أحمد جمال
أثارت تنبؤات أفصحت عنها خبيرة التوقعات ليلى عبداللطيف أخيرا جدلا واسعا في بعض الأوساط المجتمعية بمصر بعد أن وصفت العام الجديد بأنه “الاختبار السياسي الأصعب للدولة المصرية،” ما أعاد الحديث عن وجود تدخلات من جانب أجهزة استخبارات أجنبية قد توظف مثل هذه التوقعات لصالح التأثير على سيكولوجية المواطنين والتمهيد لتطورات معينة، في وقت نبهت فيه وسائل إعلام محلية إلى وجود أدوار لجهات دولية تهدف إلى إثارة الفوضى.
ولا ينفصل التوجس المصري من توقعات عرافين عن أجواء عامة تظهر فيها ملامح تسخين للأوضاع الداخلية من جانب تنظيم الإخوان وأدواته الإعلامية في الخارج.
وبدا الاستعداد المصري للتعامل مع أي تطور يهدف إلى إثارة القلاقل الداخلية دليلا على أن جهات حكومية ترى شواهد تنذر بالخطر، ما يشكل صورة لمشهد ينطوي على إثارة شكوك في استقرار الوضع الداخلي، في وقت حافظت فيه الدولة على الهدوء حيال عواصف أمنية وسياسية على حدودها من جهات مختلفة.
وقالت ليلى عبداللطيف خلال استضافتها في برنامج “الحكاية” على فضائية “إم بي سي مصر” قبل أيام إن العام الجديد يحمل أحداثا مؤسفة في بعض الدول وانقلابات في العلاقات بين رؤساء أهم الدول في العالم، ورجحت قيام حرب عالمية ثالثة، وطالبت بضرورة تخزين القمح والأرز والمياه المعدنية والشموع والأدوات الكهربائية الصغيرة، لأنها ستواجه نقصا ملحوظا في السنوات المقبلة.
وذكرت أن “القيادة العسكرية المصرية ستكون بالمرصاد لأحداث مفاجئة ستقع، سوف تنجح الدولة في إبقاء الأوضاع تحت السيطرة.”
وبدت طريقة إلقاء خبيرة التوقعات، التي تحمل الجنسيتين المصرية واللبنانية، مع تلعثمها في الكلام أثناء قراءة ما هو مكتوب أمامها، مدخلا للتشكيك في ما تفصح عنه. وتصدرت نظرية المؤامرة المشهد، خاصة وأن ليلى لم تظهر على قناة مصرية، وتقاطعت تعقيدات المشهد في المنطقة العربية والمواقف المتفاوتة من التطورات في سوريا مع ما جاء على لسان العرافة، ما أضفى بعدا خفيا كانت فيه السياسة حاضرة.
وقال العضو في البرلمان المصري ورئيس حزب المصريين الأحرار عصام خليل إن “نشر الشائعات والأكاذيب والتوقعات التي يمكن تصديقها لا ينفصل عن حروب الجيل الرابع والخامس، وهناك رصد لتزايد وتيرة بث المعلومات وتركها في الفضاء العام ليتفاعل معها بعض المواطنين، ما يجعل هناك تحذيرات قوية هذه المرة من أن توقعات المنجمين تدخل في هذا السياق.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “عمليات تحريك الناس تتم عبر وسائل لا تعتمد فقط على التسخين المباشر من خلال وسائل الإعلام وإنما أيضا عبر خلق هواجس بشأن المستقبل وإثارة حالة من عدم اليقين بشكل مستمر، بما يجعل هناك احتمالات أكبر لتصديق ما يتم ترويجه، وأن إسقاط أحد الأنظمة العربية (في إشارة إلى ما حدث في سوريا) دون طلقة رصاص واحدة أوجد قناعة بأن هذا الأسلوب يمكن اتباعه في التعامل لتحقيق أهداف جهات معادية للدولة المصرية.”
وشدد على أن ما أثار الجدل وجود توظيف سياسي فج يظهر في طبيعة التنبؤات التي يطلقها عرافون، حسب الوسيلة الإعلامية التي يطلون من خلالها على الجمهور، وهناك لعب واضح على الاستحواذ على العقل الباطن، وبالتالي فإن التحفظ على ما جاء في التصريحات الأخيرة للعرافة اللبنانية – المصرية حاز اهتماما كبيرا.
وتزامن الجدل حول عبداللطيف مع بث فضائية “إكسترا نيوز”، وهي تابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة لجهات حكومية في مصر، تقريرا حمل عنوان “نشر فيديوهات مفبركة وشائعات لإثارة الفوضى.. دور اللجان الإلكترونية في التحريض ضد مصر”، وسلط الضوء على نشر منصات إخوانية على مواقع التواصل فيديوهات لمظاهرات قديمة وأخرى مفبركة من عام 2019.
وأشار التقرير إلى أن “هدف الحملة من إعادة نشر هذه الفيديوهات تضليل الرأي العام وإثارة الفوضى بين البسطاء والتحريض ضد المؤسسات وتنسيق ممنهج بين أطراف ودول معادية،” متهما “اللجان الإلكترونية الإخوانية وأبواق الجماعة الإعلامية بالتنسيق مع جهات عربية ودولية.”
40 في المئة من المواطنين الذين يتابعون “حظك اليوم” والأبراج والتنجيم يصدقون مضمونها ويرسمون حياتهم وفق نصوصها
ويؤكد متابعون أن السيولة التي تعانيها المنطقة العربية تسهم في رواج نظريات المؤامرة، وأن ضعف قدرة الجهات الإعلامية على تحصين المواطنين يجعل جهات رسمية مصرية تتأهب للتعامل مع أي طارئ، خاصة أن تدني مستوى الثقافة والتعليم يسهل عملية استقطاب العقول مع الاقتناع بأن الفوضى التي تضرب المنطقة تدخل في إطار المجال الحيوي للأمن القومي المصري وتدعم إحداث توتر داخلي.
وقال خبير الطب النفسي جمال فرويز إن الأوضاع الاقتصادية الضاغطة تنعكس على زيادة معدلات الشخصيات العصابية أو القلقة التي تتخوف من المستقبل ولديها شكوك في أن حالة الاستقرار لن تدوم طويلا، وقد تملكتها رغبة في أن تبقى الحياة ثابتة دون الميل إلى أي تغيير، ويسهل التأثير عليها عبر العرافين أو من خلال نشر الشائعات.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “كلمات العرافين لا تؤثر فقط على المواطنين، لكن المشكلة أنه في أحيان أخرى يطال تأثيرها صناع القرار ممن لديهم إيمان بصدق ما يتوقعونه، غير أن ما يحدث على بعض الفضائيات من غوص في تفاصيل السياسة والاقتصاد لا يحقق تأثيرا واسعا في النفوس ما يمكن تسميته بالوعي الجمعي أو القادة السياسيين، مع الاقتناع بأن ذلك موجه فكريا ويخدم مصالح قوى معينة.”
وأظهرت إحصائيات أعلن عنها مركز الأزهر للفلك في مصر أن 40 في المئة من المواطنين الذين يتابعون “حظك اليوم” والأبراج والتنجيم يصدقون مضمونها ويرسمون حياتهم وفق نصوصها، وهناك 64 في المئة من المجتمع يهتمون بمضامين ما تقوله الأبراج عنهم ويداومون على مطالعتها.
وأصبح التنجيم في المرتبة الرابعة التي يفضل متابعتها شباب ومراهقون ونساء، سواء أكان ذلك بالتعامل مع خبراء التاروت وتوافق الأبراج بشكل شخصي، أم عبر استضافتهم في الإعلام ومتابعتهم في منصات التواصل الاجتماعي.
المصدر : صحيفة العرب