجلس الجهادي الذي يرأسه الحوثي والذي يعمل كمركز للقيادة حيث يعتبر النواة الصلبة لجماعة الحوثي، حيث يتم وضع الخطط الإستراتيجية للتوسع والسيطرة وتحديد أولويات المسارات الأخرى (الجانب المدني والحكومي)، حيث أن المعاون الجهادي يمتلك حق الفيتو في كل القرارات التي يتخذها المجلس الجهادي وأعضاؤه التسعة بما في ذلك مراجعة وتصحيح الخطابات المتلفزة لعبدالملك الحوثي الموجهة إلى أنصاره، كما أنه على تواصل دائم من خلال غرفة عمليات منفصلة مع سفن التجسس والمراقبة الإيرانية المرابطة في مضيق باب المندب كسفينة سيفار وسفينة بهشاد قبل سحبهما إلى المياه الإقليمية الإيرانية من طرف العميد علي رضا تنكسيري قائد القوة البحرية للحرس الثوري.
كما أن إيران، في خطوة تصعيدية لها دلالات بالغة الأهمية في صيرورة الصراع وتصاعد الهجمات الحوثية في مضيق باب المندب أو عبر المسيّرات لاستهداف العمق الإسرائيلي، قامت بتعيين مندوب لها في صنعاء هو علي محمد رمضاني، أحد الدبلوماسيين المخضرمين في وزارة الخارجية الإيرانية وعضو سابق في الحرس الثوري وأحد تلامذة كل من حميد رضا دهقاني بوده، رئيس الدائرة الأولى للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الإيرانية، ومحمد حسن شيخول الإسلامي، رئيس مركز الدراسات السياسية والدولية في وزارة الخارجية الإيرانية. رمضاني الذي تم تعيينه خلفًا للجنرال حسن إيرلو الذي توفي سنة 2021 وتم سحبه لإيران عبر السعودية نتيجة وساطات إقليمية، وكان أحد كبار قادة الحرب الحوثية في اليمن، من المؤكد أنه لن يحيد عن نهج سابقه ليكون ضابط ارتباط دبلوماسي بين الحوثي وكفيله الإيراني.
ميليشيا الحوثي، وبأوامر مباشرة وتحت إشراف عبدالملك الحوثي، ترتكب في المناطق الخاضعة لسيطرتها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على شكل إعدامات ميدانية واختطافات وعمليات قرصنة واحتجاز قسري لمئات الآلاف من اليمنيين خارج أيّ مراقبة للمنظومة الأممية لحقوق الإنسان. حيث أن الفريق الحقوقي اليمني خلال اللقاء المنعقد بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان بمدينة جنيف على هامش الدورة الـ53 لمجلس حقوق الإنسان أكد أن منظمات المجتمع المدني اليمنية رصدت ووثقت تجنيد نحو 238 طفلاً بعد الاتفاقيات التي وقّعتها ميليشيات الحوثي مع الأمم المتحدة سنة 2018. كما أن الفريق الحقوقي اليمني أكد أن ما تقوم به الميليشيات الحوثية من زراعة الألغام والعبوات المفخخة بشكل ألعاب يصعب التعرف عليها وبأشكال أحجار وتشكيلات مموهة ليكون معظم ضحاياها من الأطفال.
الأكيد أن الشعب اليمني الذي يعاني جراء هذه الممارسات الخطيرة هو الضحية الحقيقي في هذه الأزمة، حيث تحوّل الشعب اليمني الأصيل إلى رهينة في يد ميليشيا إرهابية يشكل وجودها في أحد أهم خطوط التماس الجيوسياسي العالمي خطرًا على الأمن الإقليمي والعالمي.
في نفس السياق، المملكة المغربية ظلت على مواقفها المبدئية الدائمة في دعم الشرعية اليمنية وجهود الأمم المتحدة باليمن من أجل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة من خلال الضغط على ميليشيا الحوثي لوقف انتهاكات حقوق الإنسان وحماية المدنيين والتوصل إلى حل سياسي تفاوضي شامل ودائم للأزمة اليمنية يكون أحد المفاتيح الإقليمية لضمان استقرار المنطقة ككل ويبعد عنها شبح الحرب الشاملة. ومن هذا المنطلق، المملكة المغربية دولة ذات سيادة ومواقف مستقلة مرتبطة بالمصالح العليا للشعب المغربي ومتطلبات الأمن القومي المغربي لا تقبل بأيّ حال من الأحوال الإملاءات الخارجية من أيّ طرف كان. بل إن المملكة المغربية كانت ولا زالت في طليعة الدول العربية والإسلامية التي سارعت إلى شجب وإدانة العدوان الإسرائيلي على مدنيي غزة وتقديم المساعدات الطبية والإنسانية عبر طريق بري غير مسبوق إلى داخل القطاع المحاصر، ولا تحتاج إلى دروس من زعيم ميليشيا ومجرم حرب يمارس حكم اليمن بمنطق عصاباتي ويترجم كل أشكال التبعية والعمالة ويجسد كل معاني الخيانة بالتنازل عن مفهوم السيادة والاستقلالية عن الشعب اليمني الحر الأصيل العريق خدمة للمشروع الإقليمي الإيراني.
وهنا نستحضر موقف المرجع الزيدي اليمني محمد عبدالعظيم الحوثي ابن عم عبدالملك الحوثي من عبدالملك الحوثي وأتباعه في جماعة أنصار الله قائلاً “إنهم ظلمة مشاركون في ظلمه في أيّ دم أراقوه، أو مال انتهبوه، أو عرض انتهكوه، وأتباعهم شركاء في كل ذلك. ونرى أنهم فساق وبغاة ومجرمون، يعتدون على دين الإسلام، استباحوا دماءنا، وقتلوا رجالنا، ودمروا مساجدنا، وأهانوا مذهبنا، وكفّروا عقيدتنا”. فهو الآخر لم يسلم من بطش عبدالملك الحوثي وجماعته، بل تم إعدام نحو 30 شخصاً من أنصار وأتباع محمد عبدالعظيم الحوثي بينهم أطفال ونساء نتيجة القصف المدفعي العشوائي الذي شنته ميليشيات عبدالملك الحوثي على قرى منطقة آل حميدان وآل القمادي في مديرية مجز بمحافظة صعدة. كما أقدمت الميليشيا بإشراف مباشر من عبدالملك على تفجير مسجد ومدرسة و13 منزلاً تدّعي أنها كانت مخازن سلاح لأتباع عبدالعظيم.
نقلآ عن العرب اللندنية