كتب : محمد ناصر العولقي
يبدو السيد حسين المحضار في قصيدة /أغنية ( يا مول شامة ) مزيجا من شعر مجنون ليلى وعمر بن أبي ربيعة … شعر مجنون ليلى يتبدى في التعلق الشديد والوقوع التام في شراك المحبوب ، ويتبدى شعر بن أبي ربيعة في كسر أعراف وتقاليد الحياة العاطفية عند العرب واختراق أفق التوقع المألوف بجعل المعشوق مكان العاشق والعاشق مكان المعشوق أو بمعنى آخر وصف المرأة المحبوبة كطالبة للرجل وتحريضها على المبادأة بالاعتراف بالحب بل وتحميلها جريرة التسبب في تخريب علاقة المحبة المفترضة ولومها على التمنع في الاعتراف للطرف الأول ، وهو الشيء الذي لم يعتد عليه العرف العاطفي العربي المؤسس على أن الرجل هو المسؤول عن البدء بالاعتراف للمرأة وأن المرأة إنما تتصف بالبخل والتمنع وفي أقصى حالات اهتمامها فإنها لا تبدي هذا الاهتمام صراحة بل تظهره بإشارات وتصرفات ترسل من خلالها رسائلها الى الرجل الذي تعلق به قلبها .
وبالنظر الى مقاطع القصيدة / الأغنبة فإننا نجد رائحة مجنون ليلى في المقطعين الأولين الذين يعبر من خلالهما المحضار عن تعلقه وولعه الشديد بالمحبوب وعدم نجاح محاولته للتخلص منه والانفكاك من أسر حبه الطاغي فيقول :
محيتك من سطور مذكرة قلبي
محيتك من رسوماتي الجميلة
ولا ادري وين عاد الحب لك مخبي ؟
مكاني أذكرك في كل ليلة
مكاني كلما شفتك معدّي
بدون أشعور أشّر لك بيدي
أو بابتسامة
يا مول شامة
وباقة ورد ع خدك علامة
فالمحاولات المتكررة للتخلص والهروب من الحب تتجلى في تكرار كلمة ( محيتك ) :
محيتك من سطور مذكرة قلبي
محيتك من رسوماتي الجميلة
بينما يتجلى عجز الشاعر وعدم نجاح محاولاته تلك في تكراره لكلمة ( مكاني ) التي تحمل معنى الإقامة المستمرة والثبات في المشاعر ، وإلحاق ذلك الاعتياد والثبات على المحبة باللاشعور وعدم القدرة على السيطرة على مشاعره وسلوكه المتجاوب مع الذكرى والرؤية العيان :
مكاني أذكرك في كل ليلة
مكاني كلما شفتك معدّي
بدون اشعور أشّر لك بيدي
ثم نجد الشاعر في المقطع الثاني يسير في نفس خط الوله بالمحبوب ، ويحاول إيجاد تفسير له فيقول :
كأنك قسمتي في الحب من ربي
ونا مالي من المقســــوم ميلة
كأنك قد عرفت السر من حبي
ولك قد بان يا خلّي دليله
وترجمت الهوى وفهمت قصدي
ولا تبغى تصرّح به وتبدي
خوف الملامة
يامول شامه
وباقة ورد ع خدك علامة
فيرد ذلك التعلق الشديد والوله الى قضاء الله وقدره والقسمة والنصيب كأسباب يعجز المرء عن الخروج عليها والميل عن طريقها غير أنه لا ينسى أن يشير الى أن محبوبه لا يجهل هذا التعلق به بل ويشاطره الحب ولكنه هنا يلتمس لمحبوبه العذر في التزامه بعادات المجتمع وخوفه من ملامة الناس .
أما رائحة عمر بن أبي ربيعة فتبدو في المقطعين التاليين من القصيدة / الأغنية حين يوصف الشاعر المحضار ولع المحبوب به ومطاردته له والتعرض له عمدا ويتمنّى وصاله في سرائره مع لومه ضمنيا على إبداء عدم الاهتمام وإظهار التحدي واللامبالاة به علانية فيقول في المقطع الثالث :
تخالسني النظر من لحظك الحربي
وتصرعنـي بذاك اللحـظ غيلة
وتلقاني عمد وتمر ع دربي
وتتمنى إلى وصـلي وسـيلة
ولكنك عنت لا قدك سدّي
ظهرت العنف واظهرت التحدي
ورفعت هامة
يا مول شامة
وباقة ورد ع خدك علامة
ثم يطالبه صراحة في المقطع التالي بالمبادأة بالاعتراف له ، وإعلان ذلك علنا وإمام الملأ فيقول :
تكلم واظهر المستور بالعربي
لســانك ليه به الكلمــة ثقيلة ؟
تكلم لا تقع في عشقتك عصبي
ودع عنك شياطين القـبيلـة
بغوا قلبك من القسوة يصدّي
بغوا الأحقاد بين الناس تمدي
عاماً بعامه
يامول شامة
وباقة ورد ع خدك علامة
إنها مطالبة معكوسة ولوم يخالف ما هو مألوف أراد المحضار من خلاله التهرب من مسؤلية أي نهاية فاشلة قد ينتهي بها هذا الحب المتبادل سرا بينه وبين المحبوب دون اعتراف من أحدهما للآخر .