سامح إسماعيل
كاتب مصري
تصاعدت حدة المواجهات على الجبهة الروسية الأوكرانية، بشكل متسارع، مع رغبة موسكو في حسم الأمر على الأرض بأسرع وقت ممكن.
وفي هذا السياق أطلقت روسيا وابلاً من الطائرات بدون طيار، يقدر بنحو (123) طائرة، ونحو (40) صاروخاً على أوكرانيا، ممّا أسفر عن مقتل (15) شخصاً، وإلحاق أضرار جسيمة بعشرات المباني السكنية، والبنية الأساسية للطاقة في جميع أنحاء البلاد.
وفي المقابل، أعلن حاكم منطقة بيلغورود الروسية، المتاخمة لأوكرانيا فياتشيسلاف جلادكوف، أنّ مدنيين قُتلا بعد تعرّض المنطقة لعدة هجمات بطائرات أوكرانية بدون طيار.
بدورها أفادت وزارة الدفاع الروسية أنّ القوات الروسية أسقطت (44) طائرة بدون طيار أوكرانية، ودمرت نظام إطلاق صواريخ (HIMARS) أمريكي الصنع.
وقالت إنّ قواتها شنت هجمات استهدفت مواقع الغاز والبنية التحتية الأخرى للطاقة في أوكرانيا، وأسقطت (108) طائرات بدون طيار أوكرانية، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، حسبما ذكرت وكالات الأنباء الروسية.
كما وقع انفجار هائل في مركز تجنيد تابع للجيش الأوكراني، في مدينة ريفني بغرب البلاد، أسفر عن مقتل شخص وإصابة (6) آخرين.
ويتولى المركز إدارة السجلات العسكرية وصيانتها، وهو مسؤول عن تجنيد الرجال في الجيش.
تقدم ميداني روسي واسع النطاق
منذ الأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني (يناير) الفائت تشن القوات الروسية هجمات عنيفة على محاور القتال المختلفة، وقد سيطرت موسكو على فيليكا نوفوسيلكا، وهي بلدة ذات أهمية استراتيجية كبيرة في الجزء الغربي من منطقة دونيتسك، وتقع البلدة على بعد حوالي (15) كيلومتراً فقط من الحدود الإدارية مع منطقة زابوريزهيا، وعلى بعد (20) كيلومتراً من منطقة دنيبروبيتروفسك، وهي منطقة لم تتعرض للاحتلال الروسي حتى الآن؛ الأمر الذي يمثل مكسباً كبيراً للقوات الروسية في منطقة دونيتسك، منذ السيطرة على كوراخوف في وقت سابق من كانون الثاني (يناير) الفائت.
اللواء الآلي (110) الأوكراني، الذي ينتشر في المنطقة، اعترف بالانسحاب من أجزاء من البلدة بداعي تجنب الحصار.
ولفت إلى أنّه أعاد نشر قواته عند الجزء الجنوبي من البلدة لاستنزاف القوات الروسية، بالتزامن مع غارات روسية عنيفة.
القوات الروسية ربما ستواجه صعوبة في المضي قُدماً في هجومها؛ حيث يشكل نهر موكري يالي عقبة أمام تقدمها، لكنّها لا تملك قراراً آخر، حيث إنّ توقفها يعني تحولها إلى مجرد جيب ناري ضعيف، يمكن القضاء عليه فيما بعد.
وتتواصل المعارك بأعلى مستويات العنف في منطقة دونيتسك، وتستمر القوات الروسية في التقدم، وإن كان ببطء. فمنذ خريف العام 2024 حققت القوات الروسية مكاسب عملياتية هائلة في جنوب منطقة دونيتسك، بما في ذلك المناطق القريبة من توريتسك وتشاسييف يار، بينما تقدمت بالقرب من كوبيانسك، وعلى الأراضي الروسية في منطقة كورسك.
القوات الروسية كثفت كذلك هجماتها بالقرب من بوكروفسك في منطقة دونيتسك، ونشرت مجموعات مقاتلة صغيرة، في محاولة لتطويق القوات الأوكرانية.
كما تشهد المنطقة القريبة من بوكروفسك، وهي مركز لوجستي رئيسي للقوات الأوكرانية، قتالاً عنيفاً منذ عدة أشهر.
النقطة المحورية للهجوم الروسي
في الوقت الحالي هناك عدد كبير من الاشتباكات الصغيرة بالقرب من بوكروفسك؛ حيث يحاول الروس دخول بوكروفسك وتطويقها من الغرب بمجموعات صغيرة.
وتظل بوكروفسك النقطة المحورية الرئيسية للهجوم الروسي الشرقي، الذي دخل الآن شهره الخامس.
وذكرت هيئة الأركان العامة الأوكرانية أنّ القوات الروسية تواصل التقدم على محاور متعددة، بما في ذلك ليمان، وسيفيرسك، وكراماتورسك، وتوريتسك، وكوراخوف.
ويبدو من سير أعمال القتال أنّ القيادة الروسية تتجنب المعارك في المناطق الحضرية لتقليل الخسائر البشرية الكبيرة.
وعلى الرغم من هذه الجهود فشلت موسكو حتى الآن في الالتفاف حول بوكروفسك وقطع طرقها اللوجستية.
وبشكل عام، نجحت روسيا في الاحتفاظ بتماسكها على خط المواجهة، ثم دفع قواتها إلى الأمام في اتجاهات رئيسية؛ مثل: الحافة الجنوبية الغربية لمنطقة دونيتسك، أو منطقة كورسك الروسية.
تغييرات عسكرية في القيادة الأوكرانية
يبدو أنّ التراجع الكبير للقوات الأوكرانية كان سبباً في إقالة نائب وزير الدفاع دميتري كليمنكوف، ويبدو أنّ ذلك يأتي ضمن تغييرات أوسع نطاقاً، في ظل النتائج السيئة على خطوط المواجهة في الحرب.
كما عيّن الرئيس فولوديمير زيلينسكي، اللواء ميخايلو دراباتي، قائد القوات البرية لأوكرانيا، رئيساً لمجموعة خورتيتسيا العملياتية الاستراتيجية.
وكانت تقارير إعلامية قد أكدت أنّ رئيس الاستخبارات الحربية الأوكرانية، كيريلو بودانوف، حذّر من عواقب وخيمة ما لم تبدأ المفاوضات النهائية مع الروس، بحلول الصيف، خلال اجتماع برلماني سري.
كما انتشر تقييم منسوب إلى بودانوف، في وسائل الإعلام الأوكرانية، في وقت سابق من يوم 27 كانون الثاني (يناير) الفائت، نشرته صحيفة (أوكرينسكا برافدا) نسب فيه إلى بودانوف قوله خلال اجتماع برلماني مغلق: “إذا لم تكن هناك مفاوضات جادة بحلول الصيف، فقد تبدأ عمليات خطيرة للغاية تهدد وجود أوكرانيا ذاته”.
بدوره، قال النائب المعارض أوليكسي هونتشارينكو: إنّ بودانوف قال إنّه إذا لم يتغير شيء، فإنّ الخط الأمامي قد يبدأ في الانهيار، وستكون هناك مشاكل.
وتأتي هذه الأنباء وسط توقعات متزايدة بإجراء محادثات نهائية، بعد أن تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بجلب روسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات.
غموض حول القوات الكورية الشمالية
أكد مسؤولون أوكرانيون وأمريكيون أنّ القوات الكورية الشمالية لم تظهر على الخطوط الأمامية في أوكرانيا منذ أسابيع، وذلك بعد تكبدها خسائر فادحة.
لكن ليس من الواضح ما إذا كانت سوف تنسحب نهائياً، أم أنّها تقوم بعملية إعادة انتشار.
وبحسب التقارير، لم تظهر قوات كوريا الشمالية منذ ما يقرب من (4) أسابيع في مناطق منطقة كورسك، حيث تقاتل قوات العمليات الخاصة الأوكرانية، بحسب ما قاله المتحدث باسم الوحدة العقيد أوليكساندر كيندراتنكو.
ويأتي هذا التعليق في الوقت الذي صرّح فيه مسؤولون أوكرانيون وأمريكيون لصحيفة (نيويورك تايمز)، بأنّ القوات الكورية الشمالية تم سحبها من الخطوط الأمامية بعد أن تكبدت خسائر كبيرة.
وكان القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية أوليكساندر سيرسكي قد زعم يوم 19 كانون الثاني (يناير) الفائت أنّ ما يقرب من نصف القوة الكورية الشمالية، التي يتراوح قوامها بين (11 و12) ألف جندي، والمنتشرة في المنطقة الروسية المحاصرة (كورسك)، قُتلوا أو جُرحوا؛ بسبب نقص الخبرة في الحرب الحديثة، وتكتيكات الموجة البشرية المستخدمة ضدّ المواقع الأوكرانية المحصنة، مع تصميم جنود كوريا الشمالية على تجنب الوقوع في الأسر، حتى على حساب حياتهم، وغالباً ما اختاروا الانتحار بدلاً من الاستسلام.
وتعاني تلك القوات من حاجز اللغة، كما أنّ عناصرها ليسوا على دراية بالتهديدات التي تشكلها الطائرات بدون طيار، وانطلقوا يهاجمون سيراً على الأقدام في مجموعات كبيرة، على غرار تكتيكات الحرب العالمية الثانية، ممّا جعلهم هدفاً سهلاً.
وكانت بيونغ يانغ قد أرسلت نحو (11) ألف جندي لمساعدة موسكو في جهودها الحربية، في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، بعد (4) أشهر من استيلاء أوكرانيا على أراضٍ روسية في كورسك .
وفي كانون الثاني (يناير) قالت هيئة الاستخبارات الوطنية في كوريا الجنوبية: إنّ (300) من جنود كيم قتلوا وأصيب (2700) آخرون منذ انضمامهم إلى القتال.
من جهته، قال المتحدث باسم قوات العمليات الخاصة لصحيفة (كييف إندبندنت): إنّ جنود كوريا الشمالية انسحبوا مؤقتاً من أحد محاور الجبهة، في منطقة كورسك الروسية، وجاء هذا بعدما ذكرت قناة (سكاي نيوز)، نقلاً عن قائد مفرزة من مركز العمليات الخاصة البحرية رقم (73)، أنّ القوات الكورية الشمالية انسحبت مؤقتاً من خط التماس في المنطقة الروسية المحاصرة.
وأوضح العقيد أوليكساندر كيندراتنكو، المتحدث باسم قوات العمليات الخاصة، أنّ القوات الكورية الشمالية يبدو أنّها اضطرت إلى الانسحاب مؤقتاً فقط من أحد محاور منطقة كورسك، حيث يتم نشر مُركز لقوات العمليات الخاصة رقم (73).
بدوره، أكد رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف، في وقت سابق، أنّ بيونغ يانغ تستعد لإرسال تعزيزات جديدة، معظمها وحدات من المدفعية والصواريخ.
وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) أنّ مسؤولا أمريكياً، لم يكشف عن هويته، قال إنّ قوات كورية شمالية جديدة قد تصل خلال شهرين.
المصدر : حفريات