كريتر نت – متابعات
أمريكا سعت مؤخرا للترويج لتقاربها مع الشركاء الآسيويين باعتباره نجاحا في تعزيز الروابط الأمنية مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
لكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تخسر جنوب شرق آسيا لصالح الصين، وفقا لمجلة فورين أفيرز الأمريكية.
ففي كل عام، يقوم معهد «إزياس- يوسف إسحق» البحثي، الممول من قبل الحكومة السنغافورية، باستطلاع آراء ما بين 1000 و2000 مشارك من الأوساط الأكاديمية ومراكز البحوث والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
كما تضم الشريحة المستهدفة المنظمات غير الربحية ووسائل الإعلام والحكومة والمنظمات الإقليمية والدولية من الدول العشر في رابطة دول جنوب شرق آسيا حول قضايا مختلفة بشكل دقيق.
وفي استطلاع هذا العام، اختارت غالبية من شملهم الصين على الولايات المتحدة عندما تم سؤالهم عمن يجب أن تتحالف معه رابطة دول جنوب شرق آسيا إذا أجبروا على الاختيار بين الاثنين.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يختار فيها المستجوبون الصين منذ أن بدأ الاستطلاع في طرح هذا السؤال العام 2020.
أمريكا تخسر
تقول “فورين أفيرز” إن هذا التراجع في شعبيتها داخل دول جنوب شرق آسيا ينبغي أن يدق ناقوس الخطر في واشنطن التي ترى في الصين منافسها الرئيسي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ ساحة معركة حاسمة.
لكن أهداف الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا، التي تضم حليفين لواشنطن (الفلبين وتايلاند) والعديد من الشركاء، تواجه معوقات أبرزها خسارة الأرض لصالح الصين، وهو ما يضعف قدرة أمريكا على المشاركة على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف لتحقيق تأثير استراتيجي.
وكان أداء واشنطن مع معظم بلدان جنوب شرق آسيا الأخرى، أكثر سوءا.
وفي استطلاعه لعام 2020 – وهو العام الأول الذي سأل فيه معهد «إزياس» المشاركين: “إذا أُجبرت رابطة دول جنوب شرق آسيا على التحالف مع أحد المنافسين الاستراتيجيين، فماذا يجب أن تختار؟”، اختار 50.2٪ الولايات المتحدة، مقارنة بـ 49.8٪ اختاروا الصين.
وفي عام 2023، اختار 61٪ من المشاركين الولايات المتحدة مقارنة بـ 39٪ اختاروا الصين، على الرغم من أن أداء واشنطن كان أقل من المتوسط الإجمالي في بروناي وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وتايلاند.
بيد أنه في استطلاع عام 2024، تفوقت الصين على الولايات المتحدة كاختيار المنطقة لشريك التحالف: اختار 50.5٪ من المشاركين الصين، واختار 49.5٪ الولايات المتحدة.
ويظهر تحليل نتائج هذا العام حسب البلد أنه منذ استطلاع عام 2023، خسرت أمريكا أكبر قدر من الأرض لصالح الصين في لاوس (انخفاض بنسبة 30 نقطة مئوية)، وماليزيا (انخفاض بنسبة 20 نقطة مئوية)، وإندونيسيا (انخفاض بنسبة 20 نقطة مئوية).
وأيضا في كمبوديا (انخفاض بنسبة 18 نقطة مئوية)، وبروناي (انخفاض بنسبة 15 نقطة مئوية). كما خسرت الولايات المتحدة أيضاً شعبيتها في ميانمار وتايلاند (انخفاض بنسبة 10 و9 نقاط مئوية على التوالي).
لماذا؟
بحسب فورين أفيرز، فقد فقدت أمريكا شعبيتها بشكل كبير في البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
وكشف استطلاع عام 2024 عن رفض حاد في المشاعر مقارنة بعام 2023، إذ قال 75٪ من الماليزيين و73٪ من الإندونيسيين و70٪ من المستجوبين في بروناي إنهم يفضلون التحالف مع الصين على الولايات المتحدة، مقارنة بـ 55٪ و54٪ و55٪ في عام 2023 على التوالي.
ولم يسأل الاستطلاع المستجوبين عن سبب اختيارهم لهذا الخيار، ولكن من الواضح أنه عندما طلب سؤال مختلف اختيار أكبر ثلاثة مخاوف جيوسياسية، صنف ما يقرب من نصفهم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في المقدمة، متجاوزين 40٪ الذين صنفوا النزاع الأقرب جغرافياً في بحر الصين الجنوبي بالمرتبة الأعلى.
ومن المرجح أن يكون الدعم القوي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل قد رجح كفة الميزان لصالح الصين.
فقد صنف الذين شملهم الاستطلاع في البلدان الثلاثة ذات الأغلبية المسلمة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني باعتباره مصدر قلقهم الجيوسياسي الأول.
وأيد هذا الخيار 83% من الماليزيين، و79% من بروناي، و75% من الإندونيسيين. كما صنفت سنغافورة، التي تضم أقلية كبيرة من المسلمين الملايو (15% من سكانها)، السبب نفسه باعتباره مصدر قلقها الأول، حيث اختار هذا الخيار 58% من المستجيبين.
الإهمال الجسيم
تقول فورين أفيرز إن نتائج الاستطلاع هذه تتفق مع محادثات أجرتها في المنطقة، فقد كان الدبلوماسيون الإندونيسيون أكثر انتقادا لموقف الولايات المتحدة من الحرب في غزة.
وأعلن دبلوماسي ماليزي رفيع المستوى ببساطة: “سنختار الصين بسبب غزة”.
وفي محادثة منفصلة، أوضح مسؤول ماليزي رفيع المستوى أنه على الرغم من أن ماليزيا اتبعت منذ فترة طويلة سياسة خارجية غير منحازة وكانت منتقدة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فإن شدة الغضب تجاه إسرائيل والولايات المتحدة قد تزايدت بشكل كبير.
ويقاطع العديد من الماليزيين الآن الأطعمة والعلامات التجارية الاستهلاكية الأمريكية بسبب دعم إسرائيل، وعلى النقيض من ذلك، يُنظَر إلى الصين في ضوء إيجابي متزايد.
الصين نموذجا
قال أحد الدبلوماسيين رفيعي المستوى من المنطقة إن “الصين تعد نموذجا لكيفية كسب القلوب والعقول”، لأن النفوذ الصيني انتشر وحده في حياة الناس اليومية في تلك المنطقة.
وتحدث لاوس بشكل إيجابي عن الدعم الذي تلقته الشركات المحلية من الصين منذ أبريل/نيسان 2023، عندما تم افتتاح خط سكة حديد تابع لمبادرة الحزام والطريق يمر عبر المدينة ويربط لاوس بالصين بالكامل.
وتشير المجلة إلى أن الخسارة التي شهدتها الولايات المتحدة في المنطقة تضر أيضاً بمكانتها في أماكن أخرى، سواء في حشد الدعم روسيا في حربها مع لأوكرانيا أو لسياساتها في الشرق الأوسط.
والواقع أن نداءات واشنطن من أجل استجابة عالمية أقوى ضد روسيا لقيت في الأغلب آذان صماء في جنوب شرق آسيا، وفي الوقت نفسه، يكرر كثيرون في جنوب شرق آسيا وجهات النظر الروسية أو الصينية التي تتحدث عن الحرب.
وخلصت أيضاً إلى أن التصورات بأن أمريكا تتبنى معايير مزدوجة في سياستها الخارجية ــ وأهدافها الذاتية عندما يتعلق الأمر بالصين ــ قوضت قدرتها على حشد المزيد من الدعم.
وعندما ينظر العديد من سكان جنوب شرق آسيا إلى الولايات المتحدة الآن، فإنهم يرون دولة تعاني من خلل وظيفي في الداخل وتدفع بأجندة أنانية مفضوحة في الخارج.