كريتر نت – متابعات
في 24 أغسطس/آب الماضي، وقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قانونًا جديدًا يهدف إلى حرمان روسيا من إحدى أهم أدوات ممارسة نفوذها.
القانون الجديد الذي يفك الارتباط المستمر منذ قرون بين البلدين يحظر صراحة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ليس هذا فحسب إنما يحظر أيضا الكيانات الدينية التابعة لموسكو وذلك في خطوة أكثر إثارة للجدل.
وسيؤثر القانون بشكل رئيسي على رعايا الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية وهي فرع -مستقل اسميا- للكنيسة الأرثوذكسية الروسية ولا يزال يخضع رسميا للبطريرك في موسكو، على الرغم من التغييرات المختلفة في الاسم والحكم.
ولتنفيذ القانون الجديد ستقوم الحكومة الأوكرانية بتعيين لجنة خبراء قد ترى أن رعايا الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية وكهنتها غير منفصلين بشكل كاف عن موسكو وهو أمر سيكون بالتأكيد فوضويا بما يتماشى مع التاريخ الفوضوي للأرثوذكسية في أوكرانيا منذ خضوعها للحكم الروسي في القرن الـ17 وذلك وفقا لما ذكرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.
وحتى عام 2019، كان هناك ثلاث منظمات كنسية أرثوذكسية منفصلة في أوكرانيا، هم الكنيسة الأرثوذكسية الموحدة الموالية لموسكو والكنيسة الأرثوذكسية المستقلة الأوكرانية، التي جرى حلها 3 مرات بين عامي 1921 و2019 والأخيرة هي كنيسة أرثوذكسية جديدة تأسست بعد استقلال كييف في 1992 وتتبع مباشرة بطريرك القسطنطينية.
وفي 2019، وبفضل جهود الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو اندمجت الكنيسة المستقلة والكنيسة الأرثوذكسية الجديدة التي انضم إليها بعض رعايا الكنيسة الموحدة بهدف الانفصال عن موسكو ويظل تحديد عدد أتباع كل كنيسة أمرا صعبا لكن يقدر أن الكنيستين متساويتان تقريبا اليوم في عدد الأتباع.
وفي مايو/أيار 2022، أدانت الكنيسة الأرثوذكسية الموحدة علنا ما وصفته بـ”الغزو الروسي” وأسقطت “بطريركية موسكو” من اسمها الرسمي كرمز على استقلالها، وزعمت أنها تخلصت من أي إشارة للكنيسة الروسية لكنها لم تعلن عن ميثاق محدث لتأكيد ذلك وهو ما أثار غضب بعض منتقدي الكنيسة الموحدة في أوكرانيا.
وتردد أن بعض كهنة الكنيسة الأوكرانية الموحدة تحولوا إلى الخطب باللغة الأوكرانية وتوقفوا عن ذكر اسم البطريرك الروسي كيريل في الصلاة ومن الصعب تحديد المدى الحقيقي لهذه التغييرات بينما تمر الكنيسة بمرحلة انتقالية صعبة ومرهقة.
ولأن الكنائس أكثر من مجرد اسم ولغة، لذا فإن الروابط الأخرى هي ما تقلق السلطات الأوكرانية فهناك الآلاف من الأبرشيات والكهنة والأتباع في الكنيسة الموحدة ما زالوا على ارتباط بالكنيسة الروسية ولكل منهم أسبابه الخاصة.
وقد يعني انفصال الكنيسة الموحدة عن موسكو خسارة مصدر الشرعية الروحية، لأن بطريركية موسكو تقول إنها تتمتع بالخلافة الرسولية المباشرة من تلاميذ المسيح.
كل هذه الأمور ستؤدي للتوترات التي تزداد تعقيدا في ظل الصعوبات القانونية والمالية المترتبة على فك الارتباط فالآلاف من الأبرشيات تؤجر مباني كنائسها من الحكومة وبحلول الوقت الذي سيتعين عليها فيه الامتثال للقانون الجديد فإن بعضها سيفشل في الامتثال لمتطلبات القانون وبالتالي ستواجه أمرا بالإخلاء وهو ما يمكن أن تستغله موسكو لأغراض الدعاية وفقا لما ذكرته “فورين بوليسي”.
وسيتابع مراقبو الحريات الدينية عن كثب تنفيذ القانون الجديد مع مراعاة أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص على أن القيود المفروضة على الحرية الدينية لا مبرر لها إلا إذا كانت “ضرورية لحماية السلامة العامة والنظام”.
وفي الوقت الذي تصطف فيه المؤسسات الروسية خلف الرئيس فلاديمير بوتين فإن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تقود الهجوم على الكنيسة الموحدة في أوكرانيا.
والكنيسة الأرثوذكسية الروسية لها تاريخ طويل في التكيف مع الدولة وتحالفت بشكل وثيق مع أنظمة مختلفة، الأمر الذي ضمن لها البقاء لكنه قوض استقلالها كما أدى إلى انقسامات دينية كبرى استمرت لقرون.