كريتر نت – العرب
الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية الحادّة التي ضربت مناطق سيطرة الشرعية اليمنية أشعلت موجة انتقادات كبيرة للسلطة المعترف بها دوليا تجاوزت مجرّد الهجوم على الأداء الحكومي إلى انتقاد مجلس القيادة الرئاسي والتشكيك في فاعليته وقدرته على الصمود والتماسك.
وتدرجّت الانتقادات الشديدة الموجّهة للسلطة الشرعية اليمنية والتي أذكتها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادّة إلى التساؤل عن جدوى صيغة قيادة السلطة بمجلس رئاسي وصولا إلى إعلان بعض المنتقدين عن فشل تلك الصيغة ومطالبتهم بالبحث عن بديل لها.
واكتست الانتقادات هذه المرّة صبغة استثنائية كونها صادرة عن جهات ممثلة في المجلس ذاته ومتباعدة سياسيا وفكريا وأيديولوجيا، وهو ما ينطبق على كل من المجلس الانتقالي الجنوبي الحامل لمشروع تأسيس دولة الجنوب المستقلة، وحزب التجمع اليمني للإصلاح ذي التوجهات الإسلامية – الإخوانية والمتبني لفكرة الدولة اليمنية الموحدة.
وكان من المعتاد أن تصدر الانتقادات للشرعية اليمنية وحكومتها المعترف بها دوليا عن المجلس غير المستعد لتحمّل فاتورة الفشل الحكومي الاقتصادي والخدمي والاجتماعي في مناطق نفوذه، لكن انتقادات حزب الإصلاح هذه المرّة زرعت الشكوك في مدى قدرة مجلس القيادة الرئاسي على التماسك والصمود في وجه متوالية المشاكل والتعقيدات التي بات يواجهها.
وزاد من ضعف موقف المجلس الذي يقوده الرئيس رشاد العليمي الارتخاء المتزايد لقبضة الشرعية على عدد من المحافظات التي ظهرت داخلها مراكز سلطة وقرار موازية كما هي الحال، على سبيل المثال، بالنسبة لمحافظة حضرموت التي تضخمت داخلها سلطة القبائل المنتظمة في حلف محلّي حتى بات الحلف نفسه متحكما في الثروات الطبيعية وطريقة إدارتها.
ولم تمنع مشاركة حزب الإصلاح الذراع اليمنية لجماعة الإخوان المسلمين في عضوية مجلس القيادة الرئاسي، الحزب نفسه من توجيه انتقادات للمجلس بدت وكأنّها انعكاس لعدم رغبة قيادات الإصلاح في تقاسم تبعات التعثر والفشل مع السلطة الشرعية التي لطالما استفاد الحزب منها سياسيا وحتى ماديا.
وحمل عضو الهيئة العليا لحزب الإصلاح ورئيس كتلته البرلمانية عبدالرزاق الهجري على أداء مجلس القيادة الرئاسي واصفا إياه بالمخيب للآمال.
وقال في كلمة له بمنتدى اليمن الدولي الثالث الذي نظمه مركز صنعاء للدراسات “إن المشكلة التي أعاقت البلاد أنه بدلا من الاتجاه إلى المشاريع التي تنهض باليمن تم التوجه إلى المحاصصة، وكل طرف يريد أن يملأ الفراغ بأعضائه.”
واعتبر أن مهمة المجلس هي العمل على استعادة الدولة ومؤسساتها سلما أو حربا من ميليشيا الحوثي وهو ما لم يحدث بالشكل المرضي.
كما بيّن أنّ حزبه “أوصل وجهة نظره لمجلس القيادة الرئاسي جماعة وفرادى بأن الأداء غير مرضي وأنه يجب أن يُحسَّن لمصلحة البلاد لأنه من دون عودة اليمن وسلطة الدولة لتدير البلاد بشكل عام لن يستفيد حزب الإصلاح ولا غيره من القوى السياسية، وأن اليمن أكبر من هذه الأحزاب جميعها.”
ورأى القيادي في حزب الإصلاح أن من أبرز عوامل عدم نجاح مجلس القيادة الرئاسي “تزاحم المشاريع السياسية واعتقاد البعض أن هذه هي الفرصة والوقت لتحقيق مشروعه السياسي.”
كما عزا ضعف المجلس أيضا إلى “عدم تهيئة عدن لتكون عاصمة للدولة اليمنية تعود إليها جميع المؤسسات.. بالإضافة إلى عدم استكمال بنود اتفاق الرياض 2019 بشقيه العسكري والأمني، وعدم وجود جدية ورغبة لدى الأشخاص والمؤسسات في العودة إلى عدن.”
ويرى متابعون للشأن اليمني أن لحزب الإصلاح دوافع مختلفة تقف وراء حملاته التي تعود بين حين وآخر على مجلس القيادة الرئاسي وتظهر خصوصا في الفترات الصعبة وأوقات الأزمات، وتتمثّل في كون الحزب لم يكن راغبا أصلا في تنحي الرئيس اليمني الأسبق عبدربه منصور هادي عن السلطة كونه كان أكثر توافقا مع الإخوان ومكنهم من الحصول على مواقع متقدّمة في مؤسسات السلطة الشرعية.
وسبق لشوقي القاضي، عضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح، أن اعترض بادئ الأمر على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي وتنحي هادي، معتبرا أنّه يظل “الرئيس الشرعي للدولة”، فيما حذّر زميله في الحزب علي عشال مما وصفه آنذاك بـ”الانحراف عن أهداف إعلان نقل السلطة في البلاد”، متوقعا أن “يقود ذلك البلاد إلى التشظي.”
وعلى الطرف المقابل كان المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعتبر نفسه متضررا بشكل مباشر من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة، أكثر حدّة في انتقاد مجلس القيادة الرئاسي.
ووصف رئيس الهيئة السياسية للانتقالي ناصر الخبجي مجلس القيادة “بالعاجز والفاشل في أداء مهامه”. وقال في كلمته بنفس المنتدى الذي احتضنته العاصمة الأردنية عمّان إن مجلس القيادة “غير جدير بمهامه”، وذلك لـ”افتقاده للرؤية السياسية والعسكرية والاقتصادية في التعامل مع جماعة الحوثي”، مشيرا إلى أن “المجلس أُنشئ بقرار إقليمي وليس بإرادة محلية ما أدى إلى فشله.”
كما انتقد الخبجي غياب بعض أعضاء المجلس في الخارج متهما رئيسه رشاد العليمي بالتفرد باتخاذ القرارات دون الرجوع إلى بقية الأعضاء.
وأشار إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتحمل العبء الأكبر أمام قاعدته الشعبية بسبب شراكته في الحكومة، مؤكدا أن الحل يكمن في “تمكين الجنوبيين من إدارة شؤونهم عبر تشكيل حكومة تنمية جنوبية وأخرى للحرب في الشمال.”
وأصبح فشل مجلس القيادة الرئاسي بمثابة فكرة شائعة لدى العديد من الفاعلين السياسيين والإعلاميين وقادة الرأي في مناطق السلطة الشرعية تشجعهم على نشرها أجواء الأزمة المخيمة على تلك المناطق.
وقال الباحث عبدالله الغيثي إنّ “تجربة مجلس القيادة الرئاسي فشلت ولا يحتاج إنسان عاقل إلى أن يجادل حول فشل المجلس أو أن يطالب بالتمديد في عمره لعل أداءه يتغير.”
وأضاف في تعليق على منصّة إكس “ليس عيبا أن تعترف الدول الراعية بفشل مجلس القيادة وأن تبادر بطرح البديل له حتى لا يتسبب في فشل دول دعم الشرعية في اليمن.”