كريتر نت – متابعات
تتناول افتتاحية في أحدث إصدار من نشرته الرسمية “النبأ”، والتي صدرت في 12 ديسمبر 2024، طموحات تنظيم الدولة الإسلامية في شرق أفريقيا.
ولا يروج المقال الذي يحمل عنوان “الصومال أرض الهجرة والمدد” للهجرة إلى المنطقة فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على نية الجماعة في ترسيخ الصومال كقاعدة محورية لشبكتها الجهادية العالمية.
تتفاخر الافتتاحية بالهجوم الأخير على قاعدة عسكرية في بونتلاند بالصومال، والذي أسفر عن مقتل اثنين وعشرين جنديًا وتسعة مهاجمين، وُصِفوا بأنهم انغماسيون في خطاب الدولة الإسلامية.
وتؤكد الافتتاحية على الجنسيات المتنوعة للمهاجمين، بما في ذلك العرب من دول الخليج ودول أخرى، وتسلط الضوء على شبكة التجنيد واسعة النطاق للجماعة.
وهذا من شأنه، بحسب المقال، أن يجعل من الصومال أرضا جديدة لتمكين تنظيم الدولة الإسلامية.
وبعيدا عن كونه عملا عشوائيا من أعمال العنف، فإن الهجوم هو جزء من إستراتيجية التوسع المدروسة التي يتقدم بها تنظيم الدولة الإسلامية منذ هزائمه الإقليمية في العراق وسوريا.
وتصور صحيفة النبأ هؤلاء المقاتلين باعتبارهم مهاجرين وأنصارًا، وهو ما يردد صدى الروايات التاريخية التي استخدمها ذات يوم لتأطير التوسعات السابقة في العراق وسوريا.
وتجعل الانقسامات القبلية المتجذرة، والموقع الإستراتيجي، الصومال مرشحًا رئيسيًا لأجندة التوسع لدى داعش.
ويزيد عدم استقرار البلاد وقربها من اليمن والبحر الأحمر من أهميتها الإستراتيجية، مما يوفر مزايا لوجستية لشبكات التهريب والعمليات البحرية.
ومع ضعف السيطرة المركزية والصعوبات الاقتصادية التي تؤدي إلى تفاقم المظالم المحلية، تقدم الصومال بيئة مثالية للتجنيد والتوحيد.
ومن خلال الاستفادة من هذه الثغرات، يعيد داعش تشكيل المنطقة كمسرح عملياتي رئيسي.
وتهدف الجماعة إلى ترسيخ نفسها داخل الفصائل المسلحة المحلية، وتوفير الدعم المالي والتوجيه الإستراتيجي، وفي الوقت نفسه نشر نفوذها في مختلف أنحاء شرق أفريقيا.
وتتأثر البلدان المجاورة مثل كينيا وإثيوبيا بشكل مباشر، حيث يهدد التوسع الجهادي الاستقرار الإقليمي والأمن البحري.
ومنذ تأسيسه في عام 2015، سعت داعش في الصومال بنشاط إلى ترسيخ نفسه كولاية مهمة داخل هيكل داعش العالمي.
وفي البداية، واجهت المجموعة منافسة داخلية من حركة الشباب، ولكن بقاءها تيسر بفضل معاقلها في جبال المادو في بونتلاند، حيث تواصل تدريب المقاتلين وإنشاء قواعد عملياتية.
كما طورت المجموعة شبكات تجنيد في جميع أنحاء القرن الأفريقي، وجذبت مقاتلين أجانب من إثيوبيا والسودان وتنزانيا.
ويمتد نطاقها الأيديولوجي الآن إلى لغات متعددة، بما في ذلك الأمهرية والسواحيلية، مما يشير إلى جهد متعمد للتوسع خارج الصومال إلى شرق أفريقيا.
ومع توسع داعش في الصومال لنفوذها، تتطور الاستجابة الدولية للتهديدات المتطرفة في الصومال.
وفي ديسمبر 2024، أذنت الأمم المتحدة بإنشاء بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم واستقرار الصومال، لتحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال.
وكان من المقرر أن تنشر هذه البعثة ما يصل إلى 12626 فردًا لدعم القوات الصومالية في مواجهة كل من تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال وحركة الشباب، مع العمل أيضًا على استقرار المناطق المحررة وتعزيز الحكم.
ومع ذلك، فإن الفجوات الأمنية المستمرة، والحوكمة الضعيفة، وعدم الاستقرار الإقليمي لا تزال توفر فرصًا لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال لتوسيع عملياته.
وصعد تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال عملياته الخارجية، مع تزايد الروابط مع المؤامرات الإرهابية الدولية.
وقد تورطت المجموعة في هجوم في مايو 2024 على السفارة الإسرائيلية في السويد، مما يؤكد دورها المتطور في شبكة تنظيم الدولة الإسلامية عبر الوطنية.
وبالإضافة إلى ذلك، تحولت جهودها الدعائية من نموذج التمرد المحلي إلى حملة تجنيد دولية، تعكس الإستراتيجيات التي يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان في أفغانستان.
وتشير هذه الجهود العالمية إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال يعمل بنشاط على توسيع نفوذه خارج حدود الصومال.
ورغم العمليات العسكرية الجارية وجهود تحقيق الاستقرار التي تدعمها الأمم المتحدة، فإن تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال يظل صامداً، ويستغل ضعف المشهد الأمني في الصومال لدعم نفسه.
وسوف تعتمد فعالية قوة الاتحاد الأفريقي في مواجهة حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية إلى حد كبير على التنسيق الدولي، والتمويل المستدام، وقدرة الحكومة الصومالية على تعزيز المكاسب الإقليمية.
وفي الوقت نفسه، يواصل تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال استغلال المظالم المحلية والفراغات الأمنية، مما يزيد من ترسيخ نفسه داخل النظام البيئي المتطرف في شرق أفريقيا ويعقد جهود مكافحة الإرهاب الإقليمية.
ونظرا لاتصالاته العالمية المتوسعة وطموحاته العملياتية، لم يعد تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال مجرد تمرد محلي بل أصبح عقدة رئيسية في إستراتيجيته الأوسع للجهاد اللامركزي.
وخلال جهود التجنيد التي بذلها، استخدم تنظيم الدولة الإسلامية بشكل منهجي السرديات المتشابكة للهجرة والمدد والتمكين لجذب المقاتلين الأجانب وتعزيز النفوذ.
وتؤطر هذه المفاهيم الجهاد باعتباره مسعى شاملاً يشمل الهجرة والدعم اللوجستي والتأسيس النهائي للسيطرة الإقليمية.
وعلى الرغم من عمليات مكافحة الإرهاب الجارية، بما في ذلك الضربات الدقيقة التي تنفذها القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا على قادة داعش والشباب، فإن هذه الجهود تظل مقيدة في غياب تعاون إقليمي أوسع.
وتعكس رسالة داعش في العدد 476 من جريدة النبأ تحولاً واضحاً نحو شرق أفريقيا، مما يعزز الحاجة إلى استجابة دولية منسقة لمنع الصومال من أن تصبح المعقل الرئيسي التالي لداعش.
وعلى النقيض من معاقلها الإقليمية السابقة في العراق وسوريا، فإن الحكم الهش في الصومال، والمظالم المحلية، والقدرة على الوصول إلى الطرق البحرية الرئيسية تجعلها قاعدة مثالية للتمرد المستدام.
وعلى هذا النحو، فإن صعود داعش في الصومال يمثل أيضاً تحدياً عالمياً متجدداً يتجاوز الاستجابة العسكرية.
وتسلط قدرته على دعم العمليات، وتمويل الهجمات الخارجية، وجذب المقاتلين الأجانب الضوء على الحاجة الملحة إلى استجابة شاملة.
ولن يكون العمل العسكري وحده كافيا، بل يجب على الحكومات الإقليمية والتحالفات الدولية أيضا أن تعالج الفراغات الاجتماعية والسياسية التي تسمح للأيديولوجيات المتطرفة بالازدهار.
وإذا ترِكت الصومال دون رادع، فقد تتبع نفس المسار الذي سلكته معاقل داعش السابقة.
فالمعركة في الصومال ليست مجرد صراع محلي، بل إنها اختبار لقدرة العالم على مكافحة الجهادية اللامركزية قبل أن تتحول إلى تهديد عالمي راسخ.