كتب .. د. غزوان طربوش
ثورة 26 سبتمبر: دور تنظيم الضباط الأحرار في إسقاط الإمامة وخيانة ثوار الإخوان المسلمين لمسار الثورة اليمنية
تعد ثورة 26 سبتمبر 1962 واحدة من أهم اللحظات الفارقة في تاريخ اليمن الحديث. فقد قادت هذه الثورة البلاد إلى إنهاء نظام الإمامة الذي استمر في حكم اليمن لقرون طويلة، وأسست الجمهورية اليمنية، التي حملت آمال الشعب اليمني في إقامة دولة قائمة على أسس العدالة والمساواة. كانت الثورة ثمرة جهود *تنظيم الضباط الأحرار*، الذي مثَّل القلب النابض للتحرك الثوري. ومع ذلك، تعرض مسار الثورة للخيانة والتشويه من قبل عناصر عدة، أبرزهم “ثوار الإخوان المسلمين”، الذين سعوا لتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة الوطنية، ما أدى إلى انحراف مسار الثورة والعودة إلى أشكال الحكم الاستبدادية المتخفية.
دور تنظيم الضباط الأحرار في الثورة
قاد تنظيم الضباط الأحرار، تحت قيادة عبد الله السلال، علي عبد المغني، وعبد الرقيب عبد الوهاب، ثورة شعبية ضد نظام الإمامة، وأطاحوا به في 26 سبتمبر 1962. عمل هؤلاء الضباط في ظروف بالغة الصعوبة، حيث واجهوا استبدادًا سياسيًا واقتصاديًا، بالإضافة إلى القمع الشديد الذي مارسه النظام الإمامي على أي محاولة للتغيير أو التطور. ورغم التحديات الكبيرة، بفضل تخطيطهم الثوري المتقن، استطاع الضباط الأحرار قيادة حركة شاملة هدفت إلى إقامة نظام جمهوري قائم على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء الشعب.
كانت أهداف الثورة واضحة: إنهاء الاستبداد، بناء نظام جمهوري عادل، وإزالة الفوارق الطبقية التي أثقلت كاهل اليمنيين لقرون. وكان لهذه الأهداف دور كبير في إيقاظ الوعي الوطني وتمهيد الطريق لإقامة دولة حديثة ذات سيادة.
خيانة ثوار الإخوان المسلمين
رغم النجاحات الأولية التي حققتها الثورة، لم تكن مسيرتها خالية من العقبات. فقد تدخلت قوى داخلية وخارجية لتشويه مسارها. وكان من بين هؤلاء “ثوار الإخوان المسلمين”، بقيادة شخصيات مثل محمد محمود الزبيري وعبد الله بن حسين الأحمر. رغم مشاركتهم في المراحل الأولى من الثورة، إلا أنهم لم يكونوا ملتزمين بنهجها التحرري، بل عملوا على تحقيق أهداف خاصة تخدم مصالحهم الشخصية والعائلية.
يُعد انقلاب 5 نوفمبر 1967 محطة مفصلية في تاريخ الثورة اليمنية. حيث أقدم هؤلاء الثوار على انقلاب بالتعاون مع الملكيين، ما أدى إلى انحراف مسار الثورة. بدلاً من بناء دولة جمهورية حديثة، تحولت اليمن إلى “جملوكية”، وهو مصطلح صاغه الشاعر والمفكر عبد الله البردوني رأي اليمن الكبير ونبي هويتها ، لوصف النظام المختلط الذي يجمع بين سمات الجمهورية والملكية دون أن يمتلك أيٌّ منهما مصداقية حقيقية.
نتائج الانقلاب على الثورة
أسفر انقلاب 5 نوفمبر عن تفريغ الثورة من مضمونها الأساسي، وإعادة تمكين القوى التقليدية. تم إقصاء وقتل العديد من الضباط الأحرار والثوار الحقيقيين الذين كانوا يسعون إلى بناء دولة مؤسسات وجيش وطني موحد. وتحوَّلت الجمهورية الوليدة إلى كيانٍ هجين، مفرغ من أهدافه الكبرى، تحت سيطرة تحالفات قبلية وإسلامية، معظمها متأثر بتوجهات الإخوان المسلمين. نتج عن ذلك استمرار الانقسامات والصراعات الداخلية، والتي عمقت الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
بدلاً من بناء جيش وطني موحد يضم كل فئات الشعب، أصبحت الفصائل المختلفة تتصارع على السلطة، مما جعل بناء جيش وطني أمرًا شبه مستحيل. كما أن الأهداف التي وضعتها ثورة 26 سبتمبر، بما في ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية، رفع المستوى الاقتصادي للشعب، وإزالة الفوارق الطبقية، لم تتحقق، بل تفاقمت المشكلات نفسها التي كانت الثورة تهدف إلى معالجتها.
الجمهورية بين الطموح والانحدار
لم يقتصر الأمر على خيانة الإخوان لمسار الثورة؛ بل إن التحولات التي أعقبتها، لا سيما ما يُعرف بـ “الجملوكية”، أعاقت بناء نظام ديمقراطي مستقر. لقد تحولت الجمهورية إلى واجهة فارغة تعكس صراعات القوى التقليدية على السلطة، بدلاً من تحقيق الطموحات الشعبية.
ومن الشخصيات التي أثارت الكثير من الجدل في هذا السياق، الرئيس السابق علي عبد الله صالح . فرغم أن البعضومن انصاره يعتبره قائدًا إلا أنه لم يسعى إلى بناء دولة حديثة، الحقيقة هي أن سياساته ساهمت في تقسيم الجيش وتحويله من مؤسسة وطنية كما كان في عهد الرئيس الحمدي الرئيس الذي يحبه اليمنيون ويخلدونه إلى جيش طائفي، ما عمَّق الانقسامات الداخلية، وزاد من صعوبة بناء جيش وطني موحد.
دروس من تاريخ الثورة
يُظهر تاريخ اليمن الحديث، منذ ثورة 26 سبتمبر وحتى انقلاب 5 نوفمبر وما تلاه من صراعات، مدى تعقيد المشهد السياسي اليمني. فبينما سعى الضباط الأحرار إلى بناء دولة حديثة قائمة على مبادئ العدالة والمساواة، اصطدمت جهودهم بتداخل القوى التقليدية والسياسية التي كانت تسعى دائمًا للحفاظ على مصالحها.
اليوم، وبعد مرور أكثر من ستة عقود على انطلاق الثورة، ما زالت اليمن تواجه تحديات عميقة، تشمل الانقسامات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فلا تزال الأهداف التي سعت الثورة لتحقيقها بعيدة المنال، بينما تتحكم الفصائل المتعددة في مصير البلاد، في ظل نظام يفتقر إلى الرؤية الوطنية.
ثورة 26 سبتمبر كانت حدثًا مفصليًا في تاريخ اليمن، ولكن مسارها تعثر بفعل خيانة “ثوار الإخوان المسلمين” وانقلابهم في 5 نوفمبر 1967، الذي أجهض طموحات الشعب اليمني. اليوم، يحتاج اليمن إلى إعادة إحياء أهداف الثورة الحقيقية، وإقصاء القوى التي خانتها من أجل بناء دولة تقوم على العدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية، بعيدًا عن التحالفات القبلية والمصالح الحزبية الضيقة.
**المصادر**:
– عبد الله البردوني، *اليمن الجمهوري: قراءة في تجربة الجمهورية اليمنية*.
– عبد الغني مطهر، *يوم ولد اليمن مجده: تاريخ ثورة 26 سبتمبر.