كريتر نت – متابعات
وسائل الإعلام الغربية تهتم الجولاني بصفته قائدا جديدا لسوريا، براغماتيا ذكيا ومعتدلا، وتغفل عن علاقاته العميقة بالقاعدة وداعش، وعن مخاوف السوريين من حكم إسلامي متشدد يعيد إنتاج تجربة حكم طالبان، وكأن المهم أن وجوده قد وجه ضربة قاسية لإيران.
وتعامل الغرب مع زعيم حركة تحرير الشام أبومحمد الجولاني وكأنه ولد للتو وأنه بلا تاريخ.
وركزت وسائل الإعلام الغربية على تبييض صورة الزعيم الجديد في سوريا من خلال مقابلات إعلامية كثيرة تقدم الوجه الإيجابي منه وتتغافل عن ماضيه في العراق وسوريا وارتباطه بداعش ثم القاعدة.
تساءلت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية “كيف يخطط الجهاديون ‘الأصدقاء للتنوع’ في سوريا لبناء دولة،” تحترم حقوق الأقليات؟ ووصفت نفس الصحيفة الجولاني بـ”الجهادي المعتدل”، بينما أشارت إليه صحيفة واشنطن بوست بـ”الزعيم البراغماتي والجذاب”، وصورته سي إن إن على أنه “ثوري يرتدي سترة“.
واعتبرته مجلة رولينغ ستون سياسيا براغماتيا ذكيا تخلى عن “الجهاد العالمي” ويعتزم “توحيد سوريا”.
وذكرت أن “فطنته الإستراتيجية واضحة،” مشيدة بقيادته تحركا ناجحا ضد دكتاتور.
وسجلت سي إن إن مقابلة حصرية مع الجولاني بينما كانت حركته تتقدم نحو دمشق.
وسألته الصحافية جمانة كرادشة عن ماضيه، فأجاب “أعتقد أن كل شخص يمر خلال حياته بمراحل وتجارب… وكلما كبرت، تتعلم، وتستمر في التعلم حتى آخر يوم من حياتك“.
وشدد على أن “الشخص في العشرينات من عمره له شخصية مختلفة عن شخص في الثلاثينات أو الأربعينات، وبالتأكيد شخص في الخمسينات من عمره.” وتحدث كما لو كان يناقش زلات المراهقين
المحرجة، وليس تأسيس وقيادة جبهة النصرة التي تعدّ فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي غطت فيها المحطة هذه الشخصية. وصنفته في 2013 ضمن “أخطر 10 إرهابيين في العالم،” المعروفين باختطاف أفراد الأقليات العرقية والدينية وتعذيبهم وذبحهم.
وإلى حد يوم الجمعة، وبعد زيارة وفد أميركي إلى دمشق، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يدرج الجولاني على قائمة الإرهاب الأميركية، ويعرض مكافأة قدرها 10 ملايين دولار للحصول على معلومات حول مكان وجوده.
وتعتبر واشنطن وحكومات غربية أخرى منظمة الجولاني الجديدة، هيئة تحرير الشام، كيانا كتنظيم القاعدة/جبهة النصرة.
وهذا ما يخلق معضلة خطيرة في العلاقات العامة بين الدول الغربية التي دعّمت الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد بقيادة هيئة تحرير الشام.
وأشارت صحيفة بوليتيكو وغيرها إلى “تدافع كبير” في العواصم الغربية لإزالة هيئة تحرير الشام والجولاني من قائمة الإرهاب في أسرع وقت ممكن.
وعمل الجولاني على النأي بنفسه عن ماضيه. وحاول تقديم نفسه شخصية قوية معتدلة يمكنها محاولة توحيد سوريا المنقسمة. وأبدى خلال السنوات الأخيرة استعدادا للتوصل إلى حل وسط مع القوات والفصائل الأخرى.
لكن موقف عشرات الآلاف من الجنود الذين يقودهم (وحدات مكونة أساسا من مقاتلين سابقين من تنظيم القاعدة/جبهة النصرة وداعش) يبقى غامضا.
وأخبر الجولاني حشدا في دمشق يوم 8 ديسمبر أن سوريا “تتطهّر” اليوم.
وأضاف أن “هذا النصر بعذابات الناس الذين قبعوا في السجون وقام المجاهدون بتحريرهم بكسر القيد رغما عن أنف الطاغية“.
وولد الجولاني (اسمه الحقيقي أحمد حُسين الشرع) سنة 1982 في المملكة العربية السعودية لأبوين فرا من منطقة مرتفعات الجولان في سوريا بعد الغزو الإسرائيلي لها خلال 1967.
وتوجه إلى العراق في 2003 لقتال القوات الأميركية.
ثم قبض عليه الجيش الأميركي بعد ثلاث سنوات من الحرب، وقضى أكثر من خمس سنوات في السجن. وقبع فترة في سجن أبوغريب سيء السمعة الذي يُمارس فيه التعذيب.
وقاتل الجولاني مع داعش أثناء وجوده في العراق، حتى أنه كان نائبا لمؤسس التنظيم. وأرسله داعش إلى سوريا بعد إطلاق سراحه سنة 2011.
ويُقال إنه مُنح مليار دولار لتأسيس جناح تنظيم القاعدة في سوريا والمشاركة في حركة الاحتجاج المسلحة ضد الأسد التي أشعلها الربيع العربي.
ثم أدرك الجولاني سوء سمعة القاعدة في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم، فحاول إعادة تسمية قواته.
ووضع حدا لجبهة النصرة رسميا في يناير 2017، وأسس هيئة تحرير الشام في نفس اليوم.
وأكد أن هيئة تحرير الشام تتبع أيديولوجية مختلفة تماما وأنها ستحترم التنوع السوري.
ولم يكن الجميع مقتنعين بكلماته.
وامتدت الشكوك إلى الحكومة البريطانية التي حظرت هيئة تحرير الشام على الفور، معتبرة أنها مجرد اسم جديد لتنظيم القاعدة.
وقال علي أبونعمة، مؤسس موقع الانتفاضة الإلكترونية المشارك، إن “رجل القاعدة/داعش لم يعد اختراع نفسه.
وكان كامل جهاز الدعاية والاستخبارات في ‘الغرب‘، بما في ذلك هيئة الإذاعة البريطانية، يؤدي المهمة نيابة عنه“.
يرمز اسم الجولاني إلى مرتفعات الجولان.
لكنه يبدو غير مهتم بالغزو الإسرائيلي لوطنه. وقد استولى الجيش الإسرائيلي على جزء كبير من جنوب سوريا، وشمل التوغل جبل الشيخ الإستراتيجي المطل على دمشق. واعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذا جزءا من عملية دائمة.
وقال إن “مرتفعات الجولان… ستبقى إلى الأبد جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل“.
وذكر الجولاني سابقا أنه لا ينوي مواجهة إسرائيل.
وأضاف أن بلاده “ليست جاهزة ولا تنوي الدخول في حروب أخرى.”
وحدد أن مصدر القلق في سوريا كان يكمن في وجود “الميليشيات الإيرانية وميليشيات حزب الله.” ويرى أن الخطر قد انتهى.
وكان هذا تصريحا غريبا في الوقت الذي تنفّذ فيه إسرائيل أكبر عملية للقوات الجوية في تاريخها وتقصف أهدافا عسكرية عبر سوريا. ورفض متحدثون آخرون باسم هيئة تحرير الشام التعليق على الهجوم الإسرائيلي على البلاد، حتى حين ضغط عليهم صحافيون غربيون.
وقد تكون الحكومة الجديدة ائتلافا من القوى المتباينة والمعتدلة.
لكن يبدو أن جميعها موالية لإسرائيل.
وأجرى قائد في الجيش السوري الحر العلماني مؤخرا مقابلة مع تايمز أوف إسرائيل. وكان يتطلع إلى حقبة جديدة من “الصداقة” و”الوئام” مع الدولة العبرية.
وصرّح “سنسعى إلى السلام الكامل مع إسرائيل… لم ندل منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية بأيّ تعليقات انتقادية ضد إسرائيل، على عكس حزب الله، الذي صرح بأنه يهدف إلى تحرير القدس ومرتفعات الجولان“.
وأضاف أن “إسرائيل ستزرع وردة في الحديقة السورية.” وطلب الدعم المالي منها لتشكيل حكومة جديدة.
وتجاوزته قوى أخرى مناهضة للأسد، حيث صرح أحد الأفراد بأن إسرائيل “ليست معادية للذين ليسوا معادين لها. نحن لا نكرهك، نحن نحبك كثيرا… كنا سعداء جدا عندما هاجمت حزب الله، سعداء حقا، ونحن سعداء لأنك فزت“.
ويقول آلان ماكلويد في تقرير لكونسورتيوم نيوز إن هذه التصريحات قد تفاجئ المراقب العادي.
لكن إسرائيل تمول وتدرب وتسلح الكثير من المعارضة السورية منذ نشأتها.
وفي نفس الوقت الذي بدت فيه القوى الإسلامية المتطرفة عدوة للجميع، تجدر الملاحظة أن إسرائيل كانت الطرف الوحيد الذي تجنبت مواجهته. وأطلق مقاتلو داعش النار عن طريق الخطأ على موقع إسرائيلي في مرتفعات الجولان سنة 2016 ظنا منهم أنه يتبع قوات حكومية سورية.
ثم أصدروا اعتذارا حين تبين عكس ذلك.
ويسارع الصحافيون والسياسيون في الولايات المتحدة لتغيير آرائهم حول الجولاني وهيئة تحرير الشام.
ويمكن أن تقود زيارة الوفد الأميركي الرفيع إلى دمشق الجمعة إلى تغيير جذري في العلاقات الثنائية.
ونشهد اليوم عملية إعادة رسم كبيرة للصورة. وتحاول وسائل الإعلام والحكومة الأميركية تحويل مؤسس جماعة تابعة لتنظيم القاعدة إلى ممثل تقدمي متيقّظ.
يبقى أن نرى كيفية حكم الجولاني وهل أنه سيتمكّن من الحفاظ على دعم الجماعات السورية. لكن بإمكانه أن يثق في دعم الصحافة الغربية القوي.