كتب : مسعد عكيزان
أشعر وأنا أخط كلماتي هذه بثورة عاتية من الإحباط تكاد تعصف بي في أمواج تضاربها الرهيب يجعل الرؤية أمامي ضبابية إلم تكن معتمة، ما يسوقني إلى شتات يتلقفني ويسيطر على حواسي، ويقذفني فريسة سهلة منقادة إلى فك القلق المقيت، والخوف المبهم من قادم مجهول لا أستطيع في غمرة ما أعانيه أن أستبين له معالما، أو أحدد له طريقا أو مسلكا، أو أرسم لأجله غاية أطمح إليها.
فراغ كبير يقوض الروح ويسلبها الطمأنينة؛ أو بالأحرى يحرمها منها، فهي بمثابة يوتوبيا مفقودة ومدى ًلم تبلغه بعد.
أي عناء بعد ذلك وأنت تحيا كقشة تتصرف بها الرياح أنى شاءت، وأي جحيم أشد من الشعور بعدم الاستقرار والضياع؟!!
رتابة الحياة ومرور مشاهدها أمام عينيك وهي تقتطع منك وقود رحلتها كفيل بشعورك بالموت يتسلل إليك ويخدر أعضاءك ليسلبك أغلى ما لديك، ويحيلك جثة هامدة!
ربما يكون ذلك أقرب توصيف ـ إلى حد ٍما ـ لما ينتابني في حين أكون رهينة أفكار فضفاضة ولكنها للأسف جوفاء وليدة العشوائية المسيطرة والمهيمنة على النطاق الذي يكاد يخنق أنفاسي، ويجعلني أشعر وللأسف بخوف شديد حيال رؤيتي للمدنية وقد استحالت إلى غابة موحشة تخضع لقانون القوة والسلطة.
مفردات يومياتي تكاد تكون مستنسخة من بعضها، ولا جديد يمنحها الحياة غير اختلاف الأرقام وعوارض الأحداث، ومتابعة سياقات عامة هي مفرز طبيعي للخلل المهيمن على حياتنا.
قد لا أمتلك من الفكر ما يؤهلني إلى تحليل ما يجري ويدور حولي بطريقة منطقية، غير أن إيماني وقناعتي يرسخان لدي أننا الضعفاء أمام أنفسنا ضحايا للتعاطف معها والانسياق وراء تبرير النمطية التي قوضت حياتنا وأحالتها إلى ركام ممقوت.
كل إنسان لديه تفسيره المنطلق من وعيه وتفاعله مع ما حوله، ما يجعله يفلسف أبسط جزئيات حياته وفق ما يراه صائبا ليقنع ـ على أقل تقدير ـ نفسه بأن هذا هو المنطق الصحيح الذي يترجم الحياة ومفرداتها.
ربما يكون للعقل الباطن هنا سلطة لا ندركها، أو نعجز تماما عن استبانتها.
ما يسوق لذكر ذلك هو الكثير من المواقف في الحياة؛ والتي تحتاج إلى التوقف عندها كثيرا، والنظر إليها بتأمل عميق والاستفادة من دروسها.
فكثيرا ما تمر بي حالات سوداوية تكاد تقضي على كل نقطة أمل لدي، وفي غمرة ذلك قد أتوجه إلى المسجد فإذا بي أسمع إمام المسجد يقرأ في صلاته آيات من القرآن أجد من الغريب جدا أن تلك الآيات وكأنها تخاطبي أو تلامس ما أعانيه، وأرجع ذلك إلى العناية الإلهية بعباده فهو ألطف وأرحم منا بأنفسنا.
وقد يقع بين يدي كتاب أقرأ في ثناياه ما يتوازى مع ما أعانيه، فأرجع ذلك أيضا للطف الله وعنايته بنا وإرسال رسائل تجتبينا مما نتخبط فيه لنقف مع أنفسنا في محطات نحن في أمس الحاجة إليها فأعمارنا تمضي سراعا والأيام تقضمها بلا هوادة ولا رحمة.
ربما لم أستطع الإلمام بما يضج برأسي من أفكار، وربما إن كلماتي هذه هي دليل واضح لما ينتابني في هذه اللحظات، إلا أني موقن تماما أن هذه الكلمات حوت القدر الكبير من مفردات تلك المعاناة التي أتشاطرها مع الكثير منكم، لذا ألتمس العذر من القارئ الكريم إن كنت اقتطعت منه جزءا من وقته بلا جدوى في ملاحقة فكرة لم تتضح معالمها، أو رؤية لم تنضج بعد فخرجت قبل أن تترابط بنيتها وتكتمل معالمها فجاءت ركيكة البنيان.
ورغم ذلك لا أخفيكم جميعا شعوري بشيء من الراحة وقد فضفضت وأخرجت ما بجعبتي بلجوئي للكتابة كمتنفس يتيح لي التعبير عما يخالجني.
16يوليو2019م