كتب : فيصل الصوفي
لم تبد حكومة الرئيس هادي أي حرج بالانتقادات التي وُجهت إليها من قبل جهات دولية ووسائل إعلام عالمية بعد ظهور بعض العناصر الإرهابية في صفوف وحدات الجيش الوطني التي قدمت من مأرب إلى عتق، ثم حاولت التوجه نحو عدن.. وبدلاً من الالتفات إلى هذه المشكلة الخطرة بجدية، خرج وزير الإعلام يتحدث عن اعتزام الحكومة رفع دعاوى قضائية ضد بعض وسائل الإعلام التي تحدثت عن الموضوع، ولاحقاً زعم أن الشرعية ملتزمة بمكافحة الإرهاب.. نحن هنا أمام مكابرة حقيقية، حول قضية واقعية وخطرة.
إن وجود الإرهابيين والمتطرفين في صفوف الجيش الوطني أمر لا يحتمل المكابرة، فهناك عوامل عدة ومختلفة جعلت وجودهم داخل الجيش حقيقياً..
حول العنوان أعلاه، سوف نكتفي بالتذكير بمعطيات واقعية تتعلق بثلاثة عوامل أو ثلاثة أسباب رئيسة: الأول منها، دمج مسلحي جماعة الإخوان (حزب الإصلاح) وحلفائه في هذا الجيش.. وهنا نرجو أن لا يعد هذا القول من قبيل النكاية أو الكيد السياسي، فمثلهم مثل كل جماعات الإخوان المسلمين الأخرى التي تعادي الجيوش العربية وتعتبرها حامية المستبدين، ظل الإخوان المسلمون في اليمن (التجمع اليمني للإصلاح) ينظرون إلى الجيش اليمني نفس النظرة، ولكنهم في وقت لاحق عدلوا هذه النظرة قليلاً، حيث ميزوا بين القوة النوعية منه وهي قوات الحرس الجمهوري، وبين القوة التقليدية وهي الفرقة الأولى مدرع، فنظروا إلى الأولى بوصفها جيشاً خاصاً بالرئيس صالح وقراباته، وأطلقوا عليها الجيش العائلي (الحرس العائلي تحديداً)، ولسبب معروف اعتبروا الفرقة الأولى التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر والتي تتكون من ألوية عسكرية كثيرة، بوصفها الجيش اليمني الوحيد.
أعلن محسن ومعظم قادة ألوية الفرقة الأولى مدرع، انشقاقهم عن حكم الرئيس صالح والانحياز إلى ما سُميت الثورة الشبابية -الشعبية يوم 18 مارس 2011، وكانت حماية المعتصمين من أي اعتداء قد يقوم به الأمن العائلي والحرس العائلي أحد المبررات التي ساقها محسن لتسويغ الانشقاق، وبالمقابل أطلق الإخوان على الفرقة الأولى مدرع وتفريعاتها العسكرية مسمى الجيش الوطني، كما يسمى اليوم.. أثناء نقل السلطة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي غلب عليها النفوذ الإخواني تم تجنيد ما بين 30 ألفاً و65 ألفاً كاستحقاق ثوري للمشاركين في تلك الثورة.. نال كبار مشايخ حاشد وبعض أحزاب اللقاء المشترك المشاركة في الثورة حصة من تلك الأرقام العسكرية (التنظيم الوحدوي الناصري مثلاً بلغت حصته 75 مجنداً، كما قال لنا أحد قرابات العتواني).. بينما كانت الحصة الكبيرة من نصيب الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وجماعة أنصار الشريعة.. وسرعان ما بدأت تظهر نتائج ذلك التجنيد، حيث اضطلع بعض المجندين الجدد بمهام تصفية الضباط والطيارين ورجال الأمن في الوحدات التي تم توزيعهم عليها بعد تجنيدهم في الفرقة الأولى مدرع بداية الأمر، ولعل كثيرين لا يزالون يتذكرون حوادث متكررة لسقوط طائرات أو انفجارها في سماء العاصمة كانت تلك حوادث وقف وراءها القاعدة كما تبين لاحقاً، ومع ذلك استمر كل المجندين في قوام الجيش بعد عملية الهيكلة التي بدأها الرئيس هادي في الثلث الأول من العام 2013، وصاروا اليوم في الجيش الوطني.
في ذلك العام نفسه كان الحوثيون الذين أنجزوا لتوهم القضاء على الوجود السلفي في دماج وكتاف بمحافظة صعدة، قد دخلوا في نزاع مسلح مع مقاتلي حزب الإصلاح أو الإخوان المسلمين المسنودين بميليشيات حزبية وقبلية، وبعض الألوية العسكرية التي كانت ما تزال في قبضة اللواء علي محسن الأحمر بعد أن أزاحه الرئيس هادي من قيادة الفرقة الأولى، وعينه مستشاراً لشئون الدفاع والأمن.
خلال ذلك النزاع المسلح بين الطرفين والذي استمر إلى الثلث الأخير من العام 2014، وشمل محافظات عمران، الجوف، صنعاء، وجزءاً من مأرب، ظهر التحالف بين تنظيم القاعدة اليمني وجماعة أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وحزب الإصلاح بجلاء.. لقد كان المسلحون الحوثيون يزحفون على مراكز نفوذ حزب الإصلاح وكبار مشايخ حاشد وحليفهم اللواء علي محسن الأحمر، وكان الأخيرون ينهزمون وينسحبون، ويتهمون الرئيس هادي ووزير الدفاع محمد ناصر أحمد بخذلانهم، وقالوا إن الرئيس هادي بدلاً من أن يأمر الجيش بالقتال إلى جانبهم ضد الجماعة الحوثية المعتدية، إذا به يكلف وزير الدفاع القيام بدور الوسيط بين الطرفين (رد وزير الدفاع على ذلك بالقول إن النزاع المسلح يجري بين طرفين سياسيين متنافسين، ولا يمكن زج الجيش في هذا النزاع الحزبي).
وفي تلك الفترة كان محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح، يعيب على الدولة والقوى السياسية الوقوف موقف الحياد من ذلك النزاع، ويقول إن الساكتين اليوم عن اعتداءات الجماعة الحوثية لا ينبغي أن يتكلموا غداً حين يظهر الدواعش.. وظهرت للعلن مقالات السياسيين والمثقفين الإصلاحيين التي تمتدح تنظيم القاعدة وترحب به: تنظيم القاعدة يسير علی نهج سيدنا الشيخ أسامة بن لادن.. الإرهاب الذي نريد.. صادقنا تنظيم القاعدة، وأدخلناه بلادنا، وهلم جرا.. ومن جانبه أكد تنظيم القاعدة اليمني وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب هذا التحالف عمليا، وظهر جلال بلعيدي -الذي نحر الجنود العمرانيين الأربعة عشرة بحضرموت- في قناة الملاحم، يقول إن تنظيم القاعدة قاتل مع حزب الإصلاح ضد الحوثيين الروافض في عمران، وسوف يقاتل معه في الجوف.. وكلا التنظيمين نشر فيديوهات وبيانات تثبت قيام المجاهدين بواجبهم الشرعي في نصرة أهل السنة (حزب الإصلاح) الذين خذلهم نظام صنعاء وتخلت عنهم دول الخليج، حسب تعبير جلال بلعيدي في تسجيل صوتي بثته قناة الملاحم في أغسطس 2014.. هناك المزيد، لكن لا نعتقد أن المقام يستدعي تفصيل الحالات التي اشترك فيها شيوخ الإخوان (حزب الإصلاح)، مع رجال تنظيم القاعدة في تحشيد ونقل عناصر تنظيم القاعدة إلى صفوف ميليشيا الإخوان المسلمين وكبار مشايخ حاشد، للتصدي للزحف الحوثي نحو عمران والجوف ومأرب وصنعاء، وأبرز أولئك المشايخ الزنداني والحزمي، وسعد العتيقي العولقي أبرز قياديي تنظيم القاعدة في شبوة، ونبيل الذهب، ومأمون حاتم.
وعلى الرغم من أن جماعة الحوثي هزمت منافسيها في ذلك النزاع واجتاحت أرحب ومديريات محافظة صنعاء الأخرى، وتمكنت عصر يوم 21 سبتمبر 2014 من اجتياح العاصمة بعد أن وضعت يدها على جامعة الإيمان ومقر الفرقة الأولى مدرع، فإن الطرف الآخر تكتل في مأرب، ثم إنه أعلن في أول أيام عاصفة الحزم انحيازه إلى الرئيس هادي وتأييد العاصفة، وصار بقضه وقضيضه جزءاً من الجيش الوطني الموجود الآن.
ذاك هو العامل الأول وهو ذو شقين كما مر بنا، أما الثاني فلا يختلف عن سابقه إلا من حيث الكم، لا النوع.. نعني بذلك اللجان الشعبية في عدن وبعض محافظات الجنوب.. تم تكوين هذه اللجان على عجل إبان الاكتساح الحوثي للجنوب منذ يومه الأول.. هذه اللجان الشعبية التي أعلنت ولاءها للرئيس هادي بعد انتقاله إلى عدن في فبراير 2015، صارت ضمن قوام الجيش الوطني اليوم.. تأسست هذه اللجان في البداية من خبرات وعناصر تنظيم القاعدة وجماعة أنصار الشريعة..
ربما علم كثير من المتابعين بما كان ينشر حول الهجمات الإرهابية في عدن.. لقد كان منفذوها من جملة أفراد تلك اللجان التي اخترقت قوى الأمن والجيش.. أيضاً ربما طالع بعض المهتمين تقريراً نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في وقت مبكر (19 يوليو 2015) عن العلاقة التي كانت قائمة بين اللجان الشعبية الموالية للرئيس هادي وبين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وأشار تقرير وول ستريت جورنال بصفة خاصة إلى الاحتفال الذي نظمه الطرفان بمناسبة النصر بمدينة كريتر، ووصفت حال المواطنين بعد أن شاهدوا أعلام تنظيم القاعدة ترفرف فوق رتل من السيارات والعربات المدرعة التي كانوا يستقلونها وبجانبهم قيادات اللجان الشعبية.
أما السبب أو العامل الثالث فيرجع إلى تغاضي التحالف العربي عن أنشطة تنظيم القاعدة في اليمن وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وغيرهما في بداية الأمر.. فقد أكد الناطق باسم التحالف العربي اللواء أحمد عسيري في بواكير عاصفة الحزم أن العمليات العسكرية للعاصفة لا تستهدف تنظيمي القاعدة وداعش في الوقت الحالي.. وبالفعل لم يحدث شيء من ذلك، ويبدو أن الرئيس هادي وقادة جيشه فهموا رسالة التحالف فهماً خاطئاً، الأمر الذي شجعهم على ضم المزيد من العناصر الإرهابية والمتطرفة إلى الجيش الوطني، ولم يدركوا مغزى الهجمات الأمريكية، حيث ظل عناصر القاعدة الموجودون في جبهات الجيش الوطني وتجمعاته، في تلك الأثناء وحتى اليوم، هدفاً للهجوم بواسطة طائرات دون طيار..
المصدر : يمن الغد