أحمد حافظ
بدلا من استمالة الصحافيين ببرامج تستهدف تصويب مسار المهنة وحل مشكلاتها، استخدم أنصار المرشحين لانتخابات نقابة الصحافيين المصريين المناوشات الكلامية للتأثير على إرادة الناخبين بما يقود لاستمرار الأزمات.
وقادت بعض المناوشات الكلامية بين أنصار عدد من المرشحين لانتخابات نقابة الصحافيين المصريين المنتظرة في الثاني من مارس المقبل، إلى حالة من الاستقطاب بين أبناء المهنة بعد أن دخلت فيها مؤسسات صحفية، وبدت الأجواء بعيدة عن قضايا المهنة كمحرك أساسي للعملية الانتخابية.
واستثمر عدد من المرشحين المناوشات لصالحهم بحثا عن كسب المزيد من المؤيدين، خاصة أن أغلب الشواهد تشير إلى أن انتخابات الصحافيين هذه المرة لن تكون سهلة على أيّ مرشح، وتوجد صعوبات في تكوين أرضية صلبة يمكن البناء عليها للفوز بالنسبة إلى المرشحين على منصب نقيب الصحافيين أو على عضوية مجلس النقابة.
وبدأت الخلافات بعد أن قام أحد الصحافيين بكتابة تعليق مسيء في حق النقابي المخضرم الراحل إبراهيم نافع نقيب الصحافيين الأسبق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الحكومية سنوات طويلة، وادّعى أنه كان يفوز بمنصب النقيب من خلال الحشد وتوزيع الهدايا، وظهرت صورة للصحافي برفقة نقيب الصحافيين الحالي والمرشح لفترة جديدة خالد البلشي.
وأمام احتدام الجدل حول الإساءة لإبراهيم نافع، وتصوير الأمر على أنه تشويه لصورة عبدالمحسن سلامة نقيب الصحافيين الأسبق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق، وأقوى المرشحين على منصب النقيب حاليا، تحوّل الخلاف إلى حالة من التلاسن بين مؤيدين لسلامة ومناصرين للبلشي، كأبرز متنافسين على مقعد النقيب.
ودخلت رموز وقيادات في مؤسسة الأهرام على خط الأزمة بنشر بيانات إدانة ضد ما وصف بمحاولات الإساءة لنافع والمؤسسة، واستغلال ذلك في تشويه مرشح تابع للأهرام، ما وسّع قاعدة الاستقطاب من جانب كل فريق، بشكل تسبب في تنحية مشكلات المهنة جانبا واستبدالها بالبحث عن أي ثغرة في تاريخ المرشح المنافس للإيحاء بأنه لا يصلح للفوز في الانتخابات.
ورغم تأكيد عبدالمحسن سلامة أنه ينأى بنفسه عن أي ملاسنات أو استخدام لغة لا تليق بالمهنة الصحفية، وغير مسؤول عن التطاول الذي يصدر عن الآخرين، لم تهدأ الأزمة واستمر الاستقطاب من أطراف تحاول توظيف تلك الحالة كأداة للدعاية لها أو من تدعمه، وسط صمت لكبار وشيوخ الصحافة لتهدئة الأجواء قبل الانتخابات.
وردت حملة خالد البلشي بأنها ترفض بشكل تام أيّ تجاوزات أو هجوم على المرشحين، وضرورة الالتزام بالقيم النقابية ومبادئ النزاهة، وحذرت من الانجرار وراء النيل من مسار الانتخابات، وأنها تحترم جميع الآراء ومعنية بفتح نقاش جاد وبناء حول قضايا مهنة الصحافة بعيدا عن التجريح أو التطاول أو النيل من سمعة أيّ مرشح.
وبلغ ارتباك المشهد حد مطالبة بعض الصحافيين لخالد البلشي وعبدالمحسن سلامة بإصدار بيان مشترك من داخل جدران النقابة، بهدف إعادة الأجواء إلى التنافس النزيه وتعزيز روح الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف، ووضع حد للتلاسن والخوض في أمور شخصية لا علاقة لها بالانتخابات لأنها تشوه صورة المهنة.
وما وسّع قاعدة الاستقطاب أن لجنة الحريات بنقابة الصحافيين أصدرت بيانا قالت فيه إن العملية الانتخابية تشهد محاولات تدخّل من أحد الأحزاب السياسية للتأثير على اختيارات الصحافيين، وتم التواصل مع بعضهم لتزكية أسماء بعينها وإطلاق صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن منشورات مسيئة لمرشحين بارزين.
ودعت اللجنة الحزب، الذي لم تسمّه، إلى التوقف عن محاولاته للتأثير على الانتخابات، والكف عن استخدام أساليب قديمة تهدف إلى بث الفرقة بين الصحافيين، وأن الجمعية العمومية للنقابة تظل واعية بأيّ محاولة للتدخل في قراراتها، ولن تنصاع لتعميق الإثارة والانقسام داخل الوسط الصحفي لخدمة أسماء بعينها.
وبدت الحكومة بعيدة عمّا يحدث وفضّلت عدم التدخل لدعم مرشح معين على منصب النقيب، وظهر ذلك في الخطاب الذي تم إرساله من مجلس الوزراء إلى مجلس النقابة مؤخرا، وتضمن وجود نية حكومية لزيادة بدل التدريب والتكنولوجيا بنسبة 30 في المئة تحت مظلة الحماية الاجتماعية التي ستُعلن قريبا للموظفين.
وجرت العادة أن يتحول البدل الشهري (قيمته حاليا نحو 78 دولارا) إلى ورقة انتخابية يستخدمها المرشح المدفوع من الحكومة على مقعد النقيب لدعم فرصه في الحصول على أصوات الصحافيين، لكن الدولة تعتزم زيادته لجميع الصحافيين، بقطع النظر عن اسم النقيب الذي سيفوز في الانتخابات.
ويعد تنحّي الحكومة عن دعم مرشح محدد على منصب نقيب الصحافيين حتى الآن خطوة إيجابية، ما يجعل المنافسة صعبة وقائمة على الاختيار بين من يمتلك علاقات تؤهله للتفاوض في ملفات مثل إطلاق الحريات والإفراج عن المحبوسين وتحسين الأوضاع الاقتصادية الصعبة ومحاسبة المؤسسات التي تفصل صحافيين.
ويقود تصاعد حدة الخلافات إلى تشتيت أولويات الجماعة الصحفية، وقد يدفع البعض إلى التصويت العقابي بما يفرز مجلسا ليست له أجندة تستهدف تحسين أوضاع المهنة، إذا استمرت الدعاية قائمة على التلاسن وتشويه الصورة والطعن في التوجهات مع استفادت الطرف الآخر من تلك الوضعية لكسب مؤيدين جدد.
وقال نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش إن هناك شبهة افتعال أزمات لشق صف الصحافيين، لأن المعركة لو تركت للتنافس الموضوعي قد تكون النتيجة غير متوقعة، ومن لديه قلة حيلة في المنافسة يعتمد على المعارك الكلامية لإثبات أنه على صواب، وهذا يبتعد بالانتخابات عن مشكلات المهنة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الصحافيين المصريين أكثر وعيا لدوافع المعارك الجانبية، والكثير منهم حسم اختياره بناء على أولويات محددة مرتبطة بمتطلبات المهنة نفسها، ومن هم قادرون على تحقيقها، وهناك مشكلات مهنية أكبر من قدرة الكثير من المرشحين لانتخابات النقابة، لذلك قد يلجأ البعض إلى شخصنة الانتخابات.
ويسوق مؤيدون للبلشي دعاية تقول إن عبدالمحسن سلامة مرشح الحكومة على منصب النقيب باعتباره كان رئيسا لمؤسسة الأهرام وعضوا في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الآن، على أمل إيجاد تصويت عقابي ضده بما يصب في حساب النقيب الحالي خالد البلشي المحسوب على المعارضة، لكن ثمة شواهد تشير إلى أن الانتخابات هذه المرة متروكة تماما لإرادة للصحافيين.
ونجح البلشي خلال فترة توليه منصب النقيب في طمأنة الحكومة بأنه ليس صداميا، ويدعم توجهات الدولة في الكثير من التحديات المرتبطة بالأمن القومي، وآخرها قيامه بحشد مجالس نقابات مهنية عديدة للالتفاف حول السلطة ضد محاولات الضغط عليها لتهجير الفلسطينيين إلى منطقة سيناء بمصر، أي يتعامل بتوازن وعقلانية.
وأوضح قلاش أن الخلافات المثارة لن تصوغ المعركة ولن تترتب عليها نتائج انتخابية، لأن الأجيال الحالية من الصحافيين تجاوزت هذا النوع من المعارك الصغيرة وأولوياتهم تحسين وضعية المهنة ومستقبلها، ولم تعد هناك فكرة الحشد التي كانت موجودة في الماضي القريب، بأن تخرج مؤسسات كاملة للتصويت لمرشح بعينه.
ويبدو استمرار حدة الاستقطاب بين المرشحين على أساس غير مهني هو انعكاس لصعوبة الانتخابات هذه المرة، وبدلا من استمالة الصحافيين ببرامج تستهدف تصويب مسار المهنة وحل مشكلاتها، استخدم البعض أدوات أخرى للتأثير على إرادة الناخبين بما يقود لاستمرار الأزمات، خاصة إذا مال الصحافيون للبرامج الخدمية أولا.
المصدر : العرب