كريتر نت / كتب- أحمد المصري
شهدت المعركة ضد إيران في اليمن منخفضات ومرتفعات، وسياسات متباينة على صعيدي الإدارة الاستراتيجية والتكتيكية للمعركة، وأدارتها قوات التحالف العربي ـ في مجملها ـ بجدارة منقطعة النظير.
استفادت تطورات الصدام الاستراتيجي وتحولاته الجذرية أيما استفادة من تخبط النظام الإيراني ونظرته الضيقة إلى مُجريات الأمور، ولذا حققت النجاح تلو الآخر، ويتطلب تتويج تلك النجاحات الانتقال في المرحلة الراهنة إلى سياسة جديدة منطلقها الرئيس إعادة التأهيل وحبكة التشكيل لجيش جنوبي نظامي ضارب، ولهذه الخطوة فوائد جوهرية، من أهمها تخفيف العبء العسكري الملقى على كاهل التحالف العربي، وتوفير التغطية العسكرية لحماية أراضي الجنوب، والتي تُعدُ حجر الزاوية في الأمن الخليجي، وبنسبة كبيرة في المنظومة الشاملة للأمن القومي العربي.
نشوء ذلك الجيش الجنوبي الفاعل سيخلق حالة من الاطمئنان طويل الأمد، بأن الانتصارات التي حققها التحالف العربي، وتشمل تحرير الرقعة الجغرافية لليمن الجنوبي، ستكون سمتها الديمومة والثبات؛ إذ أن وجود ذلك الجيش الذي نرتقب سيحمي المنطقة الساحلية الجنوبية وباب المندب ذات الأهمية الاستراتيجية الفائقة، كما سيذود عن البلاد من أي هجمات لميليشيات الحوثيين، إيرانية الهوى والتمويل، القادمة من شمال اليمن.
إضافة إلى ما تقدم، فإن توفير الدعم المناسب لنشوء وتشكل جيش جنوبي منظم وفاعل سيفتح كوة نافذة لتحقيق التحالف العربي لانتصارات موجعة لميليشيات الحوثيين داخل العمق الشمالي، خاصة وأن قوات ما يسمى “الجيش الوطني”، الخاضع لسيطرة الفرع اليمني من جماعة الإخوان المسلمين، جماعة الإصلاح، تتخذ موقفا أقل ما يُوصف به التخاذل، بل والتواطؤ المشين.
ومما يحفز التفكير في هذا المقترح أن القوات الجنوبية، بكافة تشكيلاتها القائمة، قد أثبتت المرة تلو الأخرى أنها الحليف الوحيد الذي يمكن للتحالف العربي الركون إلى إخلاصه في اليمن؛ فخاضت معارك شرسة بصورة متزامنة في مختلف أرجاء البلاد، متصدية للحوثيين على جبهات الحدود والساحل الغربي والحد الجنوبي على حد سواء.
ومن مناحي الأهمية الفائقة لإنشاء الجيش الجنوبي الموحد التصدي بفاعلية مستدامة، في المرحلة الأولى بعد النشوء لما يتعرض له الجنوب من هجمات الميليشيات الحوثية الإيرانية متحالفة مع القوى اليمنية الشمالية، ومن ثم الانتقال إلى التقدم المضطرد داخل المناطق الشمالية لتحقيق الهدف الاستراتيجي للحرب التي تشنها قوات التحالف العربي؛ التحجيم ثم الاقتلاع الكامل للتهديد الحوثي الإيراني لجنوب الجزيرة العربية من جذوره، والقضاء المبرم على الخطر الإيراني في منطقتي عدن وباب المندب الاستراتيجيتين إلى الأبد، مما يحقق الأمن الخليجي ويمنح الأمن القومي العربي منعة واستقرارا، وهذا بدوره يدعم السلم والأمن الدولي.
لقد أثبت الصراع الذي اندلع في مارس 2015، ويدرج حثيثا في سنته الخامسة، وبما لا يدع مجالا للشك زيف ما يُسمى الجيش الوطني، والذي تراوحت تحركاته الميدانية ما بين التواطؤ مع ميليشيات الحوثيين أو الهروب من أمامها تاركين معسكراتهم، بقضها وقضيضها، لقمة سائغة لهم.
وفي المقابل، كانت الإرادة الصلدة لقوات المقاومة الجنوبية، بمختلف تشكيلاتها، الصخرة الصماء التي تحطمت عندها أحلام إيران التوسعية.
اتخذت المقاومة الجنوبية موقفها المبدئي، وبدعم من الأشقاء في التحالف العربي، وقدمت تضحيات سيسطرها التاريخ بأنصع الحروف في سجلات البطولة، فدحرت ميليشيات الحوثيين الإيرانية، ودفعتها حتف أنفها للتقهقر باتجاه المناطق الشمالية، وفي ظل ذلك أصمّت جماعة الإخوان المسلمين أسماع العالم بالخطاب الأجوف عن النضال والمقاومة، ولكن في واقع الأمر لا جيش وطني ولا مقاومة تصدت للحوثيين، وبالتالي تمكنوا من السيطرة على معظم الرقعة الجغرافية الشمالية.
كان ذلك التواطؤ المُخذّل والانبطاح المهين لجماعة الإخوان المسلمين السبب الرئيس في إعاقة التحالف العربي عن تحقيق التقدم المنشود في شمال اليمن وإسقاط حكم الحوثيين في صنعاء وغيرها من المناطق، بل وإنه أربك مسار المعارك عدة مرات حيث منح الحوثيين الفرص السانحة لمهاجمة الجنوب استنادا إلى استقرار أوضاعهم الميدانية في الشمال.
لهذه الأسباب مجتمعة نرى أن الخطوة المنطقية التي يجدر بالتحالف العربي اتخاذها في هذا المنعطف الحاسم من عمر الصراع، هي توفير الدعم الكامل لتشكيل جيش جنوبي ضارب تحت إطار مؤسسة عسكرية نظامية مدروسة المعالم؛ تحقق الأمن والاستقرار في اليمن، وترفع العبء عن كاهل التحالف العربي، وتحفظ ديمومة الانتصارات التي تحققت في المناطق الجنوبية، كما تساعد بشكل حاسم على تحقيق النصر الحاسم والنهائي على ميليشيات الحوثيين الإيرانية في شمال اليمن.