-
كريتر نت / كتب : د عبدالعليم باعباد
قرارات التعيين العديدة التي اتخذتها السلطة الشرعية لتغيير رؤساء حكومات، و وزراء ومحافظين وبعض المناصب المهمة في الدولة لا يتناسب مع هذه الفترة الاستثنائية من تاريخ اليمن التي تتطلب الثبات والاستقرار لتحقيق الهدف المعلن وهو استعادة الدولة والقضاء على الانقلاب، فضلا عن الكلفة الكبيرة التي يتحملها الوطن في هذا الظرف العصيب.
لقد شهدت اليمن في هذه الفترة الوجيزة ثلاثة رؤساء حكومات، وثلاثة وزراء للخارجية، ومحافظين بمعدل اثنين إلى ثلاثة في كل محافظة. ناهيك عن قرارات كثيرة في عدد من المرافق المهمة وصل إلى ثلاثة مدراء عموم لشركة النفط اليمنية فرع عدن. على سبيل المثال.
والأهم من ذلك هو أن القرارات الرئاسية والحكومية في تعيين بعض المسؤلين في مرافق الدولة المدنية أو العسكرية، وكذا رجال السلك الدبلوماسي لم تستكمل الشروط القانونية في التعيين، لا من ناحية إجراءاتها الشكلية ولكن من ناحية عدم تحقق شروط التعيين في بعض من شملتهم قرارات التعيين، كضعف الكفاءة، وقلة أو انعدام الخبرة لدى هؤلاء.
لعل أغرب ما يلاحظه المتابع فضلا عن الباحث الدقيق هو استهداف بعض الشخصيات العادية حديثة العهد بالسياسة والعمل الإداري بكمية من القرارات الرئاسية في التعيين والترقية من منصب إلى آخر، كما لو كانوا يتمتعون بخبرات كبيرة، في المناصب المعينين لها يصعب معها تجاوزهم أو الإتيان بغيرهم، أو أنهم قد قدموا لليمن خدمات وطنية جليلة وعظيمة فكان هذا الاستهداف نوع من التقدير والتكريم والاحترام.
صحيح أن بعضهم يحملون مؤهلات علمية عالية ويستحقون مناصبا في الدولة..لكن ألم يكن هناك من هم أولى منهم أو أكثر كفاءة وخبرة.
لنفترض أن ثورة التغيير هي التي أفرزت مثل هذه الشخصيات، حسنا هل توقفت هذه الثورة عند هؤلاء الأشخاص؟
لك أن تتخيل أن هناك أشخاص حصل الواحد منهم على أربعة إلى خمسة قرارات رئاسية في غضون عامين أو أكثر انتشلتهم من مجرد موظفين عاديين _ وبعضهم لم يتوظف بعد في السلك الحكومي _ إلى أعلى المناصب السياسية في حالة غريبة وسابقة لم تشهدها مؤسسة الرئاسة منذ ثورتي سبتمبر و أكتوبر.
لن نفصل في هذه الجزئية من هذا المقال البسيط لإيماننا بأن الوطن يشهد حالة استثنائية في طبيعة المرحلة و طبيعة السلطة وطبيعة رجالها.
لكننا سنحاول إلقاء الضوء على طبيعة وخلفية قرارات التغيير الصادرة في المناصب السيادية مثل رؤساء الحكومة، والمحافظين..الخ.
ثمة تفسيرات لطبيعة وكثرة القرارات الصادرة من قيادة السلطة الشرعية تشكل مقاربات يمكن أن تساعد المطلع أو الباحث على فهم هذه السابقة غير المألوفة في وظيفة رأس السلطة التنفيذية.
لعلّ مدخل فهم هذه المسألة هي ضرورة التفرقة بين اعتبار هذه المسألة نتيجة، يعني اعتبار التغيير نتيجة لحالة الإخفاق الحاصل من قبل هؤلاء، أو اعتبارها سياسة متبعة في رئاسة الجمهورية.
إن أهمية هذه التفرقة لا يغير من أمر اعتبار سلطة الرئاسة مسؤلة عن تلك القرارات وعن تبعاتها في كلتا الحالتين ؛ ولكنه يقود إلى فهم نوعية الخلل في منظومة هذه القرارات وفي طبيعة العلاقة بين الرئاسة وبين هؤلاء المسؤلين أثناء تأديتهم لمهامهم.
إن سرعة تغيير هؤلاء المسؤلين إما أن يكون بسبب عدم كفاءتهم للقيام بواجبات مناصبهم، وهذا يعني خلل في شروط واجراءات تعيينهم ابتداء وهي مسؤلية تتحملها الرئاسة.
وإما أن يكون بسبب عدم استجابتهم لتوجيهات الرئيس فيما يوجههم به، أو انقطاع علاقتهم به؛ وهذا يعني عدم قدرة سلطة الرئاسة على قيادة من تحت مسؤليتها.
و فرضية عدم خضوع المسؤلين لتوجيهات الرئاسة أثناء ممارستهم لمسؤلياتهم ينبئ بجانب ما ذكر عن غياب الاتصال والتواصل الذي يعني العجز أو غياب المشروع في توجه هذه السلطة.
ثمة استخلاصات نوردها في هذه الأسطر القليلة يمكن أن يستنتج القارئ من خلالها أين يكمن الخلل، وأبرز هذه الاستخلاصات:
_ إن علاقة رؤساء الحكومات السابقين بالرئيس انتهت بعد تغييرهم وانقطعت علاقتهم حتى بالتوجه السياسي لسلطة الشرعية كما حدث مع دولة الأستاذ/ خالد بحاح، وانتهت بالقطيعة مع دولة الدكتور بن دغر وتعمد القضاء على مستقبله السياسي بتذييل قرار إقالته بالتحقيق معه.
_ إن وزير الخارجية خالد اليماني قد انتهى به الأمر إلى تقديم استقالته، ونقده لسياسة الشرعية إن صح التصريح المنسوب إليه.
إن جلّ محافظي المحافظات المغيرين انتهى بهم المقام إلى تغيير توجههم بعيدا عن توجه الشرعية.
_ إن بعض محافظي المحافظات الذين مازالوا في مناصبهم بل بعض المسؤلين في مناصب مدنية وأمنية لا يرتبطون بعلاقة ولاء للسلطة ولا ينفذون سياساتها المعلنة.
إن كل ما ذكر يقود إلى استنتاج يدركه القارئ اللبيب يستطيع من خلاله إدراك مكمن الخلل في هذه المشكلة.