كريتر نت / لحج- د. عيدروس نصر
صحفي محترم يمثل صحيفة ذات سمعة عالمية محترمة، سألني السؤال التالي: ما رأيك في ما يفعله المجلس الانتقالي في عدن من ترحيل لأبناء الشمال من عمال البسطات والمطاعم من عدن؟
أغضبني السؤال ورددت عليه بعصبية: من قال لك إن المجلس الانتقالي هو من يفعل ذلك؟ فرد : كما يشاع؟، قلت له: لست أنت من يفترض فيه أن يقول “كما يشاع” لأن ما يشاع تشيعه قنوات ومواقع صحفية وإلكترونية معروفة بعدائها للجنوب وقضيته وللمجلس الانتقالي.
قال: لكن الانتقالي هو المسيطر على عدن، فرددت عليه أن عدن فيها محافظ وسلطة محلية وإدارة أمن، وفيها قبل هذا حكومة ورئيس ووزراء وزراء ووزارة داخلية وأجهزة أمن قومي وسياسي ومركزي وما إلى ذلك من أجهزة دولة كاملة تسيطر على أكثر من 80% من أراضي (الجمهورية اليمنية المفترضة)، أما المجلس الانتقالي فهو كيان سياسي جنوبي، صحيح أنه يحظى بشعبية وثقل سياسيين واسعين وسط ملايين الجنوبيين لكن القرار الأمني والسياسي والإداري هو بيد الحكومة الشرعية.
وعموما يطول الحديث في هذا فقد انتقلنا إلى الحديث عما يسمى “ترحيل الشماليين من عدن” وإخوتنا أبناء تعز يقولون “ترحيل أبناء تعز”، وفي هذا السياق يمكنني الإشارة إلى ما يلي:
• أتمنى أن لا تكون الضجة والصخب الكبيرين حول هذه القضية سببا في نسيان الجرائم المتواصلة التي ترتكب بحق الشعب الجنوبي منذ العام 1994م بدءً بترحيل أكثر من نصف مليون مواطن وموظف وعسكري وأمني وقائد سياسي من الغفير إلى الوزير ورئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية، وسط أجواء احتفالية لم يجرؤ أحد على إدانتها أو حتى الامتعاض منها (مع استثناءات قليلة جداً كانت كالقطرة في المحيط) كما لا يمكن أن ننسى جرائم التفجير والتقتيل والاغتيال والتفخيخ التي ترتكب على أيدي عصابات كثير منها تخرج من صنعاء فيقدمون إلى مواقع الاستهداف تحت مظلة البحث عن عمل أو النزوح أو غير ذلك وهؤلاء موجودون بالآلاف بين أوساط المواطنين الجنوبيين وفي كل مدن الجنوب وأريافه.
• ومع ذلك فإنني شخصيا أدين أي استهداف عشوائي أو منظم للأبرياء المدنيين الذين لا علاقة لهم بالصراع السياسي أو الأمني والعسكري، وأعتبر مهمة البحث والتحقيق في تفاصيل وخلفيات الجرائم المرتكبة بحق الجنوب والجنوبيين يجب أن تتولاها أجهزة متخصصة (ليست متورطة في أي شبهات أو جرائم سابقة) لإظهار الحقيقة النقية للقاصي والداني.
• إن أي تصرف فردي أو جماعي يستهدف أبرياء شماليين أو جنوبيين لا يخدم إلا أعداء العدالة والحقيقة وفي المقدمة أعداء القضية الجنوبية بمشروعيتها التاريخية وعدالتها القانونية والأخلاقية ومضمونها الوطني، وفي هذا السياق أنبه إلى أن معظم المحرضين على مثل هذه الأفعال قد يكونون مكلفين من جهات من مصلحتها تشويه نضالات الشعب الجنوبي وتقزيم قضيته، ولا أستبعد أن يتلقى هؤلاء توجيهات وتمويلات من تلك الجهة، والدليل على ذلك، تزامن هذه الأفعال الطائشة الصغيرة مع تلك الحملة المهولة التي تقودها قنوات ومراكز إعلامية تتمول من قبل خصوم وأعداء القضية الجنوبية.
• إنني أدعو الشرفاء الجنوبيين الذين أغضبتهم جسامة التضحيات التي قدمعها شعبنا ضحايا للغدر والمكر والخداع والاستغفال من قبل أطراف انقلابية وشرعية وليس آخرها الشهيد أبو اليمامة ورفاقه، أن يتمسكو بضبط النفس وعدم الانسياق وراء ردود الأفعال الانفعالية اللحظية وتحويل غضبهم واستيائهم لخدمة أعداء القضية الجنوبية، فالقضية لا تعالج بالانفعالات والعواطف، بل بحكمة سياسية طويلة النفس عميقة الأبعاد لها مساراتها وتكتيكاتها واستراتيجيتها، التي تستهدف في نهاية المطاف الوصول بشعبنا إلى حقه التاريخي في استعادة دولته واختيار طريقه المستقبلي المستقل.
• لقد تلقيت صوراً لمشاهد احتفالية أقدم عليها بعض المقيمين الشماليين في عدن ابتهاجاً باستشهاد كوكبة من أبناء الجنوب في عمليتين إجراميتين أدانهما القاصي والداني، وأقول لأهلنا ذوي الشهداء والجرحى والمتعاطفين معهم، دعوا هؤلاء يبتهجون بالوقاحة وقلة الأخلاق وموت الضمير، واتركوا الأجهزة المختصة تحاسبهم وتنزل بهم العقوبات المناسبة ولا تتصرفوا معهم أي تصرف يقدمهم كضحايا، ويقدمكم كجناة وأنتم أصحاب الحق.
• إن الحكومة الشرعية برئيسها ومجلس وزرائها وأجهزتها الأمنية التي تتجاوز أسماؤها عدد أصابع اليدين والرجلين، هي المسؤولة عن أمن المواطنين جميعاً شماليين أو جنوبيين فهي من تستولي على الموارد وتمتلك موازنة سنوية تشمل مئات المليارات، وتستولي على الإغاثات والإعانات الإقليمية والدولية، وهي من يلزمها الواجب الدستوري والقانوني في البحث والتقصي في من يقف وراء كل الجرائم التي استهدفت العقل السياسي والأمني الجنوبي منذ العام 1994م، وعليها أن تكف عن سياسة “التباهي بالفشل” وادعاء عدم القدررة لأن تلك الحجة وحدها إدانة كاملة لها ومبرر كافي لاقتلاعها، ولا أحد سواها مسؤول عن حيوات آلاف الضحايا الذين أزهقت أرواحهم بسبب عجزها وربما بسبب تظاهرها بالعجز.
• وأخيراً إن إثارة الصخب حول جزئيات ومظاهر صغيرة أو حتى كبيرة، وإهمال القضية المحورية التي هي سبب كل تلك المظاهر الجزئية لا يختلف عن تصرف ذلك الذي قال “أنا أرى أشجاراً كثيرة لكنني لا أرى الغابة “.
إن المعالجة لكل هذه المظاهر والتعقيدات والتصرفات المقبولة وغير المقبولة بما في ذلك الجرائم المرتكبة بحق الشعب الجنوبي، والمستمرة منذ 1990م حتى اليوم، يكمن في حل القضية الأساسية وهي القضية الجنوبية والاستجابة لمطلب الشعب الجنوبي في استعادة دولته وتركه ليقرر مصيره بحريته الكاملة بعيدا عن وصاية أدعياء الوصاية، وتبعية المولعين بالتبعية، ولن يكون الجنوب إلا منفتحا على كل من يزوره ويقيم ويستثمر أو يعمل على أرضه أو حتى يأتي زائراً لمدنه وبلداته كما كان على مر التاريخ.
والله ولي الهداية والتوفي