أحمد حافظ
ترفض المؤسسة الدينية في مصر المساكنة وتعتبرها فعلا يرتقي إلى الزنا، لذلك حرمتها وتوجهت بخطاب يحمل قدرا من الترهيب لدفع الشبان والفتيات إلى التراجع عنها، في حين يرفض هؤلاء أن يتعرضوا لأي خطاب متشدد يحمل ترهيبا ضدهم، ويتمسكون بأن ذلك حرية شخصية لهم لا يجب أن تكون مرهونة بفتوى أو وصاية دينية، أو رفض مجتمعي.
وأظهر تصعيد ديني في مصر ضد شبان وفتيات يتمسكون بالمساكنة قبل الزواج، وجود أزمة بين المؤسسات المفترض أن تقوم بدور توعوي عقلاني وتقدم خطابا يتناسب مع مستجدات العصر، وبين الأجيال الجديدة التي أصبحت تميل إلى التمرد ضد الكثير مما يرتبط بالعادات والتقاليد والأعراف ولا يروق لها التحدث معها بطريقة تحمل وصاية.
واتهم مفتي الديار المصرية نظير عياد “المتساكنين” بأنهم يمارسون فعلا يرتقي إلى “الزنا”، ويمارسون سلوكيات “شاذة” مرفوضة دينيا وأخلاقيا واجتماعيا، داعيا إلى مواجهة محاولات البعض للتأثير على أصحاب العقول الساذجة وإغرائهم بصورة شهوانية لممارسة المساكنة تحت مبررات واهية وبطريقة تتناقض كليا مع الشرع والأخلاق وقدسية مؤسسة الزواج.
وحمل خطاب مؤسسة الفتوى قدرا من الترهيب لدفع الشبان والفتيات إلى التراجع عن المساكنة تحت ضغوط دينية أو عبر تحريض المجتمع نفسه ضد هؤلاء، باعتبار أن الأغلبية السكانية متدينة بالفطرة، ولن تقبل بأي صورة أن يمارس الرجل والمرأة علاقة زنا علنية تحت غطاء المساكنة، طالما أن دار الفتوى أصدرت حكما نهائيا حولها بالتحريم.
ويرفض الكثير من الشباب الذين يميلون إلى تطبيق المساكنة من دون زواج شرعي أن يتعرضوا لأي خطاب متشدد يحمل ترهيبا ضدهم، ويتمسكون بأن ذلك حرية شخصية لهم لا يجب أن تكون مرهونة بفتوى أو وصاية دينية، وليس من حق أحد أن يفرض عليهم نمط حياة قائما على الحلال والحرام، وهي إشكالية تعكس تباعد المسافات بين رجال الدين والشباب.
الشباب الذين يميلون إلى تطبيق المساكنة من دون زواج يرفضون أن يتعرضوا لأي خطاب متشدد يحمل ترهيبا ضدهم
وقوبل رأي مؤسسة الفتوى بانقسام، فهناك شريحة دعمت وجهة النظر الدينية بالتحريم كحل جذري لقضية المساكنة قبل أن تتحول إلى ظاهرة، بينما رفضت شريحة أخرى وصم المساكنة بوصف مسيء ومنبوذ أسريا، مثل الزنا في مجتمع محافظ، لأن إصدار الحكم الديني يقود المتساكنين إلى السجن بتهمة ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون.
ويطبق بعض الذكور والإناث في مصر المساكنة بأن يعيشوا معا في مسكن واحد، وغالبا ما يضطر المغتربون منهم إلى هذا الحل لاستكمال الدراسة أو البحث عن عمل، ومن بينهم من يبرر هروبه إلى المساكنة بكونها حلا لتجنب أسعار الإيجار الباهظة، أي أن تلك الوضعية ليست قائمة على غرض جنسي، لكنها في نظر الأغلبية تهدد المجتمع وتخلق جوا مشبوها وعلاقات محرمة.
ويرتبط الرفض القاطع من جانب المتساكنين للخطاب الديني ضدهم بأن الفتوى اعتادت التعامل مع المساكنة على أنها تجربة جسدية متمثلة في الجنس، مع أنها في نظرهم تجربة روحية تتمثل بالمشاعر، بالإضافة إلى تفاصيل يومية بعيدا عن الجسد، في محاولة من كل طرف لأن يفهم الآخر على مستوى الطباع والسلوك وصلاحية الاستمرار معه أم لا.
ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن التركيز الديني على قضية المساكنة يشير إلى أنها أصبحت تفرض نفسها على المجتمع بشكل أو بآخر، وإن كانت الأغلبية ترفضها نظريا لكن بعضها يطبقها عمليا أمام تعدد أشكال العلاقات العاطفية الحديثة بين الشبان والفتيات، ورفضهم حصر بقائهم معا بشكل تقليدي من خلال الزواج التقليدي.
هناك شريحة دعمت وجهة النظر الدينية بالتحريم كحل جذري لقضية المساكنة قبل أن تتحول إلى ظاهرة، بينما رفضت شريحة أخرى وصم المساكنة بوصف مسيء ومنبوذ أسريا
ويتحفظ البعض على تعميم لغة التحريم على المساكنة بصورها المختلفة، لأن هناك فئة من الأجيال الصاعدة تراها حلا لظروف اجتماعية وأسرية طارئة مثل التفكك العائلي والطلاق أو التقارب على أساس روحي بعيدا عن التفكير في الشهوة أو إقامة علاقة محرمة، لكن مشكلة بعض رجال الدين تكمن في النظر إلى أي اختلاط بين الجنسين نظرة ارتياب.
ويحتمي هواة المساكنة بعدم ممانعة الحكومة على استحياء في أن تكون هناك مشاركة في السكن بين شبان وفتيات دون اختزال الأزمة في العلاقة الجنسية، وهو ما يظهر في عرض مسلسلات وأفلام تتضمن مشاهد لذكور وإناث يعيشون معا في بيت واحد من ضمن الظواهر الأسرية المستحدثة في المجتمع دون أن يتم منع هذه المشاهد من العرض.
وبدأت تتسلل تلك الأفكار إلى شريحة مجتمعية ليست متحررة أو متحضرة، لكن شبانها وفتياتها أصبحوا يتعاملون مع فكرة الاختلاط بين الجنسين تحت سقف واحد، بشكل طبيعي دون محاذير مرتبطة بالجنس والشهوة، وهي معضلة لا تستوعبها المؤسسة الدينية أو تدرك حجم المتغيرات التي طرأت على بعض الأسر من محاكاة تطور العلاقات.
كما أن أغلب الأسر لديها تحفظات مشددة ضد المساكنة تحت أي شكل ولون، إما لأنها محرمة أو تتعارض مع العادات والتقاليد، لكن هذا لا ينفي وجود مبررات لدى شريحة معتبرة من الشباب ترى أن المساكنة فرضت عليها، أمام ارتفاع معدل الطلاق وتشريد الأبناء بسبب التسرع في اختيار الشريك والانصياع لرغبة الأسرة.
وترفض المؤسسة الدينية في مصر أيّا من تلك المبررات، سواء أكانت منطقية أم لا، لكن في المقابل يدافع أغلب المتساكنين عن قراراهم بأنهم يعتمدون هذا النهج بحيث يمنحون لأنفسهم الفرصة للتريث في الاختيار والاختبار قبل الزواج الرسمي بعيدا عن العلاقة الجنسية، لكن رجال الدين يتمسكون بتصوير ذلك على أنه تقليد للغرب المتحرر.
ويرى فريق عقلاني أن الشبان والفتيات الذين يميلون إلى المساكنة ضحية انهيارات سريعة للعلاقات الزوجية، لذلك أصبح بعضهم يتمسك باختبار العلاقة على مستوى النضج والتأكد من عدم الارتباط الرسمي دون دراسة، بحيث يكون قرار الزواج مبنيا على رؤية صائبة، ما يفرض على المؤسسة الدينية أن تساهم في حل أزمة الطلاق قبل المساكنة.
وأكد الباحث المتخصص في العلاقات الاجتماعية وتقويم السلوك بالقاهرة عادل بركات أن إشكالية المساكنة لن تحل فقط بالترهيب الديني، لأن الكثير من الأجيال الجديدة لا تروق لها فكرة الوصاية المجتمعية والأسرية والدينية، والمفترض أولا مناقشة تلك القضية بشكل عقلاني دون اختزال الحل في إصدار أحكام تعقد الأزمة وتكرس تمرد الشباب.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الفجوة بين المجتمع والأجيال الجديدة تتسع لغياب لغة الحوار والتفاهم، وهذا في حد ذاته سيقود إلى المزيد من المساكنة والزواج السري بما يهدد قدسية مؤسسة الزواج التقليدي، ويجب فتح حوار جاد ونقاش عقلاني بعيدا عن رسم علاقات الأجيال الصاعدة وفق حدود الحلال والحرام، لأن هذا الخطاب مرفوض عندها.”
وأكد بركات أنه “من الصعب وجود أرضية مشتركة لمناقشة المساكنة ما لم تبدأ المعالجة بإقرار الحريات الشخصية، واعتراف المجتمع بأنه شريك في الخلل الذي أصاب سلوكيات بعض الشباب بشكل دفعهم إلى التمرد على الزواج، ولم يعد هناك بديل عن ترك الحرية للأجيال الجديدة لتؤسس حياتها وفق طموحاتها لا وفق وصاية المحيطين.”
ويتفق متابعون على أن الوصول إلى تلك المرحلة من النضج المجتمعي والأسري ليس بالأمر الصعب، لكن العبرة في وجود مرونة من العائلة نفسها في اختيارات الأبناء، دون إكراه الفتاة على شاب معين بشكل يجعلها تبحث عن بديل خارج المنزل، أو التدخل في حياة شاب يرفض طقوس المجتمع، لأن المتمرد بطبعه لا ينحني أمام الترهيب، ولو كان بصبغة دينية.
المصدر : صحيفة العرب