أحمد حافظ
لم تمنع القوانين التي تجرم الختان والنصوص التشريعية الصارمة التي تعاقب مرتكبيه في مصر، من انتشار ظاهرة ختان الإناث التي تنتهك جسد المرأة وذلك لوجود تحريض سلفي يروج للمسألة على أنها جزء من العقيدة الإسلامية.
ويبرر المتشددون الرافضون لحملة الحكومة ضد ختان الإناث بوجود فتاوى سابقة من أئمة وشيوخ الأزهر تبيح هذا النوع من السلوك.
وعكست هجمة إلكترونية تعرضت لها وزارة الصحة المصرية من جانب جهات سلفية، لمجرد أن الوزارة قادت حملة لمواجهة ختان الإناث، المدى الذي وصل إليه الفقيه المتطرف فكريا، وأن صوته بات أعلى من صوت المؤسسات الدينية الرسمية – الوسطية، ما يعني استمرار التعامل مع تصرفات اجتماعية بصورة سلبية وترويجها على أنها جزء من العقيدة الإسلامية.
ورغم مبرّرات عديدة قدمتها دوائر صحية لتأكيد أن الختان جريمة نكراء بحق المرأة ويتعارض مع الدين والقانون، إلا أن الحملة أثارت حفيظة بعض رجال الدين من المنتمين إلى التيار السلفي، واتهموا الحكومة بأنها تروج لخطاب متحرر ومنحرف تنفيذا لأجندة غربية، من خلال التحريض ضد الختان.
أظهرت ردات فعل بعض الأصوات الإسلامية زيادة التمسك بتكريس الاعتقاد بأن ختان الفتاة يحصنها من الانحراف، حيث يحجم الرغبات الجنسية، والمشكلة في مواجهة هذه الثقافة أن الكثير من المتدينين لا يعرفون أن هناك قوانين تجرم الختان ونصوصا تشريعية صارمة تعاقب المحرضين أنفسهم.
يفترض أن الحكومة تملك ترسانة من القوانين التي تعاقب بها المتورطين في جرائم ختان الإناث، ووسعت دائرة حبس الآباء المتهمين في مثل هذه الوقائع، وكثيرا ما أطلقت يد القضاء لتطبيق تلك التشريعات بشكل حرفي للتخلص من تلك الظاهرة، لكن ظلت الأزمة في التحريض السلفي ضدها.
ولا يزال متشددون دينيا يبررون تحديهم للحكومة في بعض المسائل المرتبطة بالظواهر السلبية، مثل الختان والزواج المبكر، بوجود فتاوى سابقة من أئمة وشيوخ الأزهر تبيح هذه النوعية من التصرفات، أي أن الخطاب الديني من وجهة نظرهم حسم تلك القضايا ولا يجوز للحكومة أن تخالف الشرع بالقانون.
أظهرت الهجمة السلفية ضد الحكومة والمجالس المعنية بشؤون الأسرة (القومي للمرأة، القومي للطفولة) عجزا لحبس المتورطين في قضايا التحريض ضد انتهاك أجساد النساء، خاصة المتطرفين الذين أقنعوا بعض الأسر بأن الختان التزام ديني.
يفترض أن المؤسسات الدينية الرسمية حرمت فعل الختان بشكل صريح ونفت علاقته بالإسلام، لكن مشكلة رب الأسرة الذي لم يتعلم لا يصل إليه الخطاب التوعوي الذي يتبناه الأزهر أو دار الإفتاء، ولا يستوعب الفتوى أو يسمع عنها، ويقدس رأي الشيخ السلفي الذي يلتقيه في المسجد كل يوم جمعة ويؤثر في قناعاته.
وأزمة المؤسسة الدينية، إسلامية ومسيحية، أنها اكتفت بتحريم الختان وتبرئة ساحتها أمام السلطة والمنظمات الحقوقية والجهات القضائية وتوقفت عند هذا الحد دون أن تستكمل المهمة وتنزل بخطابها إلى مستوى فهم واستيعاب الفئات البسيطة الأسيرة لرأي عشوائي متشدد.
ورصدت “العرب” البعض من تعليقات السلفيين على حملة الحكومة ضد الختان، وكان بينها أن من يعترض على التطبيق آثم بدليل أن شيوخ الأزهر القدامى لهم آراء محسومة في تلك المسألة، مع أن شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب نفى أي علاقة بين الإسلام والختان.
واستند بعض المتشددين إلى فتوى منسوبة للدكتور جاد الحق علي جاد شيخ الأزهر الأسبق، مفادها “اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره، وأنه أمر محمود، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين قول يمنع الختان للنساء”.
وتتجلى مشكلة المؤسسة الدينية في التراخي عن توسيع قاعدة المواجهة الفكرية مع المحرضين لمواصلة الختان، حيث لا توجد خطبة موحدة في المساجد عن حرمة هذا التصرف، وليست هناك خطة شاملة من الأزهر ودار الإفتاء لتفنيد الحجج والأسانيد التراثية حول ختان الإناث وعلاقته بالإسلام.
ويوحي الرفض السلفي للتعامل مع الختان كجريمة بأن المتشددين يتمسكون بالوصاية على المجتمع، ويدمنون التأثير على الناس من بوابة الحلال والحرام ويخترعون نصوصا فقهية لتمرير وجهات نظرهم تحت مبرّرات واهية، مثل الكف عن نشر الانحلال الأخلاقي، والحل في تطهير عفة المرأة.
وترتبط الأزمة بإخفاق الحكومة في وضع حد للنفوذ السلفي وعدم تطبيق تشريعات ترهب تلك الفئة المحرضة على سلوكيات وتصرفات مشينة في حق السلطة، مع أن لديها ما يكفي من التشريعات الصارمة التي تستطيع من خلالها محاسبة المتطرفين.
وإذا كانت هناك مؤسسات شجاعة تقوم بدور توعوي لتفنيد حجج المتشددين، لكن العبرة في أن تكون لدى الحكومة شجاعة للدخول في مواجهة التيارات المتطرفة التي ظلت تتجنب مبارزتها لسنوات طويلة، لأن الخوف من مواجهتها قد يجلب المزيد من المخاطر المجتمعية ويجعل الأجيال الجديدة تدمن نفس أفكارها.
مشكلة رب الأسرة الذي لم يتعلم أنه يقدس رأي الشيخ السلفي الذي يلتقيه في المسجد كل جمعة ويؤثر في قناعاته
وطالما اختزل متشددون ومدّعو المحرمات المجتمعية ختان الأنثى في الطهارة والعفة وتحجيم الشهوة الجنسية للفتاة وحمايتها من الانحراف سوف يكون من الصعب على المجتمع أن يربي أجياله على الفهم الصحيح للأعضاء الجنسية، وهي مبررات أخلاقية لا يكل بعض الشيوخ عن الاحتماء بها للتحريض ضد المرأة.
أكدت عبير سليمان، الباحثة المتخصصة في قضايا المرأة بالقاهرة، صعوبة التصدي للخرافات الاجتماعية في غياب معاقبة المتشددين كمحرضين عليها، ولا جدوى من وجود تشريعات صارمة تحارب التصرفات المجتمعية الشاذة وتتعامل مع العنصر النسائي بتحقير ودونية وبلا تطبيق على من يقدمون مبررات دينية واهية على فعلها.
وأوضحت لـ”العرب” أن السلفيين نجحوا في تكريس خوف المجتمع من عدم الختان والزواج المبكر وغيرهما، وأقنعوا أتباعهم بأنها قضية دينية بامتياز، وعدم تنفيذها دعوة صريحة إلى الانحلال الأخلاقي، والخطر أنهم زرعوا في أذهان كثيرين أن عدم الختان تحرر وانحلال محرم، وهو تحد صارخ للحكومة وسلطة القانون.
وبقطع النظر عن سبب رعونة الحكومة في مواجهة تلك الفئة، فالهجمة السلفية ضد بعض المؤسسات الرسمية في مسألة الختان أظهرت أن المجتمع المصري لم يستطع بعد معالجة الخلل الفكري الذي كرسته التيارات الإسلامية في أذهان الناس منذ فترة، بسبب استمرار تلك التيارات على المتاجرة بالدين لتحقيق أغراض سياسية بحتة.
ومهما قوبلت مواقف السلفيين برفض حاسم من المؤسسات الحكومية المدنية، فإن المعضلة تبدو في آلية التسويق لأنفسهم كفصيل ديني معارض لبعض التشريعات العصرية، لأنهم يتعمدون القفز على المشهد بروايات دينية قديمة وسط عجز واضح من المؤسسات الدينية الرسمية عن الرد بالحجة والبرهان.
والأهم أن تتحلّى مؤسسة دينية تعليمية، مثل الأزهر، بشجاعة استثنائية وتبادر إلى تدريس القضايا التي يجرمها القانون ويبيحها السلفيون، مثل الختان والزواج المكبر، في معاهدها الأزهرية لإسكات صوت التشدد، لأن العبرة ليست في المواجهة بالفتوى بقدر ما يتطلب الأمر نسف الأفكار الرجعية التي كرسها الإسلاميون وأصبحت جزءا من تركيبة المجتمع.
المصدر : العرب اللندنية