كريتر نت .. متابعات
تستمر موجة النزوح من بلدة معلولا في ريف دمشق وسط تصاعد أجواء التوتر والخوف بعد وقوع أول حادثة قتل في البلدة منذ سقوط النظام السوري السابق، وما تلاها من حملات تهديد طالت المسيحيين في البلد.
وأفادت مصادر محلية “النهار” رداً على ما قيل عن أنه لا تهجير قسرياً من المدينة، بأن هذا التوصيف بدوره غير دقيق لأن الخروج من البيوت بسبب الخوف المنبثق من تهديدات صادرة عن جماعات معينة هو نزوح اضطراري على أقل تقدير وليس اختيارياً بطبيعة الحال
وأكدت المصادر أن الحدث له امتدادات متعلقة بالشرخ الذي حصل بين العائلات المسلمة التي تقيم في البلدة والأغلبية المسيحية، نتيجة أحداث الأزمة السورية وتداعياتها التي طالت بلدة معلولا مباشرة ثلاث مرات خلال السنوات العشر الماضية، وأنتجت كل واحدة منها موجة نزوح متفاوتة الكثافة. ويطلق البعض على موجة النزوح الحالية بأنها “التغريبة الثالثة لأهالي المدينة”.
وقد سيطر فرع “جبهة النصرة” في القلمون بقيادة أبي مالك التلي على بلدة معلولا مرتين عامي 2013 و2014. في المرة الأولى لم تستمر السيطرة سوى 48 ساعة. أما في المرة الثانية التي ترافقت مع حادثة خطف الراهبات فقد استمرت أشهراً عدة
وكان العديد من أبناء العائلات المسلمة في معلولا قد انضموا إلى الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل ضد النظام السوري السابق، بما فيها “جبهة النصرة” التي أصبحت تعرف باسم “هيئة تحرير الشام”، وهي التي تسيطر على عموم المحافظات التي كانت تحت سلطة نظام بشار الأسد. ومع تمكن الجيش السوري السابق من استعادة السيطرة على معلولا في نيسان (أبريل) من عام 2014، غادر العشرات من عناصر الفصائل البلدة إلى جبال القلمون حيث استمروا بالقتال إلى جانب الفصائل المسلحة.
ومع انهيار الجيش السوري وفرار الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وهو الشهر ذاته الذي حصل فيه اجتياح معلولا الثاني، سارع عناصر الفصائل المسلحة إلى العودة إلى بلدتهم بعد تحررها من نظام الأسد. ومن هنا ابتدأت الأزمة الأخيرة.
فقد تعامل هؤلاء العائدون مع غالبية السكان المسيحيين بمنطق الثأر والانتقام وكأنهم يحمّلونهم المسؤولية عن نفيهم خارج البلدة طوال السنوات الماضية. وتصاعدت التهديدات، وتكاثرت حوادث السلب والسرقة، مروراً بإزالة شجرة ميلاد، إلى أن وقعت حادثة القتل في مزرعة غسان الزخم الذي كان وضع كاميرات مراقبة لحماية مزرعته، وعندما اكتشف دخول شخصين خلسة إليها أطلق النار على أحدهما ويدعى عبد السلام دياب بينما فر الشخص الثاني وهو ابنه إلى جهة غير معروفة. ودياب معروف عنه أنه كان خارج البلدة مع الفصائل المسلحة في القلمون.
وشهدت جنازة القتيل العديد من الهتافات التحريضية والطائفية، بالإضافة إلى التهديد بالانتقام له.
وأكدت المصادر السابقة لـ”النهار” أن “هيئة تحرير الشام” لم يكن لها أي وجود في البلدة قبل وقوع حادثة المزرعة. ولكن بعد ما شهدته الجنازة من هتافات تحريضية وتهديدات عنيفة، سارعت إلى إرسال بضعة عناصر إلى مخفر البلدة لتولي عملية التحقيق في الحادثة.
غير أن هذا الإجراء المتواضع لم يكن كافياً لإعادة ضبط الأمور. وهو ما شرحه أحد الأهالي ممن تواصلت معهم “النهار” بالقول إن “المفرزة التي أرسلتها الهيئة –مشكورة – لا تكفي لضبط الأمور وإعادة الأمان، لأن العناصر المسلحين يتوارون عن الأنظار خارج البلدة، وعندما تغادر المفرزة يعودون إليها مواصلين تهديد المسيحيين الذين لا يجدون وسيلة للخلاص منهم سوى النزوح وترك بيوتهم”.
وقد رصدت “النهار” على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الشكاوى من سكان معلولا بشأن المضايقات التي تعرضوا لها منذ 8 كانون الأول، مشيرين إلى “أننا تعرّضنا كمسيحيين في معلولا للكثير من المضايقات والتهديدات، وتم تهديدنا بترك منازلنا ومزارعنا وحتى بالقتل أكثر من ثلاث مرات، وكل ذلك موثق بالأدلة”.
وتُعدّ عائلة دياب ابنها عبد السلام الذي قتل أثناء محاولته سرقة المزرعة “شهيداً”، مشيرة إلى أنه كان يعمل على حماية البلدة، وهي تواصل التهديد بالانتقام، بل إن بعضهم طالب أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني” بـ”تطهير البلدة”، وعندما تواصلت “النهار” مع إدارة الصفحة التي نشرت المطالبة لم تتلق رداً على أسئلتها.
وبرغم أن أهالي بلدة معلولا من المسيحيين يشكرون موقف “هيئة تحرير الشام” ومسارعتها إلى إرسال مفرزة للتحقيق في الجريمة، إلا أن من السهل ملاحظة أنهم يخفون في أنفسهم عتباً كبيراً بسبب تقصير الهيئة في اتخاذ إجراءات أكثر حزماً لتهدئة الوضع وضبطه ومنع نزوج من بقي من البلدة.
وقال طبيب من أبناء معلولا ويقيم في دمشق لـ”النهار” ، رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بالخوف على حياته: “لقد شاهدنا كيف تصرفت الهيئة في السقيلبية بعد حرق شجرة الميلاد، ورأينا أرتالها الجرارة باتجاه الساحل وحمص وحماه لملاحقة من قالت إنهم شبيحة وفلول النظام، فلماذا لم ترسل إلى معلولا سوى عدد قليل من العناصر؟”.
وأضاف الطبيب أن عدد سكان معلولا في الصيف يصل حتى 15000 نسمة، لكن العدد يتناقص كثيراً في الشتاء، وقال إن من أصل 1000 مسيحي كانوا لا يزالون في معلولا قبل حادثة المزرعة لم يبق سوى أقل من مئتين، وحتى هؤلاء يستعدون للنزوح، علماً أن لا أماكن إقامة كافية لهم في مدينة دمشق