كتب/ عارف عادل
المعلم، الركن الأساسي في بناء المجتمعات والنهوض بالأمم، يعيش اليوم صراعًا مريرًا من أجل البقاء، وسط واقع معيشي صعب وأوضاع اقتصادية متدهورة. أصبح راتب المعلم، الذي كان يومًا رمزًا للتقدير والاحترام، اصبح فقط لشراء قيمة كيس من الدقيق، وهو ما يعني أن قوت يومه قد انحصر في أبسط صور البقاء: طحين مع الماء.
في معظم دول العالم، يُعتبر المعلم شخصية مقدسة، ويحظى بالدعم والاحترام اللازم لتأدية رسالته السامية. تُخصص الدول موارد كبيرة لضمان حياة كريمة للمعلم، تقديرًا لدوره في بناء الأجيال وصناعة المستقبل.
لكن في مجتمعنا ، نجد المعلم يعيش تحت وطأة ضغوط اقتصادية خانقة. فالمعلم الجامعي الذي أفنى عمره في التعليم وخدمة المجتمع لأكثر من 25 عامًا يتقاضى اليوم راتبًا لا يتجاوز 250 ريالًا سعوديًا، بعدما كان يعادل 1200 ريال سعودي في عام 2015. هذا الانخفاض الحاد في الدخل، مع ازدياد تكاليف المعيشة، يعكس أزمة عميقة ويثير تساؤلات عديدة حول مستقبل التعليم في هذه الظروف القاسية.
وفي ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الأساسية وغياب الدعم المالي، يجد المعلم نفسه عالقًا في دوامة لا تنتهي من القلق حول كيفية توفير لقمة العيش لعائلته. هذا الواقع لا يؤثر فقط على حياته الشخصية، بل يمتد ليشمل جودة أدائه المهني. فكيف لمعلم منهك نفسيًا وماديًا أن يركز على إيصال المعلومة للطلاب أو أن يكون مصدر إلهام لهم؟
ومن هذا المنطلق، فإن تدهور الظروف المعيشية للمعلم ينعكس سلبًا على العملية التعليمية برمتها. النتيجة؟ طالب غير مهيأ علميًا ومعرفيًا ليكون أساسًا في بناء المجتمع والنهوض به.
إلى صانعي القرار إن التعليم هو الركيزة الأساسية للإصلاح المجتمعي والبناء والتنمية. لا يمكن لمجتمع أن ينهض دون معلم كفء ومقدَّر ماديًا ومعنويًا. لذا، يجب أن تكون هناك وقفة حقيقية لإعادة النظر في سياسات دعم المعلمين وتحسين أوضاعهم المعيشية.
إن الحلول تبدأ بتوفير رواتب عادلة لمواجهة الغلاء المعيشي، بالإضافة إلى منح المعلم مكانته التي يستحقها كصانع للمعرفة وباني للأجيال.
وفي الختام ، إذا أردنا بناء جيلٍ متعلمٍ ومثقفٍ قادر على قيادة المستقبل، فإن البداية يجب أن تكون من إنصاف المعلم ودعمه ليبقى قادرًا على تأدية رسالته السامية بكل تفانٍ وإخلاص.