كريتر نت / الجزائر
تدخل الأزمة في الجزائر مرحلة جديدة من التصعيد وحالة من الشدّ والجذب بين المحتجين والسلطة الانتقالية الحاكمة المدعومة من الجيش والتي انبثقت من مخرج دستوري لم يقبل به الحراك الشعبي والمعارضة.
وللجمعة السادسة عشر على التوالي بدأ مئات المحتجين التجمع في وسط العاصمة الجزائرية في تظاهرة جديدة هي الأولى منذ إلغاء الانتخابات الرئاسية وغداة الدعوة التي وجهها الرئيس الانتقالي عبدالقادر بن صالح إلى حوار رفضه المحتجون، في تطورات قد تزيد من حجم التعبئة.
ورغم الانتشار المكثف لعناصر الشرطة في ساحات البريد المركزي والفاتح من مايو (أيار) وفي الشوارع الكبرى لوسط العاصمة الجزائرية، تمكن مئات المحتجين في التجمع تحضيرا للتظاهرة الكبرى المنتظرة بعد صلاة الجمعة كما تعوّدوا على ذلك منذ 22 فبراير/شباط.
وتأتي تظاهرة اليوم الجمعة على اثر دعوة الرئيس الانتقالي عبدالقادر بن صالح الجزائريين إلى حوار من أجل الوصول إلى توافق على تنظيم انتخابات رئاسية “في أقرب الآجال”، بعدما ألغى المجلس الدستوري تلك التي كانت مقررة في الرابع من يوليو/تموز.
وتظهر التطورات الأخيرة أي إلغاء انتخابات يوليو واستمرار بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد رغم الاعتراضات الشعبية، تمسك الجيش والسلطة الانتقالية بالحل الدستوري الذي يبقي رموز النظام في السلطة.
ويرجّح أيضا أن قائد هيئة أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح وهو أيضا نائب وزير الدفاع الذي أصبح الشخصية المحورية بعد الضغوط التي مارسها على الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة وعجّلت باستقالته، يسعى لحماية نفسه وقادة المؤسسة العسكرية.
ورفع المحتجون مرارا شعارات تنادي برحيل قائد الجيش كونه أيضا من رموز نظام بوتفليقة. وتمسك قايد صالح بالحل الدستوري مخرجا للأزمة وأعلن دعمه للسلطة الانتقالية مجادلا بأنه لا يمكن وضع كل رموز النظام في سلة واحدة، مشيرا إلى أن الدعوة لرحيل كل رموز النظام يعني إفراغ مؤسسات الدولة من الكفاءات.
وبعد رحيل رئيس الوزراء أحمد أويحيى الذي لا يحظى بشعبية والتخلي عن ولاية خامسة للرئيس بوتفليقة واستقالة الأخير بعد 20 عاما من الحكم، حقق المتظاهرون مرة أخرى أحد مطالبهم بإعلان المجلس الدستوري في 2 يونيو/حزيران “استحالة” إجراء الاقتراع لعدم وجود مرشحين جادّين.
ومنذ الصباح الباكر انتشر عناصر الشرطة في ساحات البريد المركزي وموريس أودان وفي الشوارع الكبرى مثل ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي وباشروا التحقق من هويات المارة.
وقام عناصر الشرطة بتوقيف العديد من المتظاهرين، بحسب عدة شهود. وأكد كريم (37 عاما)، أن اثنين من رفاقه قدما من بومرداس (50 كلم شرق الجزائر) تم توقيفهما من قبل الشرطة.
وردّ المحتجون برفض دعوة الحوار بشعارات “لا للانتخابات يا العصابات” و”بن صالح إرحل” و”قايد صالح إرحل”، في إشارة إلى رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي أصبح بحكم الواقع الرجل القوي في الدولة منذ استقال بوتفليقة من منصبه تحت ضغط الحركة الاحتجاجية والجيش.
لكن هل يعد إلغاء الانتخابات انتصار للحركة الاحتجاجية؟ “نعم ولا”، تجيب داليا غانم يزبك الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.
وأوضحت “نعم، بمعنى أن الانتخابات لن تجرى، هذا ما يريده الشارع لأنه من الناحية اللوجستية، من المستحيل تنظيمها”.
وأمام تعبئة ظلت عالية حتى خلال شهر الصيام في رمضان ورفض أي شخص يشتبه في تعاونه مع السلطة، لم يتقدم المترشحون لهذه الانتخابات.
وأضافت الباحثة “لا أحد يريد أن يقدم نفسه والمشاركة في هذه المهزلة ويبدو أن السلطة تفتقر إلى شخصية توافقية” لتمثيلها “وهذا واضح اليوم”.
ودعوة الحوار التي أطلقها بن صالح هي الثانية بعد تلك التي أطلقها رئيس الأركان وردّ عليها الجزائريون يوم الجمعة الماضي بتجمّعات حاشدة سبقتها حملة توقيفات لم تخفّف من حجم التعبئة. ورفض المحتجون يومها الدعوة إلى الحوار رافعين شعارات منها “لا انتخابات مع العصابات” و”لا حوار مع العصابة والنظام”.
ويطرح إلغاء انتخابات الرابع من يوليو/تموز إشكال بقاء الرئيس الانتقالي في منصبه بينما حدد الدستور ولايته بتسعين يوما منذ استلام مهامه في التاسع من أبريل/نيسان ولا يوجد رئيس يستلم السلطة منه.
لكن المجلس الدستوري مدّد ولايته تلقائيا “خارج إطار الدستور” بقرار إبقائه في الحكم حتى تنظيم انتخابات جديدة لم يتم تحديد موعدها بعد.
ولايزال بن صالح متمسكا بتنظيم انتخابات “في أقرب وقت ممكن” لاختيار خليفة لبوتفليقة، كما جاء في خطابه الخميس في حين يرفض المحتجون مبدأ الانتخاب دون رحيل كل رموز النظام السابق وبينهم بن صالح وقايد صالح.
من الصعب معرفة الخطوة التالية التي ستقوم بها السلطة التي يبدو أنها تسير دون تحديد الطريق منذ بداية المظاهرات والتي يبدو أيضا أنها ترتجل قراراتها
وهذه هي المرة الثانية التي يتم فيها إلغاء الانتخابات الرئاسية في أقل من ثلاثة أشهر، فبعد أن عجز عن تهدئة الاحتجاجات ضد رغبته في السعي للحصول على ولاية خامسة،ألغى بوتفليقة الانتخابات الرئاسية لـ18 أبريل/نيسان في محاولة لتمديد حكمه وهي المناورة التي زادت من الغضب الشعبي حينها.
ومن الصعب معرفة الخطوة التالية التي ستقوم بها السلطة التي يبدو أنها تسير دون تحديد الطريق منذ بداية المظاهرات.
وقالت داليا غانم يزبك “أعتقد أن السلطات ترتجل. لا توجد حلول على المدى الطويل وعلى عكس ما اعتقد الحكام (الجزائريون) في البداية، لم تتراجع حركةالاحتجاجات”.
كما أن الطريقة التي يعتزم بها الجيش حل الأزمة إذا استمرت التعبئة، تثير الآن الكثير من الأسئلة. وإذا كان بن صالح تحدث الخميس للمرة الثالثة منذ توليه منصبه في 9 أبريل/نيسان، فقد تحدث الفريق قايد صالح 12 مرة خلال نفس الفترة لذلك فمن الواضح أن الجيش هو الذي يقود البلاد.
وقالت إن الخيارات المتاحة الآن للسلطة محدودة، مشيرة إلى أن “الحلول العقابية تهد دائما خيارا في أوقات الأزمات السياسية وخاصة عندما لا ترغب الجهات الفاعلة بما في ذلك الجيش في التخلي عن السلطة”، مضيفة “لننظر إلى ما حدث في السودان”.
ولا يغيب عن أذهان الجزائريين القمع الدموي الذي حدث في الأيام الأخيرة في السودان حيث دفعت حركة الاحتجاج المماثلة المضادة لنظام الرئيس عمر البشير إلى الرحيل لتجد نفسها في مواجهة الجيش.
ونشر أحد المدونين على تويتر صورة لقمع الجيش للمتظاهرين في السودان. وكتب “لأولئك الذين يدعون للتفاوض مع الجيش” في الجزائر “استيقظوا، لا يمكن التفاوض مع الجيش أبدا”.
وكان ذلك ردّا على دعوة قايد صالح إلى الحوار وإلى تقديم “تنازلات متبادلة” وهي الدعوة التي أطلقها أيضا الرئيس المؤقت.