كريتر نت – متابعات
أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في يناير الجاري، جولة أفريقية شملت تشاد وناميبيا والكونغو ونيجيريا، لبحث سبل تعزيز التعاون بين بلاده والدول الأربع.
وجاءت الجولة في ظل تراجع نفوذ فرنسا في القارة السمراء، واهتمام دول بينها روسيا باستثمار هذا التراجع، وبالتزامن مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتسعى دول أفريقية للاستفادة من تجربة الصين في البنية التحتية، وزيادة الاستثمار، إذ ترغب ناميبيا مثلا، صاحبة خامس أكبر احتياطي لليورانيوم عالميا، بجذب المزيد من الاستثمارات في قطاع التعدين بمساعدة بكين. وتعد الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا على مدار 15 عاما متتالية، عبر تجارة بقيمة 282.1 مليار دولار عام 2023، كما أنها أكبر مستثمر بالقارة.
ويرى محللون أن زيارات المسؤولين الصينيين المتتالية لأفريقيا تدخل في سياق المنافسة الكبيرة بين الدول العظمى، وخاصة دول أوروبا والولايات المتحدة، على موارد وأسواق القارة السمراء.
ويتوقع المحللون أن تغير واشنطن سياستها تجاه أفريقيا في عهد ترامب، على عكس سلفه جو بايدن الذي زار أفريقيا مرة واحدة خلال ولايته بين عامي 2021 و2025.
وبين 6 و9 يناير الجاري، زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي 4 دول أفريقية، هي تشاد وناميبيا والكونغو ونيجيريا، ضمن مباحثات مكثفة لتعزيز التعاون، لاسيما الاقتصادي.
وتندرج هذه الجولة في إطار تقليد مستمر منذ 35 عاما، وفق بيانات منفصلة للدول المعنية، “في إطار تعزيز العلاقات الثنائية، ما يدل على أهمية التعاون مع الصين.”
وقال رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة بالمغرب (أهلي) رشيد ساري إن “الصين أكبر مستثمر بأفريقيا، بفضل عملها على تقوية علاقاتها بالقارة، بعدما كان اهتمامها منصبا على آسيا وأوروبا.”
وأضاف أن “هذا الاهتمام انطلق بشكل كبير منذ إعلان الصين عن مبادرة الحزام والطريق عام 2013، التي انخرطت فيها دول أفريقية عديدة.”
و”الحزام والطريق” مبادرة صينية تُعرف أيضا بـ”طريق الحرير” للقرن الحادي والعشرين، وتهدف إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية لربط أكثر من 70 دولة.
وتتضمن المبادرة إنشاء حزام بري من السكك الحديدية والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، إضافة إلى طريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، بكلفة إجمالية تريليون دولار.
وأرجع ساري اهتمام الصين بأفريقيا إلى “توفر القارة على مواد خام، خاصة المرتبطة بالتكنولوجية الحديثة، مثل الكوبالت،” الذي يستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
وفي أغسطس الماضي، أفاد تقرير صادر عن مكتب المجموعة القيادية لتعزيز مبادرة “الحزام والطريق” (رسمي) بأن الصين ظلت أكبر شريك تجاري لأفريقيا للعام الـ15 تواليا، وفق وكالة الصين الرسمية (شينخوا).
وذكر المكتب أن الصين فرضت تعريفات جمركية صفرية على 98 في المئة من المنتجات الخاضعة للتعريفات الجمركية من 27 دولة أفريقية أقل نموا.
ووقَّعت الصين اتفاقيات ثنائية لتعزيز وحماية الاستثمار مع 34 دولة أفريقية، إضافة إلى اتفاقيات لتجنب الازدواج الضريبي مع 21 دولة أفريقية، حسب التقرير.
وفي 2023، بلغ حجم التجارة بين الصين وأفريقيا 282.1 مليار دولار، مسجلا رقما قياسيا جديدا للعام الثاني تواليا، فيما تجاوز حجم الاستثمار الصيني المباشر في القارة 40 مليار دولار في 2023.
وظهر الحضور الصيني القوي في أفريقيا، وفق ساري، في ظل العلاقات الباردة بين الولايات المتحدة ودول القارة خلال عهد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن.
وقال إن “زيارات المسؤولين الصينيين المتتالية لأفريقيا تدخل في سياق المنافسة الكبيرة بين الدول العظمى حول أفريقيا، خاصة الأوروبية والولايات المتحدة.”
وأضاف ”التواجد القوي للصين في أفريقيا مؤخرا يأتي في ظل تراجع الاهتمام الأميركي بالقارة في عهد بايدن، الذي لم يزر أفريقيا إلا نادرا، منها زيارته لأنغولا.”
وفي ديسمبر الماضي، أي قبل نحو شهر من انتهاء رئاسته، زار بايدن أنغولا وجزيرة الرأس الأخضر، لعرض مشروع السكك الحديدية المدعوم من واشنطن، ضمن مساعيها لمواجهة نفوذ الصين.
وهدفت زيارة بايدن الوحيدة لدفع مشروع ممر “لوبيتو” لتطوير السكك الحديدية بين أنغولا وزامبيا والكونغو.
ويندرج المشروع ضمن المنافسة مع الصين للحصول على المعادن المستخدمة في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية وتقنيات الطاقة المتجددة.
ورأى ساري أن “قدوم ترامب يمكن أن يغير المعادلة، لأنه رجل أعمال ويهدف إلى الرفع من مصالح بلاده التجارية في القارة.”
وتوقع أن تتغير السياسة الأميركية تجاه أفريقيا في عهد ترامب (بدأت ولايته الرئاسية في 20 يناير الجاري)، وهو ما يدفع الصين إلى تقوية حضورها في القارة.
ورجح أن تعيد واشنطن النظر في العلاقات الأميركية الأفريقية، وتعمل على بناء علاقات قوية مع العمق الأفريقي.
وحذر ساري من ارتفاع ديون بعض الدول الأفريقية من خلال انخراطها في مشاريع مشتركة مع الصين.
وأوضح أن “الخطير في الأمر هو أن الصين تبني علاقة مع بعض الدول الأفريقية وفق شروط بكين، ما يورط هذه الدول، كما حدث لمطار أوغندا الذي أنجزته الصين، ثم تعثرت أوغندا في تسديد ديونه.”
وفي 2021 نفت الصين صحة تقارير إعلامية غربية عن اعتزامها الاستحواذ على المطار، مستغلة تعثر أوغندا في تسديد الديون.
واتهم وزير الخارجية الصيني، في أغسطس 2023، وسائل إعلام غربية بالترويج لنظرية “فخ الديون.”
واعتبر هذا “ازدواجية معايير، فالديون المستحقة للولايات المتحدة استثمار، وديون الصين فخ.
” وتابع “إذا كان هناك أي فخ في أفريقيا حقا، فهو فخ الفقر والتخلف، اللذين ينبغي التخلص منهما في أقرب وقت ممكن.”
وأفاد بأن نسبة الصين من إجمالي الدين الخارجي الأفريقي تبلغ 17 في المئة، وهي أقل بكثير من نسبة الغرب.
واستدرك ساري “رغم مشكل تمويل المشاريع، إلا أن بكين تبني علاقات مع بعض الدول في إطار علاقة رابح- رابح،” أي تحقق استفادة للطرفين.
ورأى ضرورة أن تتكفل الدول الأفريقية بتشييد البنى التحتية، بينما تخصص أموال الاستثمارات الصينية للمشاريع الاستثمارية الإستراتيجية، حتى لا تبدد هذه الأموال على بنى تحتية متهالكة.