كتب .. احمد عبد اللاه
ممنوع الاقتراب من “دولة صنعاء”، لا سلماً ولا حرباً، فهي مملوكة حصرياً لأصحاب الصرخة المدوية. وبالرغم من أن الغرب والشرق اعتبروا أنصار الله سلطة أمر واقع ورفعتهم خريطة السلام المفترضة مكاناً عَليّا، إلا أنهم لم يكتفوا، بل أنهم، رغم المتغيرات الاقليمية، (مكمًلون) لمسيرتهم الإيمانية و (ماضون) في تثبيت سلطة فوق الواقع. ومن يجرؤ على المقاومة من الداخل أو من الخارج سيُواجه بردٍّ باليستي من حُماة الأطواد وكهوف التاريخ.
في المقابل ممنوع تغيير حالة الستاتيكو التي تعيشها “المناطق المحررة” وكذلك خارطة التوازنات بين القوى المتحالفة، مع استمرار التجزئة جنوباً. و إبقاء مجلس القيادة الرئاسي (الاوكتاجون)، المصاب جينياً بالعقم، في حالة تبعية مطلقة دون حراك سياسي أو اقتصادي عدا تصريف الأموال وتوزيع المناصب. و الحرص على إبقاء حالة الحكم الكليبتوقراطي برؤساء حكومات من الصنف القادر على تحمُّل عبء لا أخلاقي تجاه بؤس المجتمع. خاصة أولئك الذين رفعت شأنهم أرصفة “الربيع العربي”. ولعل اسوأ ما فعلته دول التحالف أنها منحت القيادات استضافة تاريخية مفتوحة في قصورها ومارست بالمال الاحتواء الناعم للإرادات.
دول التحالف العربي الآن منشغلة باللحاق بموجة التحولات الكبرى التي تجتاح الشرق الأوسط: سوريا تخوض غمار تجربة ملتبسة لهيئة الشرع مع الـ “نيولوك” بمرجعية تركيّة، ولبنان يبدأ مرحلة التوازنات الجديدة أو بالأصح اعادة تموضع الحالة الطائفية بعد إضعاف حزب الله، والعراق يجرب الاحتواء النظيف للانفلات المليشياوي و فلسطين ترقد تحت ركام غزة، بينما الشرق والغرب بانتظار الرجل الذي يعيد للإمبريالية فتوّتها القادرة على تحويل العالم إلى بازارات وموارد.
تلك الصورة تضع دول التحالف وفي مقدمتها المملكة السعودية على السجاد الأسطوري، أو بساط الريح، في رحلات استكشاف الارتدادات الجارفة بعد انقشاع غبار المعارك لترى اين مكانتها الجديدة وكيفية إحياء عناصرها المفقودة في المعادلات الاقليمية. كما أنها تتهيأ مالياً لمواجهة الاستحقاقات الترامبية في المرحلة الإمريكية الأشد حساسية منذ بدء مشوار العلاقات المتأرجحة التي أسسها “الرجل الأسود في البيت الأبيض” قبل أكثر من عقد ونصف. يترتب على كل ذلك انشغالات وموازنات لاسيما في شراء الدعم الأمريكي وإعادة إعمار الديار المدمرة وتصفية ركام الحروب في غزة وبيروت والمدن السورية عداك عن الجار (الشقي البقي) المؤجل حتى يفرغ الشنفرى من كتابة لاميَّته.
ذلك الأخير هو يمن “انصار الله”، ومن معهم، الذي أشعل ايضاً حرب الممرات المائية و مايزال يعيش حالة الذراع المنفلت أو المصاب بمتلازمة توريت، لا يملك كونترول على الصرخة ولا خيال خارج قصبة البواريد. فكيف ومتى يتعامل العالم معه؟! البيانات العملياتية شبه اليومية من صنعاء تطورت إلى موسوعة حربية يقتات عليها اتباع الممانعة الخالصة لوجه الفقيه الزجاجي المضاء بدماء كربلاء. بينما الشعب ينقرض فيزيائياً و سيكولوجياً، “لا إزميل فدياس ولا خمرة باخوس ولا روح عبقرية (مع الاعتذار للشاعر السوداني صلاح أحمد)، حتى ان ذاكرته الجمعية تحتاج إلى عقود قادمة لإعادة تأهيلها لاستبيان وتصفح ملفات الماضي ومحاولة تهجئة فواتح ما فات من الأعمار.
انصار الله ذبحوا الشعب من الوريد إلى الوريد والتحالف المنقذ، الذي جاء (يكحلها فأعماها)، مايزال في حيرة من امره هل يختار السلام على طريقة الخروج الآمن ام الانتظار إلى حين ميسرة واعتماد الصبر الاستراتيجي لاتاحة الفرص لسلسلة الأزمات العربية أن تهمد و تتفكك حلقاتها أو ربما الترقّب حتى يصل (إيلون ماسك) إلى المريخ، ثم يبدأ في التفكير أين يضع صنعاء وعدن في مصفوفة الشرق الجديد.
دول التحالف من ناحية اخرى منهمكة في قضاياها التنموية وعلاقاتها مع بلدان العالم وفي تجديد رياحها بعد أن استراحت المنطقة نسبياً من الغيلان الفارسية. لكنها تتناسى وبعد عشر سنوات أن حرائق الحديقة الخلفية (كما تراها) قد تدفعها دفقة هواء عابرة إلى المنازل و ساكنيها، وأن لا منزلة بين منزلتين، سلام عادل أو الخيار السيء الذي لابد منه.
احمد عبد اللاه