تقرير / كريتر نت / عدن
كانت نشأة الحركة الحوثية في اليمن عند تأسيسها نشأة تعليمية طائفية للشباب المراهق ، وكانت تنشط بشكل كثيف في مجال توثيق المحاضرات التي يلقيها مؤسسها حسين بدرالدين الحوثي في أفلام فيديو وأوراق مطبوعة يطلقون عليها تسمية “ملازِم” ويوصلها أتباع حسين بدرالدين إلى باقي المناطق ومنها مدينة صنعاء .
ومن أهم الموضوعات التي كانت الحركة الحوثية تركز عليها في تلك المحاضرات والملازم هو المناهج التعليمية الرسمية المعتمدة لطلاب المدارس في جميع مراحل التعليم في اليمن ، فكانت بعض محاضرات وملازم حسين بدرالدين تحث النشء والشباب على رفض محتوى المناهج التعليمية ، ومن هذه الملازم ملزمة “خطورة المرحلة” وملزمة “مسؤولية آل البيت” على الرغم من أن المنهج التعليمي المعتمد في اليمن – وتحديدا مناهج التربية الدينية والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي – لم يكن يمثل مذهبا دون آخر بل كان خلاصة اجتماع آراء أكاديميين وفقهاء من عدة مذاهب بعضهم يعتبره الحوثيون من مراجعهم .
ومنذ ذلك الحين أخذت عملية استهداف الحوثيين للمناهج التعليمية والعملية التعليمية برمتها تتصاعد وتتضاعف بحسب معطيات تغير الأحداث في البلد وبحسب التغيرات التي طرأت على طبيعة الحركة الحوثية ذاتها من حركة تعليمية طائفية الى جماعة مليشياوية أيدلوجية إنقلابية متمردة الى سلطة أمر واقع تسيطر بالعنف على عدد من المحافظات اليمنية ؛ ويمكن تقسيم أطوار عملية استهداف الحوثيين للمناهج التعليمية والتعليم الى ثلاثة أطوار :
1 – تحريض مؤسس الحركة حسين الحوثي في ملازمة ومحاضراته الموجهة للشباب المراهق برفض محتوى المناهج التعليمية ، واتباع أفكاره ذات الطبيعة الطائفية والعنصرية والمتطرفة وقد كانت هذه الأفكار في العام 2004م ماتزال خارج حدود المدرسة رغم استهدافها للطلاب .
2 – توزيع مناهج خاصة بهم وكان هذا يتم في مدارس مديريات ومناطق محدودة سيطروا عليها في صعدة وعمران بعد عام 2011م في كل من ( مران ، فوط ، ذويب ، ضحيان ، الحمزات ، ال جعفر ، الشوارق ، الجمعة ، مدران ) حيث بدأت الحركة الحوثية بدمج أفكارها داخل المدرسة عبر مدرسين من أتباعها وممن يؤمنون بفكرها مع تدريس بعض مقررات المنهج الدراسي المعتمد من الوزارة والحرص على تجاهل وحذف أجزاء منه تختلف معهم فكريا مثل أحاديث أبو هريرة وأي أحداث أو مواقف عن أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة ، والترويج لفكر الحركة الطائفي المبني على أساس الحق الإلهي في الولاية والحكم ، وما ينمّي من فكر وسلوك العنف والإرهاب لدى الطلاب ، وفي هذا الصدد نشرت مواقع يمنية صورا لمناهج دراسية قامت مؤسسات دينية تابعة لجماعة الحوثي بطباعتها ليتم تدريسها في المناطق الخاضعة للجماعة بشكل كامل ، فقد طبعت “مؤسسة الإمام الهادي الثقافية” وهي مؤسسة تابعة لجماعة الحوثيين المسلحة ، بعض المناهج الدراسية التي تؤكد التعبئة الفكرية الطائفية وتعزيز العنف لدى الطلاب ، حيث يركز كتاب الرياضيات الذي يُدرسه الحوثيون لطلاب الصف الثاني الابتدائي في محافظة صعدة على استخدام الذخيرة والأسلحة والجنود وعمليات القتل والأسر كأمثلة رياضية وحسابية .
3 – تغيير مناهج التعليم للصفوف الدراسية الأولى ( من الصف الأول الى الصف الرابع ) وتوزيعها في بعض المحافظات التي أصبحت مليشيا الحوثي تسيطر عليها كسلطة أمر واقع بعد إسقاط صنعاء والانقلاب على السلطة الشرعية في سبتمبر عام 2014م ، وقام الحوثيون بتحوير متعمد في قضايا تاريخية ودينية من خلال فرض وجهة نظرهم المذهبية الشيعية ورؤيتهم التاريخية للأحداث من وجهة نظر خاصة تعود إلى أحداث سقيفة بني ساعدة مثل حذف الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان من المقررات الدينية، وكذلك بعض الصحابة والأبطال التاريخيين، إلى جانب استبدال الأسماء بشكل كامل وإضافة أسماء ذات طابع خاص بالنسبة إليهم، مثل إلغاء صالح واستبداله بحسين في مقررات اللغة العربية، بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى تغيير الصور في مناهج القراءة ووضع صورة تجسد شخصية حسين الحوثي مؤسس الجماعة ، كما طال هذا التغيير في المناهج مقررات الطلاب في الدراسة الجامعية والمعاهد التعليمية ، بمختلف التخصصات ، وقد أقر الحوثيون تدريس إحدى ملازم حسين بدر الدين مؤسس الجماعة ضمن المقررات الدراسية في جامعة صنعاء وإب، فضلا عن إدخال مفردات الخطاب الطائفي التابع للجماعة ضمن الامتحانات كما حدث في “المعهد العالي للتدريب والتأهيل” بالعاصمة صنعاء ، ففي امتحان مادة القرآن الكريم في المعهد أدخل الحوثيون أسئلة لا علاقة لها بالمنهج الدراسي ، وجميعها تدعي حصرية الإيمان في إطار الجماعة الحوثية، وتكريس فكرة القيادة المختارة من الله ، والمحصورة في سلالة معينة ، بالإضافة إلى تكريس فكرة “العَلَم”، وأن مخالفة هذه القيادة أمر مشابه لعمل بني إسرائيل كما تضمن الامتحان أسئلة تتهم من يخالف الجماعة وفكرها بالفسق والمعصية، وأيضا تحريض على الإعلاميين والإعلام واعتباره حربا كلامية تسعى للتضليل والافتراء .
وخلال هذه العملية المستهدفة للمناهج التعليمية والمقررات الدراسية ظل الحوثيون يتسترون خلف مبررات متعددة لمحاولة إخفاء المقاصد الطائفية والعنصرية والسياسية لهم من استهداف المناهج التعليمية والعمل التعليمي عموما ، ومن هذه المبررت التي يتسترون خلفها :
1 – إن ما يتعلمه طلاب المدارس والناس عن الدين عبر مناهج دينية مختلفة مثل كتب التفسير والحديث الشريف والتوحيد والسيرة النبوية والفقه وغيرها هي ممارسات خاطئة تصب في مصلحة السنة والمعتزلة والغرب وأعداء الإسلام بحسب قول مؤسس الحركة الحوثية حسين بدر الدين الحوثي، إذ لا يجب إتباع أي منهج ديني سوى استنباط كل ما يهم المسلم في دينه ودنياه من قراءة القرآن الكريم فقط والاستغناء تماماً عما سواه .
2 – إن تغيير المناهج التعليمية ﻫﻮ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺼﻮﻳﺐ ﻷﺧﻄﺎﺀ ﻣﻄﺒﻌﻴﺔ ﻭﻋﻠﻤﻴﺔ وردت في اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ .
3 – إن المناهج التعليمية الرسمية المعتمدة من وزارة التربية والتعليم قد تم فرضها من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل ضمن مؤامرة تستهدف الهوية اليمنية الإسلامية .
4 – إن تلك المناهج التعليمية تسببت في تراجع ملموس في الواقع التعليمي انعكس على مخرجات التعليم وقدرات الأجيال وارتباطها بهويتها ومجتمعها وقضاياها المصيرية.
غير أن هذه المبررات سرعان ما تنقشع مخادعتها عند مواجهتها بما أدخلته مليشيات الحوثي من تغييرات على المناهج التعليمية والمقررات الدراسية إذ يتوضح من خلال النظر الى محتوى تلك التغييرات بأن لا علاقة لها بالأخطاء المطبعية ولا بمؤامرات أمريكية وإسرائيلية تستهدف الهوية اليمنية الإسلامية ولا بتراجع ملموس في الواقع التعليمي ، كما يزعم الحوثيون ، بل كانت التغييرات الحوثية في المناهج التعليمية – كما استعرضناها آنفا – جميعها تهدف الى تحويل المدارس العامة والجامعات والمعاهد الى مؤسسات تعليمية طائفية لتكوين وتخريج أجيال ملقنة بفكر ولاية الفقيه الإيرانية التي يسعى الحوثيون الى حرث الأرض اليمنية وبذرها وفقا لذلك الفكر للوصول الى تشييع المجتمع بأكمله مستقبلا على الطريقة الإثنعشرية الإيرانية بكل مظاهرها الشكلية والجوهرية ذات الأبعاد السلالية والعنصرية والمتطرفة والاستعلائية الدخيلة على المجتمع اليمني .
ومما يؤكد ذلك أن الحوثيين لم يكتفوا بعملية تغيير المناهج والمقررات الدراسية في كافة مراحل التعليم الأساسي والثانوي والجامعي والمعاهد التخصصية بل قاموا أيضا باستعمال وسائل أخرى مصاحبة لهذه العملية لاستهداف عقول الطلاب والأجيال وغسل أدمغتهم وتحويل المدارس العامة والجامعات والمعاهد الى مؤسسات تعليمية طائفية ، ومن أبرز هذه الوسائل :
1- استهداف الكادر التربوي والأكاديمي ، بالفصل عن العمل والإقصاء والتهميش وإحلال بدلاء من السلالة الهاشمية أو من الموالين للجماعة الحوثية .
2- تحويل المدارس إلى ثكنات طائفية من خلال إقامة فعاليات تثقيفية لاستهداف النشء والشباب ، وبث الأفكار التي تكرس مفاهيم الرؤية الحوثية الطائفية والعنصرية المبنية على أساس الحق الإلهي لها في الولاية والحكم ، وغرس ثقافة الولاء للسلالة الهاشمية بين أوساطهم وهو ما يجافي ثقافة التعايش والتسامح والمساواة التي ظلت سائدة في المجتمع اليمني على مدى سنوات طويلة .
3 – منح إمتيازات تعليمية لسلالة معينة من مثل توجيه مدراء التربية والتعليم في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية بمنح أبناء الهاشميين أولوية القبول في المدارس ، وكذلك إصدار توجيهات لقبول المحسوبين على سلالتها للالتحاق بتخصصات الطب والهندسة والتربية رغم عدم خضوعهم لمعايير وشروط القبول وعدم اجتيازهم إمتحانات القبول .
4 – تخصيص أيام أسبوعية لتقوم قيادات ومراجع دينية حوثية بإلقاء الخطب والمحاضرات أمام الطلاب في طابور الصباح ، والتي يتم فيها التأكيد على ضرورة التبرؤ من ما يسمونها الممارسات الخاطئة التي مورست ضد آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحث الطلاب على الجهاد ضد قوى الاستكبار العالمي وفقا للنموذج الإيراني ، وإلقاء الخطب والكلمات الحماسية في المدارس لدفع الطلاب والأطفال للمشاركة في جبهات الحرب بمناطق يمنية مختلفة لدوافع طائفية بحتة .
5 – استحداث مناسبات ليتم غرس الفكر الحوثي من خلالها في نفوس طلاب المدارس والجامعات والمعاهد مثل “أسبوع الصرخة” وهو شعار الحوثي والمستخدم أيضا في جمهورية إيران : ( الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود ، النصر للاسلام ) ، وأسبوع الشهيد ، ومولد فاطمة بنت رسول الله ، والمولد النبوي ، ويوم الغدير ، ويوم عاشوراء ، وأربعينية الحسين ، ويوم القدس العالمي ، وإقامة مؤتمرات ومحاضرات علمية في الجامعات لتحليل خطابات زعيم المليشيات الحوثية عبدالملك الحوثي .
وبإلقاء نظرة فاحصة الى تلك الوسائل الطائفية التي تمارسها المليشيات الحوثية في المدارس والجامعات والمعاهد لموازاة عملية تغيير المناهج يستطيع المرء أن يتيقن من هشاشة تلك المبررات التي يرددها الحوثيون عن أسباب تغييرهم للمناهج وزيفها ، وأن الهدف الاستراتيجي للحوثيين من تلك التغييرات التي أدخلوها في المناهج والمقررات الدراسية وفي العملية التعليمية برمتها هو ملشنة التعليم وحوثنته وتحويل المدارس والجامعات والمعاهد الى معامل تفريخ لإنتاج أجيال تدين بالولاء لفكر ومنهج وإيدلوجية الطائفة الحوثية الإثنعشرية وفقا للنموذج الإيراني السلالي ،
وإعدادهم كمقاتلين لترمي بهم في محرقة حربها العبثية ، وفي هذا الشأن الأخير فقد صرح – بكل وضوح – وزير الشباب في حكومة المليشيات الحوثية حسن زيد عندما تساءل عام 2017 م على موقع “تويتر”: “ ماذا لو توقفت الدراسة لمدة عام ، وتوجه الشباب كلهم ومعهم أساتذتهم للتجنيد ؟ ألن نتمكن من رفد الجبهات بمئات الآلاف ونحسم المعركة ؟ ” .
*من تقرير منظمة حق للدفاع عن الحقوق والحريات*
*في ظل حكم المليشيات*
*2019م*