كتب : د.عبدالعليم محمد باعباد
باتت الأوضاع السياسية والعسكرية بعد انعقاد جلسة البرلمان في سيئون منتصف ابريل الجاري أكثر سوء، إذ شهدت جميع جبهات القتال ركودا غريبا باستثناء الجبهات الجنوبية خصوصا الضالع، وسقطت في ذات الوقت مناطق مهمة في مريس، كما سقطت العود والحشا، وباتت التهديدات على اختراق مناطق في الازارق باتجاه المسيمير وصولا إلى العند قائمة.
هذه التحركات السريعة والغريبة و هذا السقوط المريب تزامن مع صمت مطبق للسلطة الشرعية وقواها السياسية، باستثناء ثلاثة تصريحات أحدها سياسي مبهم من قبل رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح، وآخران تصريحان عسكريان كاشفان لحقيقة ما يدور في الواقع بصورة شبه واضحة.
يقول: رئيس الهيئة العليا للاصلاح في تغريدة على صفحته (من الصعوبة بمكان على اليد المرتعشة أن تسهم في صناعة الحياة أو أن تخط سطراً في صفحات التاريخ ..!)
هذه التغريدة سياسية بامتياز تكشف عن امتعاض قيادة الاصلاح مماجرى ويجري من قبل القيادة السياسية تحاه الأوضاع عموما والاصلاح خصوصا، من عدم حسم للأمور وتطويل ما ينبغي سرعة تقصيره.
لعل هناك بعض الخلافات التي لا يُعرف أسبابها بين قيادة الاصلاح وقيادة البلد على وجه التخمين، وبنظرة متأملة لمناطق الصراع التي يعتبر الاصلاح أحد أطرافه، تبدو الخلافات بين كتائب أبي العباس المدعومة اماراتيا وبين الجهات الأمنية والقوى الموالية للاصلاح أحد هذه الخلافات.
ولعل مواقف قيادة السلطة المحلية بتعز ممثلة بالمحافظ نبيل شمسان تتسق مع موقف الرئيس هادي غير المعلن بالنسبة لنا، ومع موقف الامارات، خصوصا ما يتعلق بقراراته بتوقيف الحملة الأمنية على المطلوبين المنتمين لكتائب أبي العباس.
وربما كان تراخي وصمت الرئيس هادي تجاه سقوط المواقع بيد الحوثيين هو مثار صدور هذه التغريدة لليدومي.
على أن البعض يرون أن مثل هذه المواقف المختزلة بتغريدات مبهمة لا تلبي طموح الشارع السياسي.
” فبحسب د.كمال البعداني : في ظل هذا الوضع المخيف لا تنفع مثل هذه العبارات المبهمة.
فكما إن هناك قاعدة شرعية تقول إنه لا يجوز على العلماء تاخير البيان عن وقت الحاجة .
فهناك قاعدة سياسية تقول: إن قادة النخب السياسية في أي بلاد إذا لم يتكلمون بوضوح في الظروف الحالكة السواد التي تعيشها بلدانهم فمن الصعوبة بمكان أن يسهموا إيجابيا في صناعة تاريخ تلك المرحلة” .
وأما التصريحان الآخران فهما
تصريحان صادران من جهات وقيادات عسكرية في الشرعية، أحدهما من وزارة الدفاع، والآخر من قائد في الشرعية يحملان مضمونين مختلفين، لكنهما يكشفان عن نفس المشكلة.
التصريح الصادر من وزارة الدفاع كما جاء عبر قناة يمن شباب قبل بضعة أيام يقول إن العتاد العسكري متوفر وكافي في جبهة الضالع لمواجهة الحوثي، وإن سبب سقوط الجبهات في مريس والعود والحشاء هو الخلاف السياسي والقبلي والعسكري بين القيادات، والهدف من هذا هو استنزاف المقاومه ونفاذ عتادها والانقضاض عليها .
والتصريح الثاني في تغريدة على تويتر منسوب للواء جواس يقول: “إنه وفي اطار التنسيق بين حوثي الشمال وانقلابي الجنوب التقى محافظ الضالع اللواء علي مقبل الجربا مع مبعوث خاص من قبل زعيم مليشيات الحوثي عبدالملك الحوثي في تاريخ ٣ ابريل وقام الشيخ الحوثي مختار الصارمي الضالعي بدور الوسيط بين زعيم الحوثيين ومحافظ الضالع لرسم خارطة تحالف جديدة”.
وأضاف اللواء جواس “تم الاتفاق بين مندوب الحوثي ومحافظ الضالع على أن يساعد المحافظ باسقاط مديريات الضالع المحسوبة على محافظات الشمال سابقاً ومنع التعزيزات من الوصول في الوقت المناسب حتى يتم رسم حدود ما قبل عام 90 بين الحوثيين وانقلابي الجنوب.
واعتقد اللواء جواس أن من وصفها جهة أخرى ونيران صديقة لعبت الدور بهدوء، في إشارة منه إلى الإمارات المتحدة.
التصريح الصادر عن وزارة الدفاع يكشف عن خلافات عسكرية قبلية سياسية، وأنها سبب سقوط العود والحشا، وقد تكون تلك بعض الأسباب، لكن القول أن السلاح في هذه الجبهات كافيا وموجودا يكذبه الواقع في الجيش والمقاومة، ويكفي أن مقاومة الحشا ظلت تستنجد طويلا بتوفير الدعم والسلاح لمقاتليها، ولا من مجيب.
وعلاقة تصريح جواس واتهامه لمحافظ الضالع، بتصريح وزارة الدفاع هي كشفهما عن وجود الخلاف العسكري والقبلي والسياسي بحسب المصدر.
الخلاف المقصود بالتصريح كان يبرر ما حصل في جبهات العود الحشا مريس.
لكنه يكشف عن خلاف بداخل سلطة الشرعية وقياداتها العسكرية، ومصدر الخلاف ومنشأه هو السلطة ذاتها.
إذ كيف يمكن لقائد عسكري برتبة لواء وهو قائد محور عسكري، كيف يمكنه التصريح ضد قائد عسكري آخر إلا أن يتم تكليفه بذلك، مع ما في الأمر من تجاوز حدود القوانين واللوائح العسكرية، لإن كليهما ينتسبان لذات السلطة بغض النظر عن موقف كل منهما، وصحة أو عدم صحة مضمون التصريح.
إن ذلك يكشف بوضوح أن سلطة الشرعية أو بعض القيادات العسكرية على وجه الخصوص هم من يزرعون الخلافات العسكرية والقبلية.
فالتصريح المنسوب إلى جواس إن كان هو من صرح بالفعل، أو حتى نسب إليه كذبا، هدفه الاتهام وزرع بذور الخلاف القبلي المناطقي بين كل من الضالع وردفان بأدوات عسكرية، وهو ما تجاوزه رد اللواء علي مقبل في شكل تصريح لمكتب إعلام المحافظة، لكنه في ذات الوقت وقع في مطب آخر حيث اتهم قيادات في الجيش والمقاومة في الجبهات التابعين للمحافظة والذين يفترض أنهم يتبعونه عسكريا بصفته قائدا للمحور، اتهمهم بالتفريط رغم أن بعضهم صامدون في مواقعهم، وورد الاتهام معمما لمجرد أنه يظن أنهم يوالون تيارا سياسيا معينا.
كما كشف في رده على اتهام جواس له أيضا عن تخندقه – أي محافظ الضالع – مع تيار الانتقالي، بتعبيره عن سياسات بعض المواقع المحسوبة على الانتقالي، مع أنه يمثل السلطة الشرعية، إلا أنه ظهر كممثل للانتقالي وهو ما يدل على وجود التشاكس والخلاف داخل صف الشرعية.
هناك مستجدات على الساحة العسكرية ترتبط بالأوضاع السياسة بلا شك. أبرز هذه المستجدات العسكرية هي توغل الحوثي في جبهة الضالع الشمالية والغربية مثل مريس والعود والحشا والأزارق، يقابله تراخي الشرعية والتحالف في مواجهته، و معلوم أن هذه المستجدات حدثت بعد انعقاد مجلس النواب في سيؤن منتصف شهر ابريل الحالي.
و هناك عدة قراءات للمشهد العسكري السياسي الحالي لا نصيب لأحد منها بالجزم واليقين، لكنها تراود عقول الكثير وتعلو قائمة التحليلات لدى كثير من المتابعين.
ثمة من يقرأ المشهد الحالي ويخرج بهذه التحليلات التي سنوجزها في نقاط تجنبا للتطويل.
– يرى البعض أن التحالف والسعودسة بالذات، كان لها موقفا مغايرا من الانتقالي بعد الاعتراض على انعقاد البرلمان في سيئون الذي تبنته المملكة بشكل أحادي.
ويرى هؤلاء أن الطائرتين المسيرتين اللتين اسقطتهما منضومة الدفاع الصاروخي السعودي فوق سيئون، انطلقتا من مناطق تتواجد فيهما قوات محسوبة على الانتقالي.. وبذلك فقد مثل إطلاقهما تحد سافر للسعودية وخطورة سياسية ضد سياستها ودورها وسمعتها.
ويرون ما يجري في جبهة الضالع وجبهات يافع هو محاولة إشغال وتشتيت القوة المحسوبة على الانتقالي المدعومة من قبل الامارات، لتتفرغ هذه القوة للدفاع عن المناطق المستهدفة من الحوثي، وبالتالي يتم إضعافها وتقليل تواجدها في حواضر المدن ومنها عدن، كل ذلك تأديبا للانتقالي.
ويقرأ البعض المشهد – مثل د.نيفين العلوي – من زاوية علاقة شركاء التحالف العربي السعودية والامارات، إذ يرى هؤلاء أن عودة الحوثي من جديد لمهاجمة المناطق الجنوبية المحررة يندرج ضمن “التهديدات التي تستثمر سياسيا من قبل أبوظبي أمام الرياض في مرحلة عض الأصابع التي بدأت بانعقاد جلسة البرلمان والتي قد تستمر وتلقي بظلالها على مرحلة مابعد الحرب في اليمن”
ويضيف ” إن المجاهرة بالعداء للشرعية والرياض تجسد في تشجيع الامارات بتخرج الدفع العسكرية التابعة لها بحضور هاتي بن بريك ومدير أمن عدن الذي كانت الامارات تبعده عن الظهور في مثل هذه الاحتفالات.
ويضيف إلى تلك المؤشرات المقلقة اعتقال قوات النخبة الشبوانية عمال انبوب ضخ للنفط الخام المعد للتصدير وايقاف عملية التصدير بأوامر إماراتية كما قالت المصادر المحلية، حيث من شأن ذلك التحرك خنق الحكومة الشرعية والرهان على إسقاطها اقتصاديا.
ويرى هؤلاء أن البلاد تمر بمرحلة مفصلية من المعركة ضد انقلاب الحوثيين حيث انتقلت من قتالهم عسكريا فقط الى مواجهة كل الكيانات التي امدته باسباب البقاء حتى اليوم بعد مرور 4 سنوات تحت كل اللافتات متدثرة بغطاء الشرعية والتي ستسقط معها مزيدا من اقنعة الزيف التي هدفت لاطالة الحرب واستنزاف السعودية.
لكن هذه التحليلات ترمي بالكرة في مرمى الامارات والقوات التابعة للانتقالي، وتستبعد اخفاق السلطة الشرعية الذي هو أساس المشكلة وأسها.
– وثمة من يقرأ ما يجري في الساحة العسكرية مع الحوثي بأنه خلاف في داخل قيادة الشرعية وبالذات بين الرئيس ونائبه ووزير دفاعه، وهؤلاء يرون تقدم الحوثيين تم بتراخي من هذه القيادات العسكرية في وزارة الدفاع عبر الإيحاء لبعض القيادات التابعة لها بالتراجع، أو عبر تركهم بدون دعم في السلاح.
وذلك لإظهار هادي بعدم قدرته منفردا يعمل شيئ من ناحية، ومن ناحية أخرى لاشتراك هذه القيادات العسكرية مع الحوثي بذات الهدف فيما يتعلق بقضية الموقف من الوحدة وإضعاف القوة العسكرية التابعة للانتقالي التي يعتبرونها نواة لجيش جنوبي انفصالي.
ربما صمود المقاتلين في جبهة مريس يكذب هذه القراءة، و عدم تسليح الجيش في العود و كذا عدم تسليح مقاومة الحشا يصدق هذا التحليل.
وهناك قراءة ثالثة ترى بأن التحالف يريد من تغاضيه عن تقدم قوات الحوثي في بعض المناطق بالضالع وربما يافع إظهار خطورة الحوثي أمام المجتمع الدولي الذي يرى في الحوثيين حمائم سلام. وبالتالي فتقدم الحوثيين في بوابات عدن الشمالية والشمالية الغربية، سيظهر مدى استمرار خطورتهم أمام المجتمع الدولي الأمر الذي سيكسب التحالف حججا قوية باتجاه تحريك جبهات أخرى وبالذات الحديدة، مع استبعاد هذا التحليل فإنه لْـۆ صح فإن خسارة التحالف والشرعية للشارع ولهذه المناطق ذات العمق القتالي لا يعوضها نتيجة تصحيح تصور المجتمع الدولي تجاه الحوثيين.
في كل الأحوال تلقى هذه القراءات حضوضها من القبول لدى المتابعين لوضع البلد سياسيا وعسكريا، لكن الذي تتوافق عليه قراءة المشهد من الداخل ، أو تتفق عليه تحليلات الكثير هو التبعات الناتجة عن هذه التكتيكات السياسية، التي نوجز أهمها في النقاط التالية:
1. سخط في الشارع على الشرعية والتحالف بسبب سياسة إدارتهما للمعركة.
2. شعور أبناء هذه المناطق أنهم يقدمون التضحيات الكثيرة في جبهات عدة سواء الغربية أو الشمالية باتجاه صعدة، أو حتى نهم التي يتواجد فيها الكثير من أبناء الحشا والمناطق الوسطى، وبالمقابل تقابل هذه التضحيات بسياسات كيدية تستخدم فيها مناطقهم وأهاليهم كأدوات لتوازنات وصراعات سياسية ومصالح خاصة.
وتشير سياسات هذه القيادات العسكرية تجاه هذه المناطق كعدم تسليحها، و كذا عدم الوقوف بجدية ضد سيطرة الحوثي عليها، تؤكد وجود هذه السياسات الكيدية.
3. امتلاك الحوثي لزمام المبادرة في الفعل والإعلام في هذه المناطق وقدرة تأثيره الذي يتيح له التقدم في هذه المناطق.
4. انفصال سلطة الشرعية عن قيادات المجتمع وتحركها بدون مشروع سياسي اعلامي اجتماعي على الأرض.
في الأخير يمكن القول إن خسارة الشرعية للرأي العام وللشارع، بما فيهم المنتمين لها في الجيش والمقاومة لا يعوضه شيئ سوى سياسات صحيحة موحدة ملامسة للواقع، يتوحد فيها قرارها، وتواصلها مع المؤسسات العسكرية والمدنية والشارع.
وبدون ذلك فلا قيادات عسكرية تستطيع أن تحرك أحدا عن بعد ولا سلطة ستدوم ولا شرعية ستبقى في نظر الجماهير.