كتب : بدر العرابي
المجتمع الدولي أخضع الجنوبيين لامتحان (قبول) بشكل غير مباشر، وهذا الامتحان يمكن أن نتكهن أسئلته في شكلين:
الأول: كم مقدار القوة الميدانية العسكرية، لهؤلاء الذين يتهجسون ويتغنون بهيام بحاجتهم للاستقلال، وطلبهم الملح، إدارة شئونهم السياسية بأنفسهم، ومامدى قدرتهم على حماية مصالحهم، ومصالح المجتمع الدولي؟.
والمعيار الذي يفحص منسوب هذه الأهداف، لدى الممتحن هو:
مدى نجاحهم في إسقاط دولة وشرعية النظام الذي لم يعد صالحاً لإدارة أمور الأمة وضبط الحياة والإمساك بأمنها.. وإلى جانب ذلك وهو الأكثر أهمية فحص:
هل يستطيع الجنوبيون هؤلاء أن يساهموا في تجفيف منابع الإرهاب والتطرف، الذي عاث بالجزيرة العربية منذ (29)عاماً وبالتحديد منذ قيام الوحدة اليمنية، وقيام (ألإئتلاف الأصولي بين السياسي والإسلامي والعسكري)
وبالتحديد (التحالف بين القوى الأصولية ذات الفكر التكفيري) بعد عام 1994م، فيما عُرف ب(الجمهورية اليمنية) والذي أسس ورعى التنظيمات الإرهابية، ومنحها شرعية وجود، إما بشكل تيارات وأحزاب سياسية، أو جماعات غير منخرطة في العمل السياسي، لكنها تتمتع بحرية الوجود في بقع جغرافية، بإيعاز من هذا الإئتلاف، بشكل من الحجب والإخفاء والتستر عليها، والأبعد من ذلك استخدامها من قبل الإئتلاف الأصولي (النظام السياسي في اليمن) لأغراض عديدة، أهمها:
1_ التخلص من المعارضين السياسيين والخصوم الجهويين مثل:
*الشريك السياسي الجنوبي (شعباً وقيادة سياسية وعسكرية وأحزاباً)
*الحزب الاشتراكي: التخلص من كوادره أبان تحقيق الوحدة اليمنية (150) سياسي جنوبي ينتمون للحزب الاشتراكي وقيادات في الحيش الجنوبي ، لقوا حتفهم في صنعاء (جار الله عمر، والحريبي، العقيد ماجد مرشد)، كنماذج لسلسلة طويلة؛ باعتبار أنهم شيوعيون ويأمنون بالفكر الشوعي من جهة ،وعينات إنسانية،تسدُّ رمق وشهوة التكفيريين، ولعل حادثة اغتيال (جار الله عمر) تفسر لنا مدى الحميمية بين المتطرفين التكفيريين والإئتلاف السياسي الحاكم بعد عام 1990م، ومدى تسمُّك رابطة المصالح والتبادل البرغماتي والسياسي؛ إذا ما علمنا فجاجة ملابسات الاغتيال،التي تمت في فعالية سياسية،القاتل فيها مندوب رسمي مشارك في الفعالية السياسية ، وقد ترقى هذا الترابط بين الطرفين، إلى درجة غدا معها وجود طرف من الطرفين، يتوقف على وجود واستدامة الآخر وبقائه، وزوال أحدهما يعد زوال للآخر (حادثة جامع النهدين، أنموذجاً)؛ إذ بعد أن تحالف (صالح) مع أمريكا والمجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب؛ شعر المتطرفون، وهم بالقرب منه، أنه قوَّض ونكث بالعهد معهم؛ ومن ثمة، فزواله كان تتويجاً لزوال وزعزعته الارتباط السميك.
2_ابتزاز المجتمع الدولي (مالياً) و(سياسياً، من خلال تلويح (صالح والقوى الأصولية معه، انهم سيتعاونون مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، الذي يعرفون جيداً عناصره وأماكنه (التنسيق بين استخبارات النظام وقوات مكافحة الإرهاب الدولية، طائرات بلا طيار، وإحداثيات وجود الإرهابيين وتنقلاتهم).
وقد كان الابتزاز السياسي للمجتمع الدولي، يصب في مساندة المجتمع الدولي لصالح ونظامه الأصولي، في الحفاظ على الوحدة اليمنية التي تم الإطاحة بها من صالح والأصوليين في ائتلافه السياإسلامي، على مرأى من العالم كله.
ومن ثمة، فبعد وصول المجتمع الدولي لقناعة تامة (دون تصريح) أن الوقوف مع صالح وتنفيذ مطالبه وابتزازاته هو وإئتلافه الأصولي_كان خطأً كبيراً، وقد أدى لمنح المتطرفين /القاعدة، رسوخاً، كجماعات إرهابية يصرح لها بتنظيم نفسها واستقطاب الانتحاريين، لكهوفها وتنشئتهم أيديولوجياً، لما يخدم النظام الأصولي/الإئتلاف، ويخدم مصالح الجماعات الإرهابية نفسها، ويطيل من وجودها وممارسة نشاطها بإريحية، حتى اللحظة الراهنة، التي تقولبت فيها بأشكال مشرعنة أكثر (في الوحدات العسكرية) حتى غدت منظمات المجتمع الدولي اللوجستية الداعمة للأعمال الإنسانية، لا تمر إلا عبرها.
وعودة للامتحان الذي خضع له الجنوبيون، بمافيهم المجلس الانتقالي؛ فأن ثمة معيار آخر ،يضعه المجتمع الدولي لنجاح الجنوبيين في هذا الامتحان،هو (مدى قدرة قيادات الجنوب الحالية،على تأسيس وبناء السلام السياسي و الاجتماعي داخل الجنوب)،وهو المعيار الذي يضيء بلون أحمر وبشكل من التناوب لدى الممتحن ،وقد تكون الدرجة النهائية لقبول الجنوب ودعم طموحاته ،تتعلق بهذا المعيار.
خلاصة القول،فنجاح( الانتقالي) في معيار حضوره عسكرياً، لدى المجتمع الدولي، لايمكن قبول درجته (50على 100) إلا بنجاح الجنوبيين في المعيار الثاني، وهو مدى قدرة الجنوبيين في إحلال السلم الاجتماعي في الداخل، والاستقرار المستديم الممتد للمنظومة العسكرية والسياسية والاجتماعية في جغرافيا الجنوب، التي تمثل للعالم بؤرة ومنطقة مهمة وغير قابلة للاختراق، وتقويض المصالح الإقليمية والدولية.
فلا خيار أمامنا كجنوبيين( تنتظرنا مكاسب، لم تخطر ببالنا على مدى تاريخ حضورنا الإنساني) _لا خيار لنا، سوى تجاوز هذا الامتحان بوجهيه وحامليه المعياريين،وبدرجة تؤهلنا للقبول لدى المجتمع الدولي.