رشا عمار
صحفية مصرية
في محاولة لتقصي تاريخ العنف المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها، أصدر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة كتاباً جديداً تحت عنوان: “تنظيم الإخوان المسلمين والعنف: الأفكار، الانتشار، الأنماط، الممارسات”، يتناول في (6) فصول تاريخ العنف وتأصيله داخل الجماعة، وكيف أوجدت له إطاراً شرعياً ووظفته ضد الأنظمة العربية التي تعاديها.
يُفنِّد الكتاب، بحسب قراءة يقدمها الدكتور إبراهيم غالي، المستشار الأكاديمي، رئيس برنامج دراسات آسيا والمحيط الهادئ بالمركز، الأبعاد المختلفة لارتباط الإخوان المسلمين بالتطرف والعنف والإرهاب، من خلال دراسة وتتبُع العديد من أفرع وتنظيمات الإخوان في الدول والمناطق المختلفة، منذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي حتى وقتنا الحاضر؛ ليؤكد على أنّ ممارسات العنف قديمة ومتأصلة لدى غالبية التنظيمات الإخوانية أو تلك التي تتبنّى فكر ومنهج الإخوان، وأنّ تنظيم الإخوان لم يكن أبداً معتدلاً منذ نشأته في مصر عام 1928، بل هو تنظيم شديد التطرُف، يُحرِّض على العنف، ويستخدمه بشكل مباشر وغير مباشر، وصولاً إلى تشكيل مجموعات وخلايا إرهابية، كما حدث في أعقاب سقوط المشروع الإخواني في المنطقة العربية في الأعوام القليلة الماضية.
في (6) فصول، (415) صفحة، يقدّم الكتاب تحليلاً لهذا الارتباط الإخواني بالعنف والتطرُّف من خلال التأصيل الفكري والسياق التاريخي للعنف عند التنظيم منذ التأسيس، وكيف تشكّلت منذ ذلك الوقت منظومات فكرية إخوانية، قادت لأن تُمارِسَ تنظيمات الإخوان أنماط العنف المتعددة بصورة دائمة، ولكن مع اختلاف الأساليب وفقاً لكل حالة؛ سواءً أكان عنفاً فكرياً، أم عنفاً مجتمعياً، أم عنفاً سياسياً، وصولاً إلى تشكيل جماعات مُسلَّحة في بعض الدول، وإنشاء روابط مع التنظيمات الإرهابية الإقليمية والعالمية، مثل القاعدة وغيرها، أو ممارسة العنف بالوكالة، اعتماداً على دعم تنظيمات وميليشيات مختلفة.
أصول العنف عند الإخوان
يبدأ الكتاب بفصل تحت عنوان “التأسيس التاريخي والتأصيل الفكري للعنف عند الإخوان المسلمين”، الذي أعده عبد الجليل الشرنوبي، الباحث المتخصص في شؤون تنظيمات الإرهاب والتطرف، حيث يُشرِّح جذور العنف الإخواني من خلال دراسة أفكار المؤسِّس حسن البنا؛ ثم يتناول الأستاذ الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة ومدير مكتبة الإسكندرية والخبير المتخصص في علم الاجتماع السياسي وعلم الاجتماع الديني، في الفصل الثاني، تحت عنوان: “آليات صناعة العنف عند جماعة الإخوان.. دراسة خاصة للحالة المصرية”، يتناول أشكال صناعة العنف، ووظائفه السياسية، والآليات المُستخدَمة فيه، من جانب تنظيم الإخوان في مصر، لأنّها دولة المنشأ من جانب، ولأنّ كافة أنماط العنف المذكورة في هذا الفصل قد طبقَتْها غالبية أفرع التنظيم في دول أخرى عديدة من جانب آخر.
العنف وسيلة لفرض الوجود السياسي
وتحت عنوان: “الممارسات العنيفة للإخوان المسلمين في دول المنطقة العربية”، كتبه بالمشاركة خالد عكاشة مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والدكتورة دلال محمود أستاذة العلوم السياسية بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة؛ يتناول الفصل الثالث من الكتاب جذور العنف تاريخياً لدى تنظيمات الإخوان في الدول العربية، وماهية أنماط العنف المُستخدَمَة من قِبَلِها، ومدى الاعتماد عليها في فرض وجودهم السياسي، فضلاً عن حدود الارتباط بين استخدام الإخوان العنف المباشر وغير المباشر في السياقات العربية منذ التأسيس حتى مرحلة ما بعد الثورات العربية في عام 2011.
ولأنّ الحديث عن عنف الإخوان لا يدور بالطبع في المنطقة العربية فقط، يُناقِش الكتاب في الفصل الرابع “العنف والتطرف لدى تنظيمات الإخوان المسلمين في آسيا”، والذي أعده الدكتور إبراهيم غالي، مُحرِّر الكتاب، والمستشار الأكاديمي ورئيس برنامج دراسات آسيا بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ويُقدِّم هذا الفصل التأصيل الفكري للجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، ويتتبع دراسة حالات بعض الدول، وهي باكستان وبنجلاديش وأفغانستان وإندونيسيا وماليزيا.
إرهاب عابر للقارات
وتحت عنوان “دور تنظيمات الإخوان المسلمين في نشر العنف والتطرف في أفريقيا”، يتناول الأستاذ الدكتور “حمدي عبد الرحمن حسن” أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد في الإمارات العربية المتحدة، وكليّة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في الفصل الخامس، الملامح الرئيسية التي تُميِّز الدور السياسي والاجتماعي للإخوان المسلمين في قارة أفريقيا، من خلال دراسة حالة عنف الإخوان المسلمين في السودان عَبْرَ مراحلها المختلفة، ثم دراسة حالة القرن الأفريقي، بالتركيز على حركة الإصلاح في الصومال، علماً أنّ السودان والصومال دولتان عربيتان، ولكن تمّت دراستهما في هذا الفصل نظراً لامتدادات تنظيمات الإخوان بهما في بعض دول القارة الأفريقية مثل تشاد وإريتريا. كما يناقش الفصل التنظيمات ذات التوجهات الإخوانية في نيجيريا، ودور بعضها في نشر العنف والتطرف.
الفصل السادس جاء تحت عنوان: “الخطاب المُزدوَج… العنف المُضمَر للإخوان المسلمين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية”، وفيه يناقش الدكتور “سامي مروان مُبيّض” الأكاديمي والكاتب والمؤرخ السوري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة تاريخ دمشق، أبرز أنماط العنف الإخواني في أوروبا والولايات المتحدة، سواء من حيث العنف الفكري المرتبط بـ “أسلمة” الغرب كجزءٍ من الجهاد الحضاري للإخوان، أو من خلال الخطاب المُزدوَج والمتناقِض لقيادات الإخوان بشأن الموقف من العنف والتطرف والإرهاب، مع تقديم بعض الأمثلة على العنف الحركي الذي تُمارِسه تنظيمات وكوادر إخوانية داخل أوروبا والولايات المتحدة، وأبرز الإجراءات والتحركات التي اتخذتها بعض الدول الغربية لمواجهة تطرُّف التنظيمات التابعة للإخوان المسلمين ومحاولات تصنيفهم جماعةً إرهابية.
المصدر : حفريات