كريتر نت – متابعات
غاصت صحيفتان فرنسيتان في تفاصيل الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لواشنطن، مستخلصة معه طريقة التعامل الشخصي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومستشرفة حقيقة العلاقة التي ستكون بين الولايات المتحدة وأوروبا.
واكتفت لوفيغارو بنقل مقتطفات من حديث ماكرون المطول مع مجلة “باري ماتش” ذكر فيه “تبادلات عفوية للغاية” بينه وبين مضيفه الذي أربك مزاجه الناري العديد من رؤساء الدول والحكومات خلال فترة ولايته الأولى، حسب الصحيفة.
وقد أكد ماكرون أن الأيام القليلة الماضية كانت “مفيدة” لحل النزاع بين كييف وموسكو، وقال فرحا “لقد استأنفنا التواصل مع الأميركيين وأعدنا مزامنة أجنداتنا” معتبرا أن الأميركي السبعيني يريد “السلام” وهو “مفيد في العالم الذي نعيش فيه”.
ولمحاولة إعادة الجمهوريين إلى جانب حلفائهم الأوروبيين، قدم ماكرون طريقته الخاصة فقال “حاول أن تفهم كيف يفكر (ترامب) وابدأ من هناك بدلا من فرض الأشياء عليه. لا تلق عليه محاضرة أبدا، ولا تخبره بما هو الصواب أو الخطأ”. وينصح ماكرون، في مواجهة ترامب “لا تكن ضعيفا. عندما لا توافق، عليك أن تخبره. إنه شخص منطقي. يريد عقد الصفقات. إنه يريد أن تتغير الأمور”.
وأوضح ماكرون أن ترامب “يخلق حالة من عدم القدرة على التنبؤ” ولكن هذا العنصر -حسب رأيه- قد “يثبت فعاليته ضد أعدائنا الإستراتيجيين” وتابع قائلا “إنه يتمتع بنوع من عدم الصبر وهو مفيد للغاية في تعامله”.
نتيجة مختلطة
أما مجلة “لوبوان” فاختارت أن تواكب ماكرون في أروقة البيت الأبيض -مع مراسلها الخاص بواشنطن جوليان بيرون- حيث أوضح أن ترامب لا يحمل أي شيء ضد “عزيزه إيمانويل” وهو يشيد مرارا وتكرارا “بعمله الرائع” في إعادة بناء كاتدرائية نوتردام قائلا “في يوم من الأيام، سوف يعترف التاريخ بدورك في هذه القضية”.
والتقى الرئيسان لأول مرة في بروكسل عام 2017، ونشأت بينهما رابطة حقيقية، من المصافحات القوية إلى التربيت على الظهر -حسب المجلة- ولكن هذه التعبيرات عن الصداقة لا وزن لها في مواجهة التحول المؤيد لروسيا الذي تفاوض عليه ترامب خلال الأسابيع الأولى من ولايته.
والأكثر إثارة للقلق -حسب المجلة- أن الولايات المتحدة، صوتت، قبل أقل من نصف ساعة من بدء القمة الفرنسية الأميركية، مع حلفاء موسكو المعتادين، ضد قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب بالانسحاب الفوري للقوات الروسية، ليقف زعيم المعسكر الغربي إلى جانب الدول التي تريد تدميره.
وكان أحد أهداف زيارة الرئيس الفرنسي لواشنطن التأكد من أن أميركا “لا تزال حليفتنا” ولكن النتيجة مختلطة، إذ يُشار إلى أن ترامب نطق بكلمات لم يسمع بها أحد من قبل، مثل “الشبكة الخلفية” وهو ما يبدو أنه يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تستبعد ضمان أمن القوات الأوروبية التي سيتم نشرها في أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار، كما أنه لم يصل إلى حد وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالدكتاتور هذه المرة، ودعاه إلى زيارة واشنطن قريبا.
ولكن السيناريو الأسوأ لم يتم تجنبه بعد -حسب المجلة- وهو الاتفاق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترامب دون تقديم أي ضمانات أمنية لأوكرانيا وأوروبا، وهو ما يحقق لبوتين مكاسبه، ثم يتعامل ترامب مع الجزء الحر من أوكرانيا باعتباره تابعا له من خلال اتفاقية استغلال المعادن النادرة، التي تثير شهية مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز.
ثم تأتي الانتخابات الرئاسية التي ستؤدي إلى انتخاب رئيس لأوكرانيا قد يكون دمية تعمل لصالح موسكو، ولذلك يحذر أحد مستشاري الإليزيه قائلا “سوف نجد أنفسنا مع بيلاروسيا ثانية على عتبة دارنا وبدون شرطي أميركي لحمايتنا” مما يكشف الذعر الكبير في أوروبا لدرجة أن تفكك حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد لا يكون مستبعدا، وبالفعل تجري مناقشة هذا السيناريو بشكل علني في مراكز الأبحاث في واشنطن، كما تقول المجلة.
ضربة مروعة
ونبهت المجلة إلى أن الاضطرابات التي يسببها ترامب لها على الأقل ميزة إيقاظ أوروبا من غفوتها الطويلة وتحويلها تدريجيا إلى “الاستقلال الإستراتيجي” وهو الرهان الذي يميل إليه أغلب الأوروبيين، رغم أن بعضهم لا يزال ينظر إلى أميركا باعتبارها المؤمن لحياتهم.
ويقول أحد المستشارين الرئاسيين “إنهم لم يمروا بعد بمراحل الحزن الخمس: الإنكار والغضب والمساومة والاكتئاب والقبول، فهم ما زالوا عالقين في المساومة” مثل الرئيس البولندي أندريه دودا الذي لم يُسمح له سوى بـ10 دقائق من النقاش مع ترامب، ويؤكد أنه خرج مطمئنا.
وتساءلت المجلة: كيف استطاعت أوروبا أن تظل في حالة إنكار لفترة طويلة؟ إذ كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد أراد أن يقوم بإعادة ضبط العلاقات مع روسيا خلف ظهور الأوروبيين، وتخلى عام 2008 عن جورجيا باسم استقرار العلاقات مع بوتين، وحتى في عهد الرئيس السابق جو بايدن، كانت هناك صدمة “اتفاقية التعاون العسكري الثلاثية” التي أبرمتها الولايات المتحدة مع أستراليا والمملكة المتحدة، متجاهلة أوروبا.
وخلصت المجلة إلى أن إدارة ترامب ليست سوى مسرع لاتجاه قائم بالفعل، من الحمائية والأحادية، ودعت أوروبا إلى الاستثمار في استقلاليتها الإستراتيجية من حيث الدفاع، والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وقالت “هكذا يحترمنا حلفاؤنا الأميركيون”.
وختمت لوبوان بأن ترامب إذا زار روسيا في ذكرى انتصارها على ألمانيا النازية، ستكون صورته مع بوتين، وهما يبتسمان في الساحة الحمراء، بمثابة ضربة مروعة لزيلينسكي وللأوروبيين، وفرصة لفهم أن أميركا قد لا تكون عدونا، ولكنها لم تعد حليفتنا الحقيقية.
المصدر : الصحافة الفرنسية