كريتر نت / كتب – أ.د/ محمد عمر باناجه
شاع اليوم بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماع منشور احتوى بين سطوره اشاعة مغرضه كلها إفك وبهتان يحذر فيه كاتب المنشور من كارثه سيقدم عليها البنك المركزي تطال كل يمني … الخ من الكلام الممجوج الذي لا تسنده اي اسانيد ..
في الحقيقه، ماجاء في المنشور دفعني الى الكتابه حول حقائق الامور بما كان عليه اداء البنك المركزي وبما أضحى عليه، لأن الكلام الذي يطلق على عواهنه لا يبني ولا يساعد في البناء بل يثير البلبله ويسهم في تدمير ماتم اصلاحه .
فتعالوا بنا الى رصد الوقائع كما هي لنسهم في البناء وننصف الناس ولا نبخسهم أشياءهم .
بلغت آثار الحرب وتداعياتها مبلغها ، بعد أن طالت وبعمق كل مناحي الحياة المعيشية للسكان ، باﻹضافة الى ما تركته من آثار مدمرة على الاوضاع الإقتصاديه التي كانت نذر إنهيارها ماثلة للعيان .
تجلى ذلك في تراجع أداء أهم مؤشرات الإقتصاد الكلي بصورة مخيفه حيث قدر الإنكماش التراكمي في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 47.1 بالمئه خلال الثلاث سنوات الماضيه . ويتوقع أن تصل الخسائر في الناتج منذ بدء الحرب وحتى الأشهر الأولى من عام2019 إلى 49.9 مليار دولار .
كما أنهارت الموازنة العامة بعد أن تراجعت الايرادات الحكوميه بأكثر من 60.6 بالمئه، بسبب توقف مصادر تغذيتهاالخارجية ، ناهيك عن ضعف مقدرة أجهزة الدولة الجبائيةمن حشد وتوريدالايرادات المحلية الى حسابات الحكومه في البنك المركزي ،الأمر الذي تسبب ببروز أزمة مرتبات طالت كل موظفي الحكومة في المحافظات الشماليه والمتقاعدين في كل اليمن .
ترافق الإنهيار في أداء مؤشرات الإقتصاد الكلي مع ظهور أزمة حادة في شحة السيولة وإضطراب الدورة النقدية وإنخفاض المعروض من النقد الاجنبي في السوق في ظل إرتفاع الطلب عليه بعد أن تخلى البنك المركزي عن اتباع نظام الصرف المعوم المدار والاعلان عن إتباع نظام الصرف الحر . الأمر الذي تسبب في إرتفاع سعر صرف الريال (إنخفاض قيمته ) أمام العملات الأجنبيه . وكان من الطبيعي أن يقود ذلك الى حدوث ارتفاعات متتالية ومتسارعة لمعدلات التضخم وإضعاف القيمة الشرائية للريال .
ظلت مظاهر الأزمة المالية والنقديه ( ازمة الغذاء ، أزمة المرتبات ، أزمة سعر الصرف وشحة السيوله…. الخ ) تتفاقم ، وبلغت حدتها مستوى عجزت معه كل الإجراءات التي أتخذت حينها (2017) بصورة انتقائيه من التخفيف من آثارها لأنها لم تكن بحجم الأزمة . مما تسبب في المحصلة النهائية ببروز وضع إنساني كارثي ، أقلق المجتمع الدولي ومنظماته .
في الأشهر الأولى من عام 2018 ، بعد ان أضحت الأزمه النقديه بكل تجلياتها تعصف بالبلاد ، أخذت القيادة العليا في البنك المركزي تعيد ترتيب أولوياتها لمجابهة كافة التحديات المنتصبة أمامها بتفكير أستراتيجي يمكنها من إستعادة زمام المبادرة ، وليس بأسلوب الفعل ورد الفعل الذي عمق من الأزمة سابقا (2017 ) ، واضعة أمامها مجموعة من الاولويات ، تكاد تكون من أهمها وأبرزها على الإطلاق الأولويات الثلاث الآتيه :-
– العمل على تأمين ما يلزم من موارد النقد الأجنبي لتغطية إستيراد السلع الغذائية الأساسيه التي تجنب البلاد الوقوع في براثن المجاعة . وفي نفس الوقف تخفف الضغط في سوق الصرافة من الطلب على النقد الأجنبي .
– الحد من تدهورسعر صرف الريال اليمني والعمل على تحسين قيمتة الخارجيه ( سعر صرفه امام العملات الاجنبيه ) ، بما يساعد في خفض معدلات التضخم وكبح جماحه .
– حل مشكلة شحة السيولة وإعادة الدورة النقدية الى مسارها الطبيعي ( النظام المصرفي ).
وبغية الوصول الى تحقيق الاهداف المرجوة من الاولويات الموضوعه ، أتخذت القيادة العليا للبنك المركزي أكثر من 40 إجراء توزعت بين إجراءات نقديه ، إجراءات تنظيمية واداريه وإجراءات فنية .
كان من أهمها الاجراءات الآتية :-
– تم إتخاذ كل مايلزم من اجراءات متعلقة بتأمين النقد الاجنبي لأغراض استيراد السلع الغذائيه الخمس . وتركزت الجهود المبذوله في هذا الإطار في ضمان وضع الوديعة السعودية المقدرة ب 2 مليار دولار بالبنك المركزي اليمني ، بغية تمكينه من إستخدام أدواته النقدية ، اضافة الى توفير المواد والسلع الغذائية الأساسيه (5 سلع) بطرق سهلة وأسعار مناسبة في جميع المحافظات اليمنية .
– توفير 200 مليون دولار أخرى كمنحه من المملكة يستخدم جزء منها لتغطية استيراد بعض الادويةوالسلع الضروريه الأخرى . وذلك لتخفيف الضغط على الطلب على الدولار في سوق الصرافه . ناهيك عن منحة أخرى تمثلت بتوفير المشتقات النفطية لمحطات الكهرباء بما قيمته 60 مليون دولار شهريا .
– تمكن البنك المركزي من خلال الاجراءات التي اتخذها في جانب تحسين إدارة السيولة المصرفية من تأمين السيولة الكافية لحاجة النشاط الإقتصادي دون اللجوء الى اتباع اسلوب النقود الرخيصه ( الإصدار النقدي ) الذي ترتب عليه عند استخدامه في الفترات السابقه كلفة باهظه على الاقتصاد ، تجلت بتوليد ضغوط تضخمية حادة . كما قام بإلغاء اتفاقيتين سابقه مع شركه روسيه وشركه المانيه لطباعة النقود ، والإكتفاء بما تم طباعته في عام 2017 .مع التركيز على رفع كفاءة ادارة السيوله في الجهاز المصرفي ( البنك المركزي + البنوك العامله ) .
– قام البنك المركزي بتحريك سعر الفائدة وعوائد الاستثمار في الاوراق الماليه المصدرة من قبله نيابة عن وزارة المالية لتأمين الموارد اللازمة لتمويل عجز الموازنة العامه من مصادر غير تضخمية، وفي ذات الوقت بغية سحب السيولة المكتنزه ( خارج البنوك) التي كانت تستخدم لأغراض المضاربة ، وساهمت في تغذية العوامل المضاربية في سوق الصرافة .
وبهذا الصدد أعاد البنك المركزي اصدار شهادات الإيداع التي كان قد أوقف التعامل بها في السنوات الماضية ، مع تحفيز البنوك على الإستثمار فيها ، برفع سعر الفائدة عليها الى 27 بالمئة . وكذلك ادخل اداة استثمار مالي جديدة ( ودائع الوكالة ) بربح يصل الى 23 بالمئة، أستهدف بها البنوك الاسلاميه ، كما رفع سعرالفائدة على السندات الحكوميه الى 17 بالمئه .
يمكن القول ان الإجراءات المتخذه في هذا الجانب كانت قد ساهمت في تمكين البنك المركزي من استعادة تصريف وإدارة السيوله في قنواتها وانتظام الدورة النقديه .
الى جانب الاجراءات النقديه التي ساعدت في تحسين القيمه الخارجيه ( سعر الصرف ) والداخلية ( القيمة الشرائية) للعمله الوطنيه وتحقيق استقرارها النسبي بالرغم من التقلبات التي تحدث بسبب المضاربه ، اتخذ البنك المركزي عدد من الاجراءات التنظيميه والفنيه التي ما من شك ستؤدي الى رفع كفاءة اﻻداء . ناهيك عن الآليات الميسره الجديده التي اخذ يتبعها منذ اكثر من شهرين من الان في فتح وتغطية الإعتمادات المستنديه لاستيراد المواد الغذائيه الرئيسيه . واستيراد المشتقات النفطية.
فلماذا نجافي الحقيقه حين نكتب ؟ ولمصلحة من تنشر الإشاعات التي تعمل على إرباك اداء السوق النقدي ، بعد أن بدأت تتفعل أدواته .؟؟!!
في الوقت الذي أضحت فيه الحقائق ماثلة للعيان ، يحق لنا القول بأن البنك المركزي اليمني ولد من جديد ليستنهض الهمم ويضطلع بدوره كسلطة نقدية تضع نصب عينيها هدف استقرار الاسعار والحفاظ عليه دون الانتقاص من وظائفه كبنك للدوله ومستشارها المالي، وبنك للبنوك وملجأها الآخير .