الحبيب الأسود
عادت أزمة احتجاجات حراك الهلال النفطي لإغلاق منشآت نفط الليبية وعرقلة الإنتاج بسبب مطالب للتنمية لم يتم تنفيذها بعد تعهدات سابقة من قبل الحكومة، ولا تخلو هذه الاحتجاجات من أهداف سياسية لإبراز من يتحكم في هذا الملف.
وعاد ملف النفط ليتصدر المشهد الليبي بعد صدمة إغلاق اثنين من أهم الموانئ الليبية المتخصصة بشرق البلاد الثلاثاء بسبب تجدد الاحتجاجات ودخول عصب الاقتصاد الوطني في الصراعات والمزايدات بين القوى المتنافسة على السلطة.
وقالت مصادر مطلعة، أن احتجاجات اجتماعية حالت دون انطلاق شحنات من النفط الليبي من مينائي راس لانوف والسدرة نحو الأسواق الخارجية. وأضافت أن ذلك يعني عرقلة تصدير ثلث الانتاج النفطي الليبي باعتبار أن الميناءين المذكورين يشهدان تحميل أكثر من 400 ألف برميل يوميا.
ومنع محتجون الحاملة “ألفا فينلانديا” من دخول ميناء السدرة لشحن 600 ألف برميل، وطالبوا بوقف عمليات التحميل والتصدير من مينائي راس لانوف والسدرة، ما أدى لتوقّف الناقلة الموجودة في ميناء السدرة عن تحميل النفط. ما يؤثّر على حركة التصدير من الموانئ النفطية.
وينطلق المحتجون في موقفهم من أن منطقتهم تعاني مما وصفوه بـ”التهميش وضعف الاستفادة من الموارد” في وقت تتواجد فيه حقول نفطية ترفد الاقتصاد الوطني.
وقال أحد قادة الاحتجاج “نحن لسنا ضد أي منطقة في ليبيا، لكننا نطالب بحقوقنا فقط. منطقتنا هي مصدر الثروة، لكنها تعاني من الإهمال والتهميش وكأنها أرض مجهولة على خارطة التنمية الوطنية.”
وتساهم هذه الاحتجاجات والتوترات الأمنية والسياسية في عرقلة خطط الإنتاج حيث توقع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة أن يتجاوز إنتاج النفط مليوني برميل يوميا في وقت قريب بشرط استمرار مشاريع التطوير دون عقبات.
لكن مراقبين أكدوا أن ديمومة وتطور الإنتاج يحتاجان إلى جملة من الاشتراطات من بينها السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي والتوزيع العادل للثروة وتحييد النفط عن الصراعات والمزايدات بين القوى المتنافسة على السلطة.
وتستبعد أوساط ليبية أن يكون إغلاق ميناءي راس لانوف والسدرة من دون تنسيق مباشر مع القيادة العامة للجيش التي تبسط نفوذها على أكثر من 90 في المئة من مواقع إنتاج وتصدير الطاقة، مشيرة إلى أن الاحتجاج يحمل جملة من الرسائل لأطراف داخلية وخارجية مفادها أن القرار الأول والأخير بخصوص الثروة النفطية يعود لسلطات بنغازي لا لحكومة الدبيبة التي تقدم نفسها على أنها المالكة الحصرية لقرارات استكشاف وإنتاج وتصدير النفط في ليبيا.
وفي الخامس من يناير الجاري، هدّد حراك منطقة الهلال النفطي بإقفال حقول وموانئ النفط، في حال لم يتم نقل مقار خمس شركات نفطية إلى منطقة الهلال النفطي، وأمهل المؤسسة الوطنية للنفط، أسبوعين لتنفيذ مطالبهم المتعلقة بنقل إدارات شركات الواحة والزويتينة والهروج والسرير والمبروك للعمليات النفطية، قبل إقدامها على وقف ضخ النفط.
وقال الحراك في بيان إن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز التنمية المحلية في المنطقة وتوفير فرص عمل لأبناء الهلال النفطي، وتأتي في إطار المطالبة بحقوق المنطقة التي تعد شريانا حيويا لإنتاج النفط في ليبيا، حيث تضم أهم الحقول والموانئ التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني.”
وفي 21 يناير، طالب الحراك المؤسسة الوطنية للنفط بعدم تجاهل مطالبهم المشروعة التي تشمل نقل مقار خمس شركات نفطية إلى منطقة الهلال النفطي، وأضاف أن المنطقة التي تعد الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني، تعاني من الإهمال والتهميش المستمر، رغم دورها المحوري في دعم الاقتصاد الليبي، مشيرا إلى أن المؤسسة الوطنية للنفط لم تستجب للمطالب بعد انتهاء المهلة التي حددها الحراك، مهددين باتخاذ خطوات تصعيدية عاجلة تشمل إغلاق الحقول والموانئ النفطية حتى تحقيق مطالبهم.
وشدد قادة الحراك على أنهم لا يطالبون سوى بحقهم العادل في تنمية مناطقهم، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد الوطنية لتحسين الظروف المعيشية لسكان الهلال النفطي.
والهلال النفطي هو حوض نفطي ليبي، يمتد على طول 205 كلم من طبرق شرقا إلى السدرة غربا، وتحتوي المنطقة الواقعة بين مدينتيْ سرت وبنغازي على 80 في المئة من قطاع الطاقة المقدر حجمه بأكثر من 45 مليار برميل نفط، و52 تريليون قدم مكعب من الغاز.
وتعد حقول السرير ومسلة والنافورة من أكبر حقول الهلال النفطي، وهي تنتج مجتمعة نحو 60 في المئة من إنتاج البلاد النفطي، كما تقع في المنطقة أكبر مجمعات تكرير النفط وموانئ تصديره إلى العالم.
وطلب رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط مسعود سليمان موسى، من رئيس هيئة الرقابة الإدارية، عبدالله قادربوه، ضرورة تأمين المخصصات المالية لتجنب تعطيل إمدادات الوقود.
وجاء ذلك خلال استقبال قادربوه بمكتبه لموسى لمتابعة أداء المؤسسة، ومناقشة المشاريع المتعلقة بقطاع النفط، وبحث العراقيل والصعوبات التي تواجه عمل المؤسسة وتلافيها، واستعراض بدائل نظام المبادلة في توريد المحروقات بما يحافظ على المال العام وصيانته ويحقق عوائد اقتصادية للبلاد، بحسب بيان رسمي.
وأضاف البيان “أكّد رئيس الهيئة خلال اللقاء على ضرورة تسخير كافة الإمكانات وبذل أقصى الجهود لرفع إنتاج النفط وتحقيق عوائد مالية لميزانيات الدولة في ظل وجود تداعيات عالمية لخفض إنتاجه؛ مثنيا على جهود المؤسسة في زيادة الإنتاج خلال العام 2024 حاثا العاملين بهذا القطاع على مواصلة الجهود في ذلك.”
وتابع “أكد رئيس المؤسسة التزامه بضمان تدفق الوقود لضمان تشغيل المرافق الحيوية في البلاد، ومشيرا إلى أهمية مرونة النظام المالي لتجنب تعطيل إمدادات الوقود، وضرورة تأمين المخصصات المالية الضرورية.”
وكان إنتاج النفط والغاز في ليبيا سجل الأحد الماضي رقما قياسيا بلغ 1.65 مليون برميل، وقالت المؤسسة الوطنية للنفط إن معدلات إنتاج ليبيا من النفط الخام يوم الأحد الماضي بلغت مليونا و410 آلاف و38 برميلا يومياً، فيما بلغ الإنتاج من المكثفات 43 ألفا و675 برميلا، كذلك سجلت مؤشرات إنتاج الغاز ما قيمته 199 ألفا و931 برميلا مكافئا، بإجمالي مليون و653 ألفا و644 برميل.
وأعلنت المؤسسة أن معدلات إنتاج ليبيا من النفط الخام بلغت الثلاثاء 1.413.705 برميل يومياً، ومن المكثفات 45.674 برميل، وأوضحت أن مؤشرات إنتاج الغاز سجلت ما قيمته 203.207 برميل مكافئ ليكون إجمالي الإنتاج قد بلغ 1.662.586 برميل يومياً.
واستطاعت ليبيا خلال عام 2024 تحقيق إنجاز استثنائي بتجاوز هدفها المعلن لإنتاج النفط، إذ بلغ الإنتاج مليونا و417 ألفا و382 برميلًا يوميًا في آخر أيام ديسمبر 2024، متخطية المعدل المستهدف البالغ مليونا و400 ألف برميل يوميًا.
وكانت الإيرادات النفطية تراجعت خلال العام 2024، وأعلن مصرف ليبيا المركزي أن هذه الإيرادات قد انخفضت بنسبة 23 في المئة تقريبا، لتصل إلى 76.7 مليار دينار (15.50 مليار دولار) من 99.1 مليار دينار في 2023، وهو ما ردته الجهات الحكومية إلى إغلاق الحقول النفطية في أغسطس وسبتمبر الماضيين بسبب الخلاف بين سلطات طرابلس وبنغازي على منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي.
المصدر : العرب