كريتر نت / متابعات
خلال السنوات التي تلت نجاح ثورة ماو تسي تونغ (Mao Zedong) الشيوعية سنة 1949، شهدت العلاقات الأميركية الصينية تدهورا غير مسبوق، حيث اتجهت الولايات المتحدة الأميركية لإعلان القطيعة التامة مع جمهورية الصين الشعبية.
وعلى الصعيد السياسي، رفضت السلطات الأميركية الاعتراف بسلطة ماو تسي تونغ، وفضلت الاعتراف بالكومينتانغ (Kuomintang)، الحزب القومي الصيني المعارض للتيار الشيوعي والذي لجأ لجزيرة تايوان، كممثل رسمي لكامل الشعب الصيني.
اقتصاديا، ضغطت الولايات المتحدة الأميركية على نظام ماو تسي تونغ عن طريق فرض حظر تجاري على جمهورية الصين الشعبية.
استمرت القطيعة بين الدولتين لأكثر من 20 عاما التقى خلالها هذان العملاقان أثناء الحرب الكورية التي خلفت ملايين الضحايا، لكن بحلول سنة 1971، تغيرت قواعد اللعبة السياسية بين الطرفين حيث اتجهت كل من الصين والولايات المتحدة الأميركية لفتح صفحة جديدة من العلاقات. فأثناء السنوات السابقة، تدهورت العلاقة الصينية السوفيتية بشكل واضح حيث تواجه الطرفان مرات عديدة ضمن نزاعات حدودية دامية وهو الأمر الذي دفع بجمهورية الصين الشعبية للبحث عن حليف جديد لمجابهة الاتحاد السوفيتي.
فضلا عن ذلك، اتجهت إدارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (Richard Nixon) لفتح صفحة جديدة مع الصين خاصة مع تأكيد الأخير على ضرورة دمج جمهورية الصين الشعبية في المجتمع الدولي وإنهاء سياسة الإقصاء.
ولهذه الأسباب، بدأت كل من الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين الشعبية بإجراء مفاوضات سرية وغير معلنة لإنهاء الخلاف وقد استمرت هذه المفاوضات أشهرا قبل أن يشهد العالم حادثة فريدة من نوعها نتجت عنها نقلة تامة في مجال العلاقات الأميركية الصينية.
خلال بطولة العالم لكرة الطاولة، المسماة أيضا بالبينك بونك، المقامة بمدينة ناغويا اليابانية سنة 1971، تأخر اللاعب الأميركي جلين كوان (Glenn Cowan) عن حافلة منتخب بلاده التي انطلقت من دونه، فما كان منه إلا أن صعد على متن حافلة ثانية كانت تقل لاعبي المنتخب الصيني ذوي القمصان الحمراء.
وبينما نظر الجميع بعين الريبة لجلين كوان ذي الشعر الطويل والمنتمي لمجموعة الهيبي (hippie)، تقدّم اللاعب الصيني تشوانغ تسي تونغ (Zhuang Zedong) بشجاعة من نظيره الأميركي ليصافحه ويحاوره عن طريق أحد المترجمين بالحافلة قبل أن يمنحه هدية بسيطة كانت عبارة عن صورة لجبال هوانغشان الصينية.
أثناء اليوم التالي، حاول جلين كوان تقديم هدية لصديقه الصيني تشوانغ تسي تونغ. ومن خلال لقطة صوّرتها عدسات الكاميرا وتناقلتها الصحف العالمية، قدّم جلين كوان قميصا يحمل رمز السلام وعبارة Let It Be، والتي كانت عنوان قطعة موسيقية لفريق البيتلز، لنظيره الصيني.
وعن طريق ما حصل مع صديقه الأميركي، خالف تشوانغ تسي تونغ تعليمات النظام الصيني حيث أصدر المسؤولون الصينيون للاعبي فريق كرة الطاولة تعليمات صارمة بعدم الاحتكاك بالأميركيين.
وبدل إرسال البطل العالمي في كرة الطاولة تشوانغ تسي تونغ نحو مراكز العمل القسري كعقاب له على مخالفته للتعليمات، فضّل الزعيم الصيني ماو تسي تونغ استغلال الحادثة وجعلها منطلقا لبدأ صفحة جديدة مع الأميركيين.
ومن خلال لقطة أثارت ذهول العالم، وجّه ماو تسي تونغ دعوة رسمية لزيارة الصين للاعبي الفريق الأميركي الذين لم يترددوا في قبولها.
مثلت هذه الزيارة بداية انفراج الأزمة الأميركية الصينية بشكل رسمي فخلال نفس اليوم الذي التقى فيه لاعبو الفريق الأميركي بالمسؤول الصيني تشوان لاي (Zhou Enlai)، والموافق ليوم 14 أبريل/نيسان 1971، أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أن بلاده ستبدأ تدريجيا برفع الحظر التجاري عن الصين.
ساهمت هذه الحادثة في ظهور ما عرف بسياسة كرة الطاولة، أو سياسة البينك بونك، حيث تبادل الأميركيون والصينيون بوادر حسن النوايا والانفتاح على الطرف الآخر.
وخلال الفترة التالية، زار الفريق الصيني الولايات المتحدة الأميركية وحلّ مستشار الأمن القومي الأميركي هنري كسنجر (Henry Kissinger) بالصين قبل أن يشهد العالم خلال شهر شباط/فبراير 1972 حدثا تاريخيا تجسد في زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون للصين ولقائه بماو تسي تونغ ليصنّف بذلك كأول رئيس أميركي يزور الصين.
عن هذه الحادثة، نعت ماو تسي تونغ لاعب كرة الطاولة تشوانغ تسي تونغ بأفضل دبلوماسي بالبلاد، بينما أكد نيكسون على نجاح لاعبي كرة الطاولة في تحقيق ما عجز الدبلوماسيون عنه.