حسن خليل
صحفي مصري
دخل الإسلام إلى السنغال عن طريق مجموعة “الولوف” العرقية في النصف الأول من القرن الحادي عشر. وفي العام 1040 انتشر الإسلام في السنغال بشكل كبير، بعد أن اعتنق الإسلام “وعر جابي”، حاكم إمبراطورية غرب أفريقيا القديمة، وقد انتشر الدين الإسلامي بين النخبة أوّلاً، وكانت الممارسات الإسلامية الأولى في السنغال مقتصرة على الأرستقراطيين والطبقة الحاكمة، قبل أن ينتشر الإسلام بين العوام.
والتصوف في السنغال له انتشار واسع جداً بين أتباع الدين الإسلامي، وينتمي معظم المسلمين إلى إحدى الطرق الصوفية الـ (4): التيجانية، والمريدية، والقادرية، والليانية، وتأخذ الطرق الصوفية في السنغال اتجاهات وسياقات روحية متعددة، تنبع من احتياجات الناس، ومعاناتهم في الوقت نفسه، ومن هنا يأتي التنوع في العقائد والمذاهب، تحت الدين أو المذهب نفسه، وبعضها يبتعد في مضمونه عن جوهر العقيدة، نظراً لعدم قدرة أصحابه على التجريد، لكنّهم يشتركون معاً في الغايات الروحية والأخلاقية نفسها.
هذا التنوع يؤكد الحاجة إلى صيغة سلمية لإدارة التنوع، والتعايش على هذه الأرض بين أتباع الديانات المختلفة، بل داخل الدين الواحد، وهو ما يطرح تساؤلات متعددة حول أهمية هذا التعايش في الوقت الحاضر، في ظل التعددية الدينية، ووجود الجماعات التي لا ترى إلّا نفسها داخل تلك المعادلة.
صوفي في مقام النبوة يثير الجدل
في تقرير لها، نقلت وكالة (أسوشيتد برس) فعاليات احتفال آلاف المسلمين الصوفيين في السنغال، من أتباع الطريقة الليانية، بذكرى أول ظهور علني لمؤسسها “سيدنا ليمامو لاييه” في العام 1884، حيث ترددت الأدعية والترانيم في حي يوف في داكار، في خليط بين المعتقدات الإسلامية المركزية، والشعارات الصوفية لأتباع الليانية.
وبحسب التفاصيل، امتلأت الشوارع المؤدية إلى مسجد يوف على شاطئ البحر، الجمعة الماضية، بحشود من المصلين مرتدين أردية بيضاء، ترمز إلى النقاء والمساواة أمام الله. وقد شهد التجمع المعروف باسم “لابيل” أي الدعوة، الاحتفال بالذكرى السنوية الـ (145) لإعلان “سيدنا ليمامو لاييه” المثير للجدل بأنّه ولي في مقام النبوّة.
واكتسبت الطريقة الليانية شهرة كبيرة، على الرغم من أنّها أصغر من الطرق الصوفية الأخرى في السنغال، مثل: المريدية أو التيجانية، ونالت اهتماماً بسبب معتقداتها المميزة، بما في ذلك الادعاء بأنّ مؤسسها كان تجسيداً للولاية في مقام النبوّة.
ويقول شيخ بابو، أستاذ التاريخ بجامعة بنسلفانيا والمتخصص في الصوفية في غرب أفريقيا: “لم أرَ قط أيّ طريقة صوفية تكون فكرة التناسخ محورية فيها كما هو الحال مع طريقة لاييني، إنّها لا تشبه أيّ طريقة أخرى في السنغال، أو في أيّ مكان آخر في العالم الإسلامي”.
ولعل السياق التاريخي الذي ظهرت فيه تلك الطريقة ألقى بظلاله على معتقدات أتباعها، حيث الاستعمار وتجارة العبيد، ونهب ثروات البلاد، فالتمس هؤلاء النجاة في أحد البشر، دون أن يتخلوا عن معتقداتهم الإسلامية.
الحج إلى الكهف المقدس
كجزء من الاحتفالات، يقوم المصلون بالحج إلى الكهف المقدس، حيث اعتكف “سيدنا ليمامو لاييه” لأول مرة للتأمل وتلقى الإلهام الإلهي، وفقاً للمؤمنين به.
ويظل الموقع رمزاً قوياً لصحوته الروحية، ومكاناً للتواصل بين مجتمع لايين ومؤسس الطريقة.
وقد أكدت رسالته أنّ الولاية عادت في هيئته رجلاً أسود، لاستعادة العدالة وتصحيح الأخطاء المجتمعية، بما في ذلك الأخطاء الناجمة عن العبودية.
وما تزال هذه الرسالة التي تدعو إلى المساواة العرقية والوحدة الروحية تلقى صدى لدى أتباعها حتى اليوم.
وبحسب تقرير وكالة (أسوشيتد برس)، يقول موسى لاهي، وهو أحد سكان لايين الذين حضروا فعاليات هذا العام: “إنّه فخر لكل من السود والبيض؛ لأنّ “سيدنا ليمامو لاييه” ليس نبي السود وحدهم؛ إنّه نبي عالمي. إذن هناك أناس بيض، وسود، وأشخاص ذوو بشرة صفراء، والجميع يؤمن به؛ لأنّه جلب المساواة بين الأعراق”.
ولعل المساواة المنشودة كانت السبب في استمرار تلك العقيدة الصوفية إلى اليوم، حتى وإن شذت بعض الشيء في أمور التجسيد والتناسخ، لكنّ أتباعها حافظوا على منطلقات المساواة والتراحم. فأتباع هذه الطريقة يحافظون على الصلوات الخمس، وصلاة الجماعة، ويقدسون القرآن، كما أنّهم في الوقت نفسه يؤمنون بتعاليم “سيدنا ليمامو لاييه” بحق الجميع في العدالة والمساواة، بغضّ النظر عن العرق أو اللون، وهي كلها طرق تؤدي إلى الخير ومحبة الإنسان.
المصدر : حفريات