كريتر نت – متابعات
عززت مصر إجراءاتها لتحديث المجرى الملاحي لقناة السويس في وقت تصاعدت فيه الاشتباكات بين إسرائيل وجماعة الحوثي في اليمن، وشنت الأولى ضربات قاسية على مدن مختلفة، من بينها العاصمة صنعاء، ما يشير إلى صراع طويل، تبدو مصر غير مستبعدة للانخراط فيه رغم تضررها منه بشكل مباشر.
والخميس عقد الرئيس عبدالفتاح السيسي اجتماعا مع رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، تطرق فيه إلى خسائر مصر المادية من التوترات في البحر الأحمر، وطبيعة المشروعات الجارية من أجل تحديث المجرى الملاحي لتعزيز قيمة القناة ودورها في سلاسل الإمداد والتجارة العالمية.
وترفض مصر أن تزج بنفسها في صراع البحر الأحمر الممتد، وتحاول التخفيف من حدة خسائر قناة السويس التي بلغت نحو 7 مليارات دولار خلال عام، واقتناع قيادتها بأن كلفة الانخراط في معارك عسكرية سوف تصبح أضعاف ما خسرته. وتركز القاهرة على عمليات التأمين حيث تحاول إغراء السفن بالمرور عبر القناة، وتعول على خبرتها في تأمين منطقة باب المندب بجنوب البحر الأحمر، مع بدء عاصفة الحزم ضد جماعة الحوثي في اليمن عام 2015.
ويهدف التركيز على تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي تضم ستة موانئ وأربع مناطق صناعية على امتداد قناة السويس أو بالقرب منها، إلى مضاعفة العوائد مع استقرار الأوضاع في البحر الأحمر.
لكن حتى الآن يصعب الحديث عن عوائد في خضم تزايد التهديدات، ويبقى التركيز منصبا على توفير الخدمات اللوجيستية التي تشكل للقناة قيمة مضافة وأداة جذب لحركة التجارة.
وبدأ الحوثيون منذ نوفمبر من العام الماضي يشنون هجمات متقطعة على سفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن تابعة لإسرائيل أو متجهة إليها لدعم الفلسطينيين في غزة.
وقال المستشار في الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية (تابعة للجيش المصري) اللواء عادل العمدة إن اجتماع السيسي – ربيع هدف إلى تعزيز قدرات أعمال التأمين الملاحية لحماية السفن العابرة في قناة السويس وتوفير العناصر التي يمكن أن تعتمد عليها السفن المارة لتلبية متطلباتها، والاستفادة من القيمة المضافة التي تقدمها القناة بشأن أعمال التجارة وتقليص زمن المرور.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مصر لن تتدخل في الصراع القائم، رغم أنه يضر بمصالحها مباشرة، لكنه يبقى حربا بين طرفين دون أن يتحول إلى صراع إقليمي، وأن القاهرة عززت قدراتها العسكرية في منطقة قناة السويس لحماية السفن، وأنشأت قاعدة “برنيس” في البحر الأحمر (جنوب مصر) قبل أربع سنوات بهدف زيادة التأمين.
ولفت إلى أن التعامل مع تهديدات جنوب البحر الأحمر بدأ منذ فترة مع زيادة عمليات القرصنة، وقيام القوات البحرية والجوية بتأمين دخول السفن التجارية إلى قناة السويس، وأن التواجد العسكري المصري يقدم رسائل طمأنة، غير أن رأس المال يخشى الخسارة ما يدفع إلى الاتجاه نحو بدائل أخرى والتأثير على حركة الملاحة في القناة.
وشدد على أن الأخطار زادت بعد الحرب على غزة، وتوجيه ضربات قوية إلى الحوثيين من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، ثم إسرائيل التي من المنتظر أن تتصاعد هجماتها الجوية على جماعة الحوثي.
والجمعة أعلن الحوثيون في اليمن عن شن هجوم على مطار في إسرائيل، ومهاجمة هدف وصف بـ”الحيوي” فيها، غداة غارات إسرائيلية على مطار صنعاء وقاعدة الديلمي الجوية في محيطه، ومحطة لتوليد الكهرباء في الضواحي الجنوبية لصنعاء وميناء الحديدة، ورأس عيسى النفطي (شمال غربي الحديدة) ومحطة لتوليد الكهرباء شمال الحديدة أيضا، أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 16 آخرين.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام أنه أوعز إلى الجيش بـ”تدمير البنى التحتية للحوثيين” بعدما أطلقوا صاروخين باتجاه إسرائيل الأسبوع الماضي، أسفر أحدهما عن إصابة 16 شخصا بجروح طفيفة في تل أبيب.
وذكر وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى الكدواني أن تعقيدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط تقود إلى تصعيد بين الحوثي وإسرائيل قد يكون طويل الأمد، ما يترك تأثيرا كبيرا على
حركة التجارة والملاحة في البحر الأحمر، وبالتالي حدوث انعكاسات مادية على قناة السويس.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن تضاريس اليمن الوعرة ربما تجعل عملية القضاء على قدرات جماعة الحوثي العسكرية بشكل سريع صعبة، وقد تحول دون تحقيق انتصار إسرائيلي حاسم في وقت مبكر، ولذلك سوف تتزايد وتيرة استهدافات السفن ضمن أدوات الضغط التي تمتلكها العناصر المحسوبة على إيران.
وأوضح أن التوجهات المصرية بشأن التعامل مع التهديدات الحالية تنطلق من رفض الانخراط في الصراع والميل نحو الدبلوماسية، مع ضرورة الإسراع في تحديث الملاحة في قناة السويس وتهيئتها للعبور من الشمال إلى الجنوب والعكس كي تبقى القناة جاهزة عند وقف المعارك.
واستعرض اجتماع الرئيس المصري مع رئيس هيئة قناة السويس توسيع مساحة المجرى الملاحي من الكيلو 132 إلى الكيلو 162، لإتاحة مرور السفن العملاقة، والانتهاء من مشروع “الازدواج الكامل للمجرى الملاحي للقناة” من الكيلو 122 إلى الكيلو 132، ما يزيد حجم الشحن ويسرع حركة مرور السفن في الاتجاهين.
وقال وكيل جهاز الاستخبارات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد إن الخبرات المصرية من خلال حرب اليمن تجعل هناك قناعة بأن تدمير العناصر الحوثية أمر صعب أمام أي ضربات جوية أو توغلات برية قليلة، وإن هناك قوة عسكرية في اليمن لا يمكن الاستهانة بها، إذ قامت إيران بتزويد الحوثيين بالأسلحة، وتكمن المشكلة في أن بعض القوى الدولية تستهين بهذه القوة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن دخول أطراف غربية، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، على خط الحرب بين إسرائيل والحوثي سوف يجعل مصر أمام حرب طويلة المدى في البحر الأحمر، ما يتطلب الاستعداد للتعامل مع التطورات، وأن الحلول الدبلوماسية يجب أن تكون على رأس محاولات تخفيف الأضرار مع عدم دخول الدول العربية في صراعات عسكرية مع قوى تمتلك تكنولوجيا نووية، من بينها إيران التي من المهم التوصل إلى تفاهمات دولية معها حول تهديدات الحوثي.