كريتر نت – متابعات
شركة الفوسفات لم تشملها رياح التغيير على إثر تراجع إنتاج الفوسفات إلى أقل من 50 في المئة عن مستوى عام 2011، قالت شركة فوسفات قفصة إن السبب يعود إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية. غير أن سكرتيرة الجامعة العامة للمناجم نفت القيام بإضرابات واعتصامات من شأنها أن تسهم في تراجع الإنتاج.
وفي عام 1885 اكتشف الفرنسي فيليب توماس الفوسفات في منطقة المتلوي بولاية قفصة جنوب غرب تونس، وبعد 12 عاما أنشأت السلطات الاستعمارية الفرنسية شركة فوسفات قفصة.
وهذه المؤسسة العمومية (حكومية) يعمل فيها 7 آلاف و412 بين عمال وكوادر، وفق إحصاء يعود لعام 2019 نشرته الشركة التي كانت تنتج ملايين الأطنان من الفوسفات.
اكن حاليا تجمع أرقام رسمية وآراء نقابيين وخبراء على استمرار تراجع إنتاج الفوسفات في تونس، رغم تقلص مطالب العمال وانحسار الاحتجاجات النقابية.
ومنتصف نوفمبر 2024، أكدت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة ثابت شيبوب تراجع إنتاج الفوسفات إلى أقل من 50 في المئة مما كان عليه في العام 2011.
حديث الوزيرة جاء خلال مناقشة مهمّة وزارتها، ضمن مشروع ميزانية الدولة لعام 2025، في جلسة عامة مشتركة بين مجلسي نواب الشعب والجهات والأقاليم في قصر باردو.
ومنتصف أغسطس الماضي، أفاد رئيس دائرة المتابعة والتوثيق بشركة فوسفات قفصة مراد السليمي، في تصريح صحفي، بإنتاج 1.8 مليون طن فوسفات خلال النصف الأول من 2024.
ووفق أرقام رسمية للشركة، على موقعها الإلكتروني، فإن إنتاجها في 2010 بلغ 8.1 ملون طن، بينما تراجع في 2022 إلى 3.5 ملايين طن ونحو 2.9 مليون في 2023.
وتقول الشركة في بيانات إن انخفاض الأرقام عن عام 2011 يعود إلى الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها مدن الحوض المنجمي (ولاية قفصة) بعد ثورة 14 يناير من العام نفسه.
وترى أن “هذا الوضع المتوتر أثر على استمرارية العمل في الشركة وتسبب في عدة انقطاعات، ما ولد تأثيرا سلبيا على كافة المؤشرات التجارية والفنية للشركة.”
وأطاحت ثورة 2011 بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي (1987-2011)؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية تعددت بواعثها لاسيما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
وحول أسباب تراجع إنتاج الفوسفات، قالت ريم هلال سكرتيرة الجامعة العامة للمناجم التابعة للاتحاد العام للشغل (أكبر منظمة نقابية): “كطرف اجتماعي في شركة فوسفات لم نقم بأي إضراب وليست لنا اعتصامات حتى يتراجع الإنتاج.”
وأضافت ريم للأناضول: “كطرف اجتماعي عندما كانت أم العرايس (منطقة للإنتاج بقفصة) مغلقة كنا مع المعتصمين والعمال حتى يعودوا لعملهم، ونفس التمشي (الأمر) في الرديف (منطقة إنتاج بقفصة)، لا ذنب للعامل المنجمي في تراجع الإنتاج.”
وتابعت: “إذا أنا في موقعي أعمل ولا أطالب بأي مطالب جديدة وأنت كوزير طاقة ومناجم تقول هناك تراجع، فأنا أسأل عن المسؤول (هل) هو التسيير (الإدارة) أم شيئا آخر؟ نحن لا نعرف!”
وتساءلت: “أنا لم أقم بأي إضراب وأعمل بالمعدات الموجودة والسلطات تتحدث عن تراجع الإنتاج لمن يعود هذا (مَن السبب)؟”
ويرى خبراء وناشطون أن استمرار الأزمة يعود لعدم انعكاس إنتاج الفوسفات في الحوض المنجمي على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مواقع الإنتاج.
وهو ما اتفقت معه ريم بقولها: “هذا صحيح.. شركة فوسفات قفصة كان يجب أن تكون منارة لقفصة كاملة وتساهم في نموها، لا أن تكون (الولاية) في الوضع المعروف اليوم بتدهور الصحة والطرقات والماء الصالح للشراب.”
واستطردت: “قفصة تعاني اليوم في الوقت الذي كان لابد أن تكون في وضع أفضل، خاصة وأن فيها أكبر شركة وطنية (إنتاج الفوسفات).”
“المشكلة في الحوض المنجمي بقفصة هي دائما متعلقة بالإرادة السياسية”.. هكذا يرى رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (أبرز منظمة مدنية مهتمة بالحراك الاجتماعي).
وقال ابن عمر للأناضول إنه “لا توجد إرادة سياسية تعتبر أن قطاع الفوسفات استراتيجيا للاقتصاد في تونس.”
وأضاف أن “الرؤية الإستراتيجية تنطلق من تدعيم دور الشركة وتأهيلها باعتبارها مؤسسة مثل عديد المؤسسات الأخرى كان ينخرها الفساد والمحسوبية.”
وأردف: “ورغم ذلك هذه المؤسسة لم تشملها رياح التغيير، ولم يحدث تدقيق وإعادة نظر في هيكلتها وطرق تسييرها.. كان هناك خوف سياسي من إيجاد حل، خوفا من التبعات الاجتماعية لأي حل بالقوة، وكأن السلطة السياسية فضلت تعليق شماعة الفشل الاقتصادي والاجتماعي على الفوسفات، وبالتالي ساهمت في وصم أهالي المنطقة.”
ورأى أن “الشركة بعد فترات تعطيل صار فيها تراجع كبير على مستوى تأهيلها والآليات ووسائل العمل، وهذه التعطيلات أثرت سلبا على العمال الذين تراجعت أجورهم بشكل كبير مقارنة بما قبل الثورة.”
وتابع: “هناك قطاعات أخرى تصاعدت فيها المطلبية الاجتماعية تحصلت على بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بينما قطاع الفوسفات واصل التراجع، فكل مطالب للعمال تتم مواجهتها بتراجع الإنتاج.. ما يحدث حاليا هو استمرار للأزمة، الدولة لا تريد اعتماد قانون أساسي خاص بالعمال، وهو مطلب نقابي منذ سنوات، وليست هناك مرونة لمعالجة الوضع.”
وحسب ابن عمر “في السنوات السابقة كانت هناك مرونة (من السلطة تجاه العمال)، بينما حاليا هناك تصلب كبيرة.”
وتساءل: “لماذا هناك نجاح منقطع النظير للإضراب الذي حدث (في 25 و26 ديسمبر الماضي للمطالبة بزيادة الأجور) ليس لأن العمل النقابي قوي، بالعكس هو في تراجع الآن، بل لأن العمال متضررون.”
وشدد على أن “تعطل الإنتاج لسنوات أضر بالمنح والأجور والامتيازات التي كان يتحصل عليها العمال.”
واستدرك: “للأسف ليست هناك إرادة سياسية للدولة لحل أزمة الفوسفات بما ينقل القطاع من أزمة إلى منقذ للاقتصاد.”
وبخصوص دعوات إلى توجيه نسبة معينة من إنتاج الشركة إلى منطقة الإنتاج، قال ابن عمر: “بعيدا عن الحلول التي فيها شعبوية، الحل أن تكون هناك رؤية متكاملة لإدماج المنطقة ككل في المنوال الاقتصادي التونسي.”
وأضاف أن “المنطقة بقيت مهمشة والصناعات الاستخراجية تخلف أضرارا بيئية على مستوى المائدة (الموارد) المائية وغيرها.. كأن الحلول التي تطرحها الدولة هدفها فقط ضمان إخراج الفوسفات مهما كانت التضحيات، ولا تبذل جهدا كافيا على مستوى البيئة والماء والتعليم والصحة.
هذه حلول مبتورة.” وختم “الحلول لا يمكن أن تكون إلا في إطار رؤية متكاملة، وهذا بعيد المنال لأن المشهد السياسي الحالي لا يملك هذه الرؤية المتكاملة.”