بدر العرابي
هيمنة العناصر المؤسسة للنص، هي التي تحدد نوعه أو نمطه أو هويته الأجناسية،بين قصصي أو قصيدة،وخاصة في النص المعاصر الذي تضربه بعمق مشكلةُ التداخل بين الأنواع السردية والأنواع الشعرية/القصيدية ؛ فإذا غلبتْ العناصر الغنائية على العناصر الأخرى في نص معين، فهذا يعني، ومن الوهلة الأولى لتلقينا النص،أننا أمام نص (قصيدة) وإذا ما غلبتْ العناصر الأخرى (السردية /الحكائية) وتحولت لهاجس سردي /قصصي في جل رقعة النص؛ فهذا يعني أننا أمام نص نص (سردي /حكاية /قصصي).
لكن هذه الغلبة، ليست اعتباطية أو عشوائية، بل لا بد أن تبدو متصلة بجهاز نصي يدفع بدينامية، النصَّ نحو هويته النوعية ،أو منظومة غنائية او سردية مشغَّلة بتواتر من المفتتح النصي حتى الختام.
وإلى جانب معيار جهاز التشغيل المنظومي /الكلي للعناصر البنائية؛ فأن ثمة عناصر خارج النص، يجب أن تكمل استقلال نوع العمل الأدبي وقد يصاب النص باضطراب أو تعثُّر وهو في، طريقه إلى التصنيف أو التحديد النوعي في حالة فقدانه وظيفة المتمم الخارجي هذا، كأحد المعايير الرئيسة، التي تتوّج هويته النصية ونوعه الأدبي،وتعلنه بشكل غير مباشر.
ومن أهم هذه العناصر الخارجية، القارى أو المتلقي، الذي تحتفظ ذهنيته ومشاعره بأنساق معيارية قارة، شكَّلتها (كمرجعية ذهنية ووجدانية) الثقافةُ والفلكلور والبنية الروحية للفرد ، من جهة، وترتبط بمحركات ذهنية وشعورية وانفعالية ، تأصلتْ في الإدراك الوجداني والذهني والروحي، الفردي.
ولا أعتقد أنه من المبالغة؛ إذا ما وضعنا مكونات النص الفوقية، في مبحثنا التصنيفي لهوية النص_بين قطبين: الأول: معايير داخلية (داخل النص)، والقطب الثاني: عملية التلقي ومدخلاتها ومحصلتها ، بمافيها المتلقي وثقافته المعرفية، من جهة، وثقافته الروحية والفلكلورية، من جهة أخرى، وطبيعة ومعايير ومنهاج الاستجابة الشعورية والوجدانية، التي ترتبط بدورها بآلية المشتغلات الذهنية والوجدانية، في أثناء تلقي النص.
تلك العناصر (الخارجية وتفريعاتها الآنفة) هي التي تسدل ستار التحديد النهائي للعمل الأدبي، وتضعه، بشكل من الثقة المنطلقة من مرجعيات التلقي الآنفة. في مجاله النوعي (قصة أو قصيدة). لكن هذا التحديد والتصنيف، الذي تفضي له عملية تلقي النص، لا يهتم كثيراً بأسئلة نظرية النوع الأدبي ، ولا يسعى إلى الإجابة عليها، بقدر ما هو أصل يرتبط باشتغالات وطبيعة الذائقة ومتطلبات إشباع رغباتها،وقدرة النص على فتح شفرات استجابتها للتفاعل مع النص ، ومن ثم فالتلقي،والمتلقي لا يهتما بفحص المعايير التي تحدد الهوية النوعية للنص المقروء، بقدر ما ينصرفا عن النظرية وأسئلتها، إلى التفاعل والانسجام، الذي يتوخى فيه المتلقي التشغيل الروحي للمشاعر والعواطف والرؤى القارة في داخله الوجداني والذهني والمعرفي، معاً، وبشكل من التوافق مع المنهجية المعرفية والثقافية، المرجعية المؤصلَة، التي تحتفظ بضوابط الإثارة والانفعال والتمدد الشعوري، وتحتفظ، وبشكل غير واعي، بمشتغلات ذهنية ووجدانية، ذات أنظمة تشغيلية شعورية متعددة ومختلفة ، يتشغَّل كل نظام منها، وفقاً لطبيعة النص الأدبي المقدوح بين يدي التلقي، بعد المطابقة العفوية بين بُنى النص، وما يطابقها من أنظمة التشغيل المتعددة والمختلفة ، التي بدور كل نظام منها، وفور تشغيله، يعلن بشكل غير صريح عن هوية ونوع النص الأدبي، من خلال مستوى ونوعية الانفعال والصخب الشعوري الذي تفضي إليه عملية التوافق بين نظام النص ونظام التلقي الذي يتم تشغيله بعفوية من قبل المتلقي الذي حسم اختياره لنمط نظام التفاعل والانسجام المطابق لنظام النص ،من بين أنظمة الاستقبال المتعددة لديه ،وبما يتوافق مع طبيعة النص ونظامه التأسيسي.