كريتر نت – متابعات
قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن القيادية اليهودية لوني كلاينمان (33 عاما) وقفت مع أكثر من 300 متظاهر للدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، وهي تلفّ شال صلاة حول عنقها، وترتدي قميصا يحمل رسالة تقول “اليهود يطلبون وقف إطلاق النار الآن”.
وذكرت الصحيفة -في تقرير بقلم كيت براون وماهام جافيد- أن الناشطين الذين احتلوا جزءا من مجمع الكابيتول وقفوا يتلون أجزاء من التوراة ويرددون الصلوات من أجل السلام يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول، وهتفوا “فلسطين حرة”، ولكن شرطة الكابيتول اعتقلت كلاينمان بعد الظهر مع نحو 300 عضو آخرين من منظمة “صوت اليهود من أجل السلام”، وهي مجموعة مؤيدة للفلسطينيين تدعم منذ مدة طويلة دعوات مقاطعة إسرائيل.
وأظهرت مقاطع الفيديو أن الناشطين اقتيدوا في صفوف وقد كبّلت أيديهم، وصودرت هواتفهم المحمولة، فجمعت المنظمة الأموال لدفع رسوم الاستدعاء، ورأى منظمو المجموعة أن الاحتجاج ناجح، أما كلاينمان فسرعان ما أصبحت التكلفة الشخصية لنشاطها السياسي باهظة.
طرد من العمل
لقد طردت منظمة يهودية غير ربحية القيادية المقيمة في فيلادلفيا من العمل بعد أن رفضت قطع العلاقات مع منظمة “صوت اليهود من أجل السلام” التي تصف احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بأنه “فصل عنصري”، وترى أن السياسة الإسرائيلية كان لها دور في إثارة هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، حسب الصحيفة.
حتى زيارة مسقط رأسها -كما تقول الصحيفة- أصبحت صعبة لكلاينمان التي قالت إن والدها توقف عن التحدث معها بضعة أشهر بعد انتشار مقاطع فيديو الاعتقال بالكابيتول، كما اتهمها هي والمحتجين الآخرين المؤيدين للفلسطينيين صديق طفولتها -في منشور على إنستغرام- بأنهم “لم يعد لديهم أي تعاطف” مع عائلتهم اليهودية.
ولكن كلينمان ليست الناشطة الوحيدة التي ترى عالمها ممزقا بسبب مواقفها السياسية وردود الفعل التي تسببت فيها، إذ أدت الحرب في غزة التي قتل فيها أكثر من 40 ألف فلسطيني، والتي دمرت جزءًا كبيرا من القطاع المكتظ بالسكان، إلى انقسام حاد بين اليهود الأميركيين.
ظهرت الخلافات حول الحرب -حسب الصحيفة- في أماكن العمل والمعابد اليهودية، وفي جميع أنحاء الحرم الجامعي، حتى إنها أدت إلى تفاقم العلاقات بين أفراد الأسرة والأصدقاء. وقد أفاد نحو 50% من اليهود تحت سن 35 عاما بأنهم “قطعوا العلاقات” مع شخص ما بسبب شيء قالوه عن الحرب، وفقا لمسح أجراه مركز “بيو” للأبحاث.
وقالت كلاينمان إن آراءها تتشكل من خلال إيمانها، ومن خلال قناعتها بأنها تتحمل مسؤولية التحدث علنا عما تراه معاناة لا يمكن تبريرها أخلاقيا للشعب الفلسطيني، وإن أميركا متواطئة باعتبارها الحليف الرئيسي لإسرائيل ومورّد الأسلحة إليها، وقالت “إن الضرر الأخلاقي الناجم عن الصمت سيكون أكثر مما يمكن تحمله”.
مأزق أخلاقي
ورأت الصحيفة أن كلاينمان وقادة اليهود الآخرين الذين يحتجون على الحرب يواجهون تحدّيا خاصا لأن مجتمعاتهم تحاول التوفيق بين أهوال هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والقصف الإسرائيلي المستمر الذي ترك أكثر من نصف سكان القطاع مشردين ومعرضين لخطر المجاعة والأمراض.
وقد صرح العديد من الحاخامات -لصحيفة واشنطن بوست- بأنهم واجهوا صعوبة في كيفية التحدث بما يكفي لاحتواء وجهات النظر الواسعة النطاق لأفراد جماعتهم، مع الحفاظ على معتقداتهم الشخصية في الوقت نفسه. وقد دعا بعضهم إلى وقف إطلاق النار مع بقائهم في مناصب قيادية في معابدهم اليهودية.
ومن بين اليهود الأميركيين وقادتهم المؤسسيين، هناك طيف واسع من الآراء حول رد إسرائيل على هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بين من يعبّرون عن دعمهم الكامل لحملتها العسكرية، ومن يدعمون حق إسرائيل في الأمن ولكنهم يتهمون الزعماء السياسيين بإطالة أمد الحرب.
وقالت جيل جاكوبس، الرئيسة التنفيذية لمنظمة “ترواه: الدعوة الحاخامية لحقوق الإنسان”، وهي منظمة غير ربحية تدعم حل الدولتين، “إن التمسك بإنسانية الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني تشبه المشي على حبل مشدود من الناحية الأخلاقية. إن الحرب لا توفر الأمان بل تتسبب في دمار لا يصدق في غزة ولا تعيد الرهائن إلى ديارهم”.
وقالت كلاينمان “إن الأمر غير متكافئ تماما، فلديك جيش على جانب ومدنيون على الجانب الآخر”، معتبرة قتل المدنيين وتدمير مدارس غزة ومستشفياتها ومكتباتها ومساجدها دليلا على المحو، “فلا يمكن أن نطلق على هذا حربا؛ إنه إبادة جماعية للشعب الفلسطيني”.
وعلى الرغم من ردود الفعل العنيفة التي واجهتها كلاينمان، فقد واصلت المشاركة في التجمعات المؤيدة للفلسطينيين في هاريسبرغ بولاية بنسلفانيا وأوستن ونيويورك، حيث اعتقلت للمرة الثانية، وفي يونيو/حزيران عادت إلى الكابيتول هيل لحث زعماء الكونغرس على وقف توريد الأسلحة للجيش الإسرائيلي، ولكن دون نجاح يذكر.
“تحطَّم عالمي”
نشأت كلاينمان في مجتمع يهودي محافظ في توسون وكانت تعتز بلحظات مثل إضاءة شموع السبت مع جوان، جدتها الناجية من الهولوكوست، وكانت تتساءل عن جوانب من إيمانها اليهودي، وقالت إن الإناث برتبة حاخام نادرات في مسقط رأسها.
وقبل الالتحاق بكلية لويس وكلارك عام 2010، أخذت كلاينمان سنة فاصلة في إسرائيل، وفي الضفة الغربية التقت بفلسطينيين وعلمت أن مئات الآلاف من شعبهم فرّوا أو أجبروا على ترك منازلهم قبل حرب عام 1948 التي أدت إلى إنشاء إسرائيل، والتي وصفها مدرّسوها بأنها “حرب الاستقلال”، وعلمت أن الفلسطينيين يسمونها النكبة.
قالت كلاينمان “عندما نشأنا علمونا أن إسرائيل هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. ولكنني عندما استمعت إلى فلسطينيين يصفون تجارب عائلاتهم مع الاحتلال العسكري والتشريد، تحطَّم عالمي”.
وفي وقت مبكر من دراستها الحاخامية، توصلت كلاينمان إلى تحديد هويتها باعتبارها “معادية للصهيونية”، وهو المصطلح الذي رأت أنه يرفض فكرة “التفوق اليهودي” في ما يعرف الآن بإسرائيل. وتوضح “لكن كما تعلم، يرى بعض اليهود أن معاداة الصهيونية هي رفض لإسرائيل بصفتها أمة يهودية”.