د. عمر العودي
“علينا أن نتعود مواجهة الحقائق. و نحسن التعامل معها. فقط لكونها. حقائق ولا ننجر وراء الأوهام والأكاذيب حتى لا تعمى أبصارنا عن الحقائق. هكذا حتما سننجو”.
أبدأ هذه الورقة بتحية كبيرة للمنظمين والمشاركين في هذه الندوة المميزة في اليوم الوطني للسلام الأول من يناير، ونحن في أول يوم من العام الجديد 2025م إذ نتمنى أن هذا العام هو عام السلام والتسامح في اليمن، وعام التعاون والتكامل الاقتصادي والسياسي مع دول الجوار والإقليم عمومًا لما تقتضيه اللحظة من شدة الهجمة الشرسة للعدو الصهيوني على بلداننا العربية.
في بداية هذه الورقة أود التأكيد على أولى الحقائق – بصفتي مواطن يمني – أنَّ السلام قبل أن يكون مطلبًا خجولًا للنخب السياسية فهو مطلب ملح وحقيقي لأكثر من ثلاثين مليون مواطن يمني. أما الحقيقة الثانية فهي أن الحروب والصراعات الدموية في اليمن ليس للشعب اليمني فيها لا ناقة ولا جمل بما فيها الحرب التي بدأت في 26 مارس 2015م واستمرت إلى يومنا هذا، التي يمكن اعتبارها (أي الحرب الحالية) عملية هروب لبعض النخب السياسية والقبلية والنافذين في السلطة من رموز الدولة العميقة السابقة التي وقفت عبر أكثر من أربعة عقود ضد تأسيس الدولة المدينة الحديثة: دولة النظام والقانون. لذا عملت على الهروب من الخيارات الوطنية المستحقة إلى خيارات الأزمات المفتعلة والحروب. هنا سنعطي مثالًا بسيطًا وقريبًا من حيث التوقيت الزمني خلال الحقبة التي بدأت بإعلان وحدة اليمن في مايو 1990م، وحقيقة أن هذا الحدث التاريخي بحد ذاته كان فرصة كبيرة لتأسيس مداميك دولة مدينة حديثة … دولة المؤسسات والنظام والقانون لو توفرت الإرادة السياسية الحقيقية لذلك. وخلال حقبة الأزمات التي مرت آنذاك بين حزبي المؤتمر الشعبي العام والاشتراكي اليمني باعتبارهما شريكا التوقيع على اتفاقية الوحدة اليمنية، التي كانت ناتجة عن مخالفات لبنود اتفاقية الوحدة اليمنية حيث تسيد منطق الغلبة والاستقواء، وغاب أي منطق للشراكة الوطنية تمامًا، وكان لها نتائج كارثية ليس على جنوب يمننا الحبيب فحسب بل على كل اليمن دون استثناء. خلال تلك الأزمات أنتجت “وثيقة العهد والاتفاق”، وهي وثيقة وطنية تاريخية تمثل مكسبًا سياسيًا لليمن واليمنيين لم يتحقق في أي وقت، التي تم توقيعها في مدينة عمَّان (الأردن) وكانت كفيلة بإنتاج حل وطني يمني لكافة الخلافات كون ما جاء في الوثيقة يؤكد على نفاذ سلطة الدولة وتطبيق النظام والقانون بما تضمنته من مطالبات في الكشف عن القتلة والمجرمين الذين تورطوا في الاغتيالات السياسية لعدد كبير من الكوادر الحزبية للحزب الاشتراكي اليمني وبعض الشخصيات الوطنية المستقلة التي ناصرت مفهوم الدولة المدينة الحديثة. وللأسف تم القفز على مخرجات تلك الاتفاقية عبر إعلان حرب صيف 94م من قبل تحالف 7/7. ذلك الإعلان الذي شكل ضربة قاضية للوحدة اليمنية التشاركية التي حلت محلها الوحدة الإقصائية أو “وحدة الأصل والفرع” … وحدة شعارها “الوحدة أو الموت” وليس “الوحدة والحياة”. يعرف الجميع ما تعرضت له مؤسسات الدولة في الجنوب من نهب واستحواذ من قبل الفاسدين في النظام المنتصر في تحالف 7/7 بدلًا من الحفاظ عليها وتطويرها في جو وحدوي وطني صادق، وبذلك تم قتل وحدة الشراكة الوطنية، وهنا أيضًا ضاعت الفرصة الثانية لتأسيس الدولة المدينة، وانتصرت فيها التحالفات العسكرية والقبلية والدينية، وهذا يظهر أن توقيع اتفاقية الوحدة – مع أنه كان مطلبًا شعبيًا لكل اليمنيين – فإنه عُدَّ من وجهة نظر السلطة الحاكمة بعد الوحدة أنه نابع ومبني على مشروع فردي وجهوي لتحقيق مصالح شخصية وجهوية، واستخدمت الوحدة فيما بعد كشماعة مفرغة من محتواها الوطني لابتزاز الشعب اليمني شمالًا وجنوبًا، ومن يختلف مع السلطة الحاكمة سرعان ما يدان بتهمة الانفصال أو الردة عن الدين.
اسمحوا لي أيها الأعزاء أن أتحدث في هذا المحفل، وأن أخرج قليلًا عن لغة الدبلوماسية الممجوجة التي دأبت عليها النخب السياسية التي ربطت مصالحها بالسلطة القائمة، ولم تتجرأ يومًا على قول الحق ونقد الواقع المؤلم والممارسات الخاطئة للسلطة الحاكمة منذ حرب صيف عام 94 حتى عام 2011م الذي تجلَّت فيه مظاهر الاحتقان السياسي والاجتماعي على مستوى اليمن كلها حيث إن هذه الاحتقانات أيضًا أدت إلى التوافق على مؤتمر للحوار الوطني الشامل، ومن خلال هذا المؤتمر الحواري اليمني صدرت مخرجات كانت بمنزلة سفينة نجاة لليمن من المصير الكارثي الذي نعيشه اليوم. إذ إن ما حدث بعد الإعلان عن مخرجات “مؤتمر الحوار الوطني” حيث سارعت التحالفات القبلية والعسكرية إلى الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني، وكالعادة كان تفجير الحرب هو الوسيلة المعتادة للسلطة الفردية كوسيلة للهروب من الاستحقاقات الوطنية، وضاعت الفرصة الثالثة لتأسيس الدولة اليمنية الاتحادية الحديثة، وبدلًا من ذلك أُعلنت الحرب في مارس 2015م تحت مبرر استعادة الشرعية والقضاء على الانقلاب الذي شاركت فيه بعض النخب السياسية والعسكرية والقبلية من خلال تحالفها مع مليشيا الحوثي، وعملت على طرد الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادئ وملاحقته إلى عدن حيث أعلنت أهداف الحرب بدعوى دعم استعادة الشرعية التوافقية. هكذا كان الأمر، ومعروف للجميع أيضًا ما حدث بعد ذلك من تطورات في مسار الحرب في مضمونها على عكس الأهداف المعلنة المتعلقة بالحرب تمامًا.
فهنا وبناء على ما ورد أعلاه فإن عملية السلام قد أخذت تفسيرين. الأول هو السلام بين الأطراف السياسية النافذة والمتصارعة على السلطة، التي يهمها في المقام الأول الدفاع عن مصالحها، وهذا في تقديري ليس السلام الحقيقي الذي يلبي تطلعات اليمنيين لكنه يلبي مصالح النافذين والمنتفعين من السلطة، وهم من تعودوا نظام المحاصصة وتقاسم الوطن كغنائم فيد وحرب، ولذلك فهم دائمًا ما يشكلون بؤرًا موقوتة للحرب. والاتجاه الثاني لتفسير معنى السلام هو السلام الذي يلبي تطلعات الوطن والمواطن اليمني، وهو مختلف كليًا عن مفهوم السلام الأول. وهنا للأسف اسمحوا لي أن أقول بكل صراحة أنه لا يوجد في النخب السياسية المتصدرة للمشهد السياسي اليوم من يتطلع فعلًا إلى السلام الذي يريده أكثر من ثلاثين مليون مواطن يمني إلا من خلال تحقيق المصلحة الشخصية أو الجهوية التي وجدوها في اقتصاد الحرب، وهذا ما يشكك في أي مساعي جادة نحو السلام من قبل هذه النخب. ويعرف الجميع أن معاناة المواطنين في كل اليمن شمالا وجنوبًا هي نفس المعاناة، وبنفس الشكل، وبنفس الشدة، وكأن من يدير تلك الأزمات وتجويع الشعب هو شخص واحد ومن غرفة عمليات واحدة يريد مصلحته أولًا قبل مصلحة اليمن والشعب اليمني.
انتقل معكم إلى عملية السلام في اليمن، وأقصد هنا تحديد مفهوم السلام الذي يلبي تطلعات المواطنين، وليس السلام الذي يلبي مصالح النافذين في المشهد السياسي لأن الأخير كما أسلفت ليس سلامًا حقيقيًا بل سلام ملغوم تتحكم فيه المصالح الفردية والجهوية، وهو بعيد من السلام الحقيقي الذي يريده اليمن والشعب اليمني. فضلًا على أنَّ هذا السلام في اليمن لن يتحقق بمعزل عن الشراكة الوطنية والإقليمية، وهذا يتطلب من الجميع الانطلاق أولًا من السلام الداخلي في اليمن الذي لن يتحقق إلا بزوال أسباب الحروب والأزمات السياسية التي تكرست خلال الحقبة الماضية إذ تتطلب العودة خطوة إلى الوراء لمراجعة الأخطاء والتصرفات الفردية التي نتجت عن الانفراد بالقرار السياسي من قبل أفراد معدودين على قمة هرم السلطة، واتخاذهم لقرارات الحرب على مناطق مختلفة في اليمن مثل حروب المناطق الوسطى والجنوب، وحروب صعدة الستة، وتخوين كل من ينتقد فساد السلطة أو يختلف مع النافذين فيها بالرأي، وتلفيق تهم الخيانة، والزج بالكثير من المعارضين السياسيين الوطنيين في السجون والمعتقلات السرية للسلطة. كل هذه الحقائق يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وتحري عدم محاولة الهروب بإنكارها أو التقليل من فضاعتها على مدى سنوات طويلة.
إننا أيها الإخوة الكرام على ثقة كبيرة بأن هَمَّ الشرفاء من كل الأحزاب والنخب السياسية الوحيد هو الوطن والشعب اليمني والسلام المستدام – وليست الأحزاب أو تقديس شخصيات – دون أن تكون لديهم أي دوافع نابعة من تحقيق مكاسب ذاتية أو المتاجرة بالقضايا الوطنية لتحقيق مكاسب شخصية، وهؤلاء الشرفاء اليوم هم من يقع عليهم الدور الرئيس في تصدر المشهد السياسي، وتقييم أخطاء المراحل السابقة على المستوى الوطني والإقليمي لأخذ العبر منها وعدم تكرارها في الحاضر والمستقبل.
إن عملية السلام في اليمن لا يمكن تحقيقها دون إزالة المخاوف والشكوك المتبادلة بين النخب السياسية التي تكرست عبر عقود من الزمن، وكذا مع المحيط الإقليمي، وإعادة تقييم العلاقات بدول الجوار على أرضية الندية والعروبة والدين واللغة والمصير المشترك، واستبدال علاقات العداء التاريخي بين اليمن وبعض دول الجوار إلى علاقات تعاون سياسي واقتصادي مبنية على احترام السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وهذا يتطلب من اليمن ومن دول الجوار امتلاك الإرادة السياسية الصادقة للتعايش دون حروب أو نزاعات من خلال تقديم مسودات قوانين صارمة تضمن مصالح كل بلد على حدة على أن توضع بشفافية مطلقة ليتوافق عليها، وتكون أساسًا لإزالة المخاوف المتبادلة مع اليمن وبناء الثقة المتبادلة والعلاقات الدبلوماسية بموجب هذه القوانين الوطنية التي تضمن حقوق كل بلد، وتمنع أي بلد من ممارسة انتهاكات أو أطماع في حقوق وسيادة البلد الآخر أو في الاعتداء على الآخر، ولعل ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط يجسد الضرورة الموضوعية لإعادة بناء علاقات صحية وسليمة بين اليمن ودول الجوار لتفادي أي خسائر على بلداننا من جراء الهجمة الصهيونية الشرسة على الأمة العربية.
وعلى الصعيد الوطني ومن خلال النظر إلى طبيعة المناخات السياسية في اليمن التي سادت على مدى ما يزيد عن أربعة عقود حيث تميزت هذه المناخات بأنها مناخات ملوثة بالشك والريبة والتآمر المتبادل والمكايدات بين مكونات الطيف السياسي اليمني، وهذه المناخات لم تكن بعيدة عن تأثير التدخل الخارجي لفرض توازنات في اليمن تشكل قنابل موقوتة، وتفجير الصراعات لأغراض لها علاقة باتفاقيات اليمن يجيرانها فيما يخص ترسيم الحدود وما يخص العمالة اليمنية التي لم تستطع الدبلوماسية بين اليمن وجيرانها أن تؤمن حياة كريمة للمغتربين في دول الجوار مثلما لم تفعل داخل للوطن كونها لم تضع ذلك كأولوية في أجنداتها أو لأنها كانت تواجه أبوابا موصدة لطرحها على طاولات المحادثات الدبلوماسية في أوقات السلم أو لانشغالها بمصالحها الشخصية.
إن الخروج من نفق الماضي الملوث الذي لا زالت اليمن أسيرة له وغارقة فيه الى يومنا هذا يتطلب من جميع الأحزاب السياسية أن تتحول إلى مؤسسات سياسية حقيقية تمتلك حرية اتخاذ القرار بالطريقة الديمقراطية التشاركية، وأن تلغي مفهوم تقديس الأشخاص داخلها، وعدم بقائهم بعيدًا عن المسائلة والمحاسبة على ما قد يرتكبون من أخطاء، وأن تستطيع محاسبة منتسبيها في كل مستويات الأطر القيادية، ومنع تكرار الانفراد بالقرار الحزبي السياسي من قبل رأس الهرم الحزبي، وهذا سيشكل الخطوة الأولى لبناء الثقة بين النخب والمكونات السياسية، وتصحيح علاقتها بقواعدها الشعبية القائمة على الهيمنة عبر المال والنفوذ وليس على القناعات السياسية، وأن تنظر بأفق واسع نحو المستقبل سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي، وعلى هذا فإننا نثق بأن الشرفاء في اليمن أمامهم فرصة تاريخية ثمينة لوضع لبنات قوية لاصطفاف وطني حقيقي عريض، الذي لن يتحقق إلا من خلال ترك كل القضايا الخلافية، واستبعاد كل الشخصيات التي شاركت في صناعة الأزمات اليمنية كونها أيضًا ضمن القضايا الخلافية المغذية للصراع سواء في الماضي أو الحاضر وستستمر في المستقبل. لذا يجب تجاوز القضايا الخلافية في هذه المرحلة المحفوفة بالخطر والحساسة التي تتطلب رؤية وطنية خالصة بعيدة عن أي مصالح فردية أو جهوية أو مشروعات عائلية. وهناك بعض الإجراءات العملية التي يجب النضال من أجلها لتجفيف منابع الفساد والتخلص كليًّا من اقتصاد الحرب وتتمثل هذه الإجراءات بالنقاط التالية:
1. إعادة سلطة الدولة والقانون بشكل فعلي، وإلغاء الملشنة بكل مظاهرها
2. تجفيف منابع اقتصاد الحرب، وفي بدايتها عدم تأجيج الصراعات لاستمرار اقتصاد الحرب
3. إجراء مصالحة وطنية جامعة
4. إقرار قانون المحاسبة “من أين لك هذا” لإيقاف عمليات النهب لموارد البلاد السيادية، وعلى أن يطبق على الجميع دون أي استثناء
5. إغلاق كافة المعتقلات السياسية، والكشف عن مصير المعتقلين السياسيين المخفيين قسريًّا
6. منع حمل السلاح، وحصر حيازته على المؤسسات الأمنية والدفاعية فقط
7. إلزام الأحزاب بإعلان برامجها الوطنية وممارسة نشاطها الحزبي الداخلي من خلال العمل المؤسسي الذي يتجلى من خلال عقد مؤتمراتها الدورية، وتجديد قياداتها بشكل منتظم، وعدم السماح للأشخاص في قمة الهرم الحزبي بالسيطرة على القرارات الحزبية التي يفترض أن تتخذ بصورة ديمقراطية تشاركية، او أن تُحَلَّ هذا الأحزاب إن لم تلتزم بقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، ومنع تفريخ الأحزاب الوطنية (أحزاب أبو خمسة أشخاص أو أقل أو أكثر)
وفيما يخص العلاقات بدول الجوار فإنه يتعين علينا مراجعة وتقييم تلك العلاقات، وإعادة بنائها على أساس مصلحة الشعوب في اليمن ودول الجوار وليس على أساس المصالح الشخصية للنافذين في السلطة، وفي هذا الاتجاه أيضا هناك الكثير من النقاط التي يجب أن توضع على طاولة البحث لتصحيح العلاقات بدول الجوار في الحاضر والمستقبل، وهي كما يلي:
1. ألا يحق لليمن أن تستقر، وأن يتوقف مسلسل تدميرها وتركيعها؟!
2. لماذا إلى الآن السلطات الرسمية لليمن هي فقط من ينفذ أوامر الدول المتحكمة باليمن ولصالحها بينما مصالح اليمن وشعبها مغيبة تماما؟!
3. لماذا لا تكون العلاقة بين اليمن وجيرانها علاقة تكامل ومصالح ندية ومتكافئة وعادلة لليمن؟! ولم لا يتوقف أسلوب استصغار اليمن واستضعافها؟!
4. اليمن بوابة استقرار وأمان للوطن العربي والشرق الأوسط قاطبة. فلماذا يتم تجاهل ذلك؟!
5. على القوى السياسية اليمنية الكشف عن الأمور المستحدثة في جزيرة سقطرى والمحافظات الشرقية – التي تشكل نوعًا من بسط النفوذ الإماراتي والسعودي على اليمن – كالاستحواذ على الأراضي والمواني اليمنية تحت غطاء وواجهات شخصيات محلية، وهو بحد ذاته عامل يؤثر بشكل سلبي على تطبيع العلاقات بدول الجوار.
إن عملية السلام وعلاقة اليمن بدول الجوار من الزاوية الإقليمية تتمثل في كيفية تحقيق السلام الإقليمي في الجزيرة والخليج العربيان على وجه الخصوص ثم بقية الدول العربية، وهذا يحتم أولا تحقيق السلام الداخلي لكل دولة من دول الإقليم ككل وفيها اليمن، وهذا بلا شك يتأثر بسياسة اللاعبين ومراكز النفوذ الدوليين في المنطقة ولا سيما مع بقاء القضية الفلسطينية حاضرة على طاولات المجتمع الدولي بعد السابع من اكتوبر 2023م كما هي اليوم إذ تجري المحاولات لتصفيتها في وسط التفكك العربي وتلاشي القرار العربي الموحد المنتصر لقضية فلسطين العادلة.
إنَّ مصالح الدول الكبرى – التي من خلالها تتحدد علاقاتها غير المتكافئة ببعض دول الإقليم والقائمة على التبعية – لها دور كبير في تحقيق السلام في الإقليم من عدمه، وكما أشرت فإن علاقات المصالح والتبعية أثرت بشكل كبير حتى على طبيعة السلطات المتعاقبة في اليمن وتوجيه بوصلة الصراعات فيها التي هي الأخرى أصبحت تبعية، وما زاد الأمر سوءًا هو أن اليمن لم تتمكن من إرساء قاعدة لدولة مؤسسية والسبب كما أشرت سابقًا هو إبقاء اليمن في حالة عدم الاستقرار واللاسلم، والدورات المتكررة من الصراع التي تذكيها الدول التابعة في المحيط الإقليمي وأذنابها المحليين. إذن فالسلام في اليمن مرتبط بسياسة الدول المحيطة تجاه اليمن، وهنا يبرز دور القوى السياسية اليمنية في فرض نهج الدولة (وليست المليشيات) الذي يفرض على دول الجوار احترام السيادة الوطنية اليمنية والمصالح المتبادلة المتكافئة ووفقًا للقانون الدولي، ونظرًا لأن ما يحدث في اليمن اليوم هو بسبب سياسة دول الجوار فإن اليمن لن تتمكن من أن تبني حالة استقرار وسلام لا داخلي ولا خارجي مع المحيط الإقليمي وذلك للأسباب المذكورة سلفًا.
ومما ذكر آنفا قد يتساءل الجميع كيف يمكن أن نصل إلى تفكيك القضايا والمعضلات المعقدة التي تجعل الأمور معقدة وعصية على الحل، التي تعيق تحقيق السلام المستدام في اليمن ومنطقة الخليج، وتخلق حالة من التعاون السياسي والاقتصادي بين اليمن ودول الجوار لا سيما وأن هناك مظالم ترتبت من السلطات المتعاقبة في اليمن، ومثلها من جراء الحروب والنزاعات الحدودية مع جارتنا السعودية. لذلك فإننا نؤكد أن ذلك سيكون ممكنا من خلال تطبيق العدالة الانتقالية سواء على المستوى الوطني أوعلى مستوى الأضرار التي لحقت باليمن من جراء التدخلات السعودية في حروب اليمن الداخلية وحروبها الحدودية المباشرة. لذلك فإن كل شيء ممكن إذا ما توفرت الإرادات السياسية الصادقة، وحسن النيات من جميع الأطراف، وهنا يكمن دور وأهمية العدالة الانتقالية التي أثبتت نجاحها في الكثير من البلدان التي نشبت فيها الحروب والصراعات المسلحة.
وبهذا أكون قد وصلت إلى نهاية تعقيبي في ندوتكم الكريمة، وأشكر القائمين على هذه الندوة، وأخص بالشكر الدكتور مصطفى خالد الذي شرفني بدعوته الكريمة لي للمشاركة في هذه الندوة المميزة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورقة عمل قدمت في “ندوة اليوم الوطني للسلام” التي نظمتها اللجنة اليمنية للسلام
في يوم الأربعاء الموافق الأول من يناير 2025م على منصة زووم