د. عمر العودي
لا شك أن من يحاول فهم الفشل الذريع الذي وصلت إليه النخب السياسية اليمنية، المتمثلة في قيادات الأحزاب السياسية بشكل حصري (مع استثناء القواعد الحزبية التي حُرمت من المشاركة في صنع القرارات المتعلقة بالقضايا الوطنية المصيرية)، يتساءل: هل لو كانت تلك القيادات تمتلك رؤية لمشروع وطني حقيقي يلبي تطلعات الشعب اليمني، لكانت وصلت إلى هذا العجز والفشل في تحقيق التوافق الوطني؟
الإجابة المؤسفة التي أنتجت الفشل والتشظي، وأدت إلى الصراعات والانقلاب على الدولة وتدمير مؤسساتها، لم تكن لتحدث لو كانت تلك القيادات تعمل من أجل مشروع وطني حقيقي. بل على العكس، فإن تلك القيادات ارتمت في أحضان مراكز النفوذ الإقليمية والدولية، ولم تعد تناضل من أجل المشروع الوطني إلا كشعارات تُرفع بين الحين والآخر لأغراض استهلاكية إعلامية.
ولكي لا نعمم، فإننا نوجه الدعوة لكل من يرى أن هذه القراءة لا تنطبق عليه، أن يثبت العكس. وهذا قد يشكل بداية لأمل جديد في عودة المشروع الوطني بدلاً من المشروع التمزيقي لليمن الذي تتبناه مراكز النفوذ الإقليمية والدولية. لقد وجدت النخب السياسية نفسها تتطلع إلى لعب أدوار في المشروع الاستعماري الجديد، بل إن بعض هذه الشخصيات جاهرت بأنها لن تتحرك في أي اتجاه حتى تعلم ما تتضمنه سياسة الولايات المتحدة في عهد ترامب.
كم يؤلمنا ويبعث على المرارة أن تتحول النخب السياسية عن المشروع الوطني وتنضوي ضمن أدوات المشروع الاستعماري الجديد، الذي مزق اليمن إلى كانتونات تخضع للوصاية الخارجية. قد لا يعجب البعض الحديث على هذا النحو، ولكن الحقيقة دائماً مؤلمة. ومع أن هذه الحقيقة ليست مؤلمة للنخب السياسية بنفس القدر الذي هي مؤلمة لأكثر من ثلاثين مليون مواطن يمني يعانون من ويلات مخرجات تلك النخب الرديئة، إلا أن هذه الحقيقة تفرض نفسها بقوة.
فالنخب السياسية اليمنية، التي كان يفترض أن تكون حامية للمشروع الوطني، تحولت إلى أدوات في يد القوى الإقليمية والدولية، تتنازل عن مصلحة الوطن لصالح مصالحها الشخصية الضيقة. ولا نحتاج إلى سوق الأدلة والبراهين على ذلك، فالأمر واضح وجلي للعيان.
في النهاية، فإن استعادة المشروع الوطني تتطلب إعادة النظر في دور النخب السياسية، وضرورة إشراك القواعد الحزبية والشعبية في صنع القرار، والتحرر من التبعية للقوى الخارجية. فقط من خلال مشروع وطني حقيقي يمكن لليمن أن يتجاوز محنته الحالية ويبني مستقبلاً أفضل لأبنائه.