كريتر نت / كتب – منصور عبيد حسين
بدء الجو بالاعتدال، فالصيف يغلق باب الشتاء رويدا رويدا، قال لزميله وهو يمطتي الدراجة الناريةخلفه : اليوم الجو جميلا .
رد زميله: بعد ايام سيحل الصيف… اضاف وهو منشغلا بتشغيل دراجته ..سنتخلص من برد الصباح وارتداء هذة الملابس… انطلقت بهما الدراجة وهما يتحدثان بسعادة واضحة.. وعندما وصلا الى المدرسة، دخلا المكتب وراح كل واحد منهما ينفض ماعلق بثيابه من غبار الطريق و… كان ذلك يشعرهما بالتعاسة حيث ان الطريق المغطى بالسواد ينتهي سريعا ليبدأ طريق ترابي طويل… الفتهم تلك الطريق والفوها حتى ان النقاط العسكرية هي الاخرى قد الفهما رجالها واصبحوا يفسحون لهم الطريق، ولايركزون على مايحملان بين الحين والاخر في.. الدراجة، اعاد الاستاذ جيم عجلة الذاكرة الى الخلف وهو يقول: انه يوما تجمدت الدماء في عروقي وجف فمي وتمنيت لو لم اكن معلما في تلك القرية… حيث كان الشباب يطلبون مني ان احضر لهم معي.. كنت اخاطر بنفسي وبزميلي معتمدا على ان النقاط العسكرية قد تعودت علينا واصبحنا وجهين معروفين ومالوفين لديهم فنحن نمر كل يوم مرتين… ذهابا وايابا… ولكن الشئ الذي لم افكر به اويخطر على بالي انه في ايام المسيرات او العصيانات المدنية كل يوم اثنين ، تغلق الطريق واحيانا تهبط اكثر من نقطة ويتعرض المارة لتفتيش دقيق… واذا حصلت معارضة من قبل السائق او احد ركابه يكون الرصاص الحي سيد الموقف… واحيانا تقصف المدينة نهارا مثلما تقصف في اغلب اليالي بمختلف انواع الاسلحة…
وأنا عائد مع زميلي ظهر امس نقلنا كمية كبيرة مقارنة بالمرات السابقة من… .ووضعناها في قرية قريبة من المدينة عند رجل ثقة يجري حب الوطن في دمه… على اساس انه في الغد ننقلها الى… .ولكن الغد كان عصيانا ..ولم اتوقع ان يكون يوما دمويا ايضا اراد الجيش ان يستعرض قوته… فامطرت دباباته ومدفعيته نيراناها على رؤوس الابرياء… سقط عددا منهم شهداء في بيوتهم او قربها… اتصل بي الشباب اقصد القائد… وبكلمة السر بيننا طلب مني…. قلت لزميلي اسرع لنعد المدينة تقصف والشباب بحاجة ماسة لنا…
اتجهنا الى القرية اخذنا… ووضعناها في خرج السيكل كالعادة.. قال الرجل :’ الطريق اليوم خطرا… قلت له: والحل ، قال : اسلكا طريقا فرعيا… كنا لانعرف الطريق جيدا ولكنها الضرورة وكان الوقت ظهرا حين وجدنا نفسينا تحت ثكنة عسكرية… قام جنودها بتوجيه ماسورة الدبابة وبنادقهم نحونا… قال صديقي بصوت شاحب : وقعنا…!
تمالكت نفسي وأنا احس الدم قد تجمد في عروقي وقلت له: لاتخاف.. جائنا صوت قائد الموقع وهو يقول بحزم : توقفا…. ،قلت له: عفوا أننا لانعرف الطريق ..اضفت هل تدلنا على الطريق ، رد بعنجهية واضحة: يجب تفتيشكم اولا… وقعت كلمة تفتيشكم كرصاصة… تجمدنا ..تراجع الجنود لينشغلوا بتناول الغداء ولكن احدهم قال للضابط وهو ينظر الينا: أنهما معلمان أعرفهما فهما يمران كل يوم من النقطة… اقترب من الضابط اكثر وهو يضيف اسمح لهما بالمرور ، ولكنه كان عصبيا فنهر العسكري وظل يردد يجب ان يفتشا… ..أستقليت الموقف وقلت بصوت مرتفع : عندما تنزل ألينا أحضر معك كدمة مغموسة بالمرق أنني جائع جدا ارجوك .
نزل الضابط كنا نرتعد خوفا… قلت في نفسي : يارب انهم يرعبون النساء والاطفال ويقتلون الابرياء فالهمني وثبتني… مد لي بالكدمة ، ففتحت كيس قاتي ومددته له… كان قاتا سمينا وكثيرا… سال لعابه واتسعت عيناه وراح يقلبه، وأنا أمضغ الكدمة… قلت له: اليوم عصيان والقات معدوم انه لك…تردد فاقسمت يمينا واضفت الان بيننا عيش وملح… فقال وهو يشير بيده: الطريق من هنا ..انطلقنا غير مصدقين… وضعت راسي على ظهر زميلي فسمعت لسانه يقول : لا اعرف كيف اشكرك على رجاحة عقلك وحسن تصرفك… . قلت له: انها ارادة الله… حمدنا الله كثيرا…. وعندما وصلنا الى الشباب طاروا من الفرح فهم بأمس الحاجة للرصاص في ذلك اليوم. ….!!!